- قوله " الأنسية " قال في الفتح بكسر الهمزة وسكون النون منسوبة إلى الأنس ويقال فيه إنسية بفتحتين وزعم ابن الأثير أن في كلام أبي موسى المديني ما يقتضي أنها بالضم ثم السكون وقد صرح الجوهري أن الإنس بالفتحتين ضد الوحشة ولم يقع في شيء من روايات الحديث بضم ثم سكون مع احتمال جوازه نعم زيف أبو موسى الرواية بكسر أوله ثم السكون فقال ابن الأثير إن أراد من جهة الرواية وإلا فهو ثابت في اللغة والمراد بالإنسية الأهلية كما وقع في سائر الروايات ويؤخذ من التقييد بها جوازا أكل الحمر الوحشية ولعله يأتي البحث عنها إن شاء الله .
قوله : " إذ نادى مناد " وقع عند مسلم أن الذي ناد بذلك أبو طلحة ووقع عند مسلم أيضا أن بلالا نادى بذلك وعند النسائي أن المنادي بذلك عبد الرحمن بن عوف ولعل عبد الرحمن نادى أولا بالنهي مطلقا ثم نادى أبو طلحة وبلال بزيادة على ذلك وهو قوله فإنها رجس .
قوله : " وقرأ قل لا أجد " الآية هذا الاستدلال إنما يتم في الأشياء التي لم يرد النص بتحريمها وأما الحمر الإنسية فقد تواترت النصوص على ذلك والتنصيص على التحريم مقدم على عموم التحليل وعلى القياس وأيضا الآية مكية وقد روى عن ابن عباس أنه قال إنما حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحمر الأهلية مخافة قلة الظهر . رواه ابن ماجه والطبراني وإسناده ضعيف وفي البخاري في المغازي أن ابن عباس تردد هل كان النهي لمعنى خاص أو للتأبيد وعن بعضهم إنما نهى عنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنها كانت تأكل العذرة وفي حديث ابن أبي أو في المذكور في الباب فقال ناس إنما نهى عنها لأنها لم تخمس .
قال الحافظ وقد أزال هذه الاحتمالات من كونها لم تخمس أو كانت جلالة أو غيرخما حديث أنس حيث جاء فيه فإنها رجس وكذلك الأمر بغسل الإناء في حديث سلمة اه والحديثان متفق عليهما وقد تقدما في أول الكتاب في باب نجاسة لحم الحيوان الذي لا يؤكل إذا ذبح من كتاب الطهارة .
قال القرطبي ظاهره أن الضمير في أنها رجس عائد على الحمر لأنها المتحدث عنها المأمور بإكفائها من القدور وغسلها وهذا حكم النجس فيستفاد منه تحريم أكلها لعينها لا لمعنى خارج وقال ابن دقيق العيد الأمر بإكفاء القدور ظاهر أنه سبب تحريم لحم الحمر .
قال الحافظ وقد وردت علل أخر إن صح وفع شيء منها وجب المصير إليه لكن لا مانع أن يعلل الحكم بأكثر من علة . وحديث أبي ثعلبة صريح في التحريم فلا معدل عنه وأما التعليل بخشية قلة الظهر فأجاب عنه الطحاوي بالمعارضة بالخيل فإن في حديث جابر النهي عن الحمر والإذن في الخيل مقرونان فلو كانت العلة لأجل الحمولة لكانت الخيل أولى بالمنع لقلتها عندهم وعزتها وشدة حاجتهم إليها قال النووي قال بتحريم الحمر الأهلية أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم ولم نجد عن أحد من الصحابة في ذلك خلافا إلا عن ابن عباس وعنده الك ثلاث روايات ثالثها الكراهة .
وقد أخرج أبو داود عن غالب بن أبجر قال أصابتنا سنة فلم يكن في مالي ما أطعم أهلي الأسمان حمر قأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت أنك حرمت لحوم الحمر الأهلية وقد أصابتنا سنة قال أطعم أهلك من سمين حمرك فإنما حرمتها من أجل جوال القرية بفتح الجيم والواو وتشديد اللام مع جمع جالة مثل سوام جمع سامة بتشديد الميم وهوام جمع هامة يعني الجلالة وهي التي تأكل العذرة ( والحديث ) لا تقوم به حجة قال الحافظ إسناده ضعيف والمتن مخالف للأحاديث الصحيحة فلا اعتماد عليه .
وقال المنذري اختلف في إسناده كثيرا وقال البيهقي إسناده مضطرب قال ابن عبد البر روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحريم الحمر الأهلية علي عليه السلام وعبد الله بن عمر وعبد الله عمرو وجابر البراء وعبد الله بن أبي أوفى وأنس وزاهر الأسلمي بأسانيد صحاح وحسان . وحديث غالب بن أبجر لا يعرج على مثله مع ما يعارضه ويحتمل أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رخص لهم في مجاعتهم وبين علة تحريمها المطلق بكونها تأكل العذرات .
وأما الحديث الذي أخرجه الطبراني عن أم نصر المحاربية أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الحمر الأهلية فقال أليس ترعى الكلأ وتأكل الشجر قال نعم قال فاصب من لحومها .
وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق رجل من بني مرة قال سألت فذكر نحوه فقال الحافظ في السندين مقال ولو ثبتا احتمل أن يكون قبل التحريم .
قال الطحاوي لولا تواتر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتحريم الحمر الأهلية لكان النظر يقتضي حلها لأن كل ما حرم من الأهلي أجمع على تحريمه إذا كان وحشيا كالخنزير وقد أجمع على حل الوحشي فكان النظر يقتضي حل الحمار الأهلي .
قال في الفتح وما أدعاه من الإجماع مردود فإن كثيرا من الحيوان الأهلي مختلف في نظيره من الحيوان الوحشي كالهر .
قوله : " كل ذي ناب من السباع " سيأتي الكلام فيه .
قوله : " المجثمة " بضم الميم وفتح الجيم وتشديد المثلثة على صيغة اسم المفعول وهي كل حيوان ينصب ويقتل إلا أنها قد كثرت في الطير والأرنب وما يجثم في الأرض أي يلزمها والجثم في الأصل لزوم المكان أو الوقوع على الصدر أو التلبد بالأرض كما في القاموس فالتجثيم نوع من المثلة