- قوله " نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية " فيه دليل على تحريمها وسيأتي الكلام على ذلك .
قوله : " وأذن في لحوم الخيل " استدل به القائلون بحل أكلها قال الطحاوي ذهب أبو حنيفة إلى كراهة أكل الخيل وخالفه صاحباه وفيرهما واحتجوا بالأخبار المتواترة في حلها ولو كان ذلك مأخوذا من طريق النظر لما كان بين الخيل والحمر الأهلية فرق ولكن الآثار إذا صحت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أولى أن نقول بها مما يوجبه النظر ولا سيما وقد أخبر جاب أنه صلى الله عليه وآله وسلم أباح لهم لحوم الخيل في الوقت الذي منعهم فيه من لحوم الحمر فدل ذلك على اختلاف حكمهما .
قال الحافظ وقد نقل الحل بعض التابعين عن الصحابة من غير استثناء أحد فأخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح على شرط الشيخين عن عطاء أنه قال لبن جريح لم يزل سلفك يأكلون قال ابن جريح قلت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال نعم .
وأما ما نقل في ذلك عن ابن عباس من كراهتها فأخرجه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق بسندين ضعيفين وسيأتي في الباب الذي بعد هذا عن ابن عباس أنه استدل لحل الحمر الأهلية بقوله تعالى { قل لا أجد فيما أوحي إلي } الآية وذلك يقوي أنه من القائلين بالحل وأخرج الدارقطني عنه بسند قوي " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن لحوم الحمر الأهلية وأمر بلحوم الخيل " قال في الفتح وصح القول بالكراهية عن الحكم ابن عتيبة ومالك وبعض الحنفية وعن بعض المالكية والحنفية التحريم قال الفاكهاني المشهور عند المالكية الكراهية والصحيح عند المحققين منهم التحريم وقد صحح صاحب المحيط والهداية والذخيرة عن أبي حنيفة التحريم وإليه ذهبت العترة كما حكاه في البحر ولكنه حكى الحل عن زيد بن علي واستدل القائلون بالتحريم بما رواه الطحاوي وابن حزم من طريق عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن لحوم الحمر والخيل والبغال " قال الطحاوي أهل الحديث يضعفون عكرمة بن عمار قال الحافظ لا سيما في يحيى بن أبي كثير فإن عكرمة وإن كان مختلفا في توثيقه قد أخرج له مسلم لكن إنما أخرج له من غير روايته عن يحيى بن أبي كثير وقال يحيى بن سعيد القطان أحاديثه عن يحيى بن أبي كثير ضعيفة وقال البخاري حديثه عن يحيى مضطرب وقال النسائي ليس به بأس إلا في يحيى وقال أحمد حديثه من غير اياس بن سلمة مضطرب . وعلى تقدير صحة هذه الطريق فقد اختلف على عكرمة فيها فإن الحديث عند أحمد والترمذي من طريقه ليس فيه للخيل ذكر وعلى تقدير أن يكون أظهر إتصالا وأتقن رجالا وأكثر عددا ومن أدلتهم ما رواه في السنن من حديث خالد ابن الوليد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الخيل " .
وتعقب بأنه شاذ منكر لأن في سياقه أنه شهد خيبر وهو خطأ لأنه لم يسلم إلا بعدها على الصحيح وقد روى الحديث من طريق أخرى عن خالد وفيها مجهول ولا يقال أن جابرا أيضا لم يشهد خيبر كما أعل الحديث بذلك بعض الحنفية لأنا نقول ذلك ليس بعلة مع عدم التصريح بحضوره فغايته أن يكون من مراسيل الصحابة .
وأما الرواية الثانية عنه المذكورة في الباب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أطعمهم لحوم الخيل وفي الأخرى أنهم سافروا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فليس في ذلك تصريح بأنه كان في خيبر فيمكن أن يكون في غيرها ولو فرضنا ثبوت حديث خالد وسلامته عن العلل لم ينتهض لمعارضة حديث جابر وأسماء المتفق عليهما مع أنه قد ضعف حديث خالد أحمد والبخاري وموسى بن هرون والدارقطني والخطابي وابن عبد البر وعبد الحق وآخرون . ومن جملة ما استدل به القائلون بالتحريم قوله تعالى { والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة } وقد تمسك بها أكثر القائلين بالتحريم وقرروا ذلك بأن اللام للتعليل فدل على أنها لم تخلق لغير ذلك لأن العلة المنصوصة تفيد الحصر فإباحة أكلها تقتضي خلاف الظاهر من الآية وقرره أيضا بأن العطف يشعر بالاشتراك في الحكم وبأن الآية سيقت مساق الامتنان فلو كان ينتفع بها في الأكل لكان الامتنان به أعظم وأجيب إجمالا بأن الآية مكية اتفاقا والإذن كان بعد الهجرة وأيضا ليست نصا في منع الأكل والحديث صريح في الحل وأجيب أيضا تفصيلا بأنا لو سلمنا أن اللام للعلة لم نسلم إفادته الحصر في الركوب والزينة فإنه ينتفع بالخيل في غيرهما وفي غير الأكل اتفاقا ونظير ذلك حديث البقرة المذكور في الصحيحين حين خاطبت راكبها فقالت إنا لم نخلق لهذا إنما خلقنا للحرث فإنه مع كونه أصرح في الحصر لكونه بأنما مع اللام لا يستدل به على تحريم أكلها وإنما المراد الأغلب من المنافع وهو الركوب في الخيل والتزين بها والحرث في البقر وأيضا يلزم المستدل بالآية أنه لا يجوز حمل الأثقال على الخيل والبغال والحمير ولا قائل بها .
وأما الاستدلال بالعطف فغايته دلالة اقتران وهي من الضعف بمكان .
وأما الاستدلال بالامتنان فهو باعتبار غالب المنافع .
قوله : " ذبحنا فرسا " لفظ البخاري نحرنا فرسنا وقد جمع بين الروايتين بحمل النحر على الذبح مجازا وقد وقع ذلك مرتين .
قوله : " يأكل لحم دجاج " هو اسم جنس مثلث الدال ذكره المنذري وابن مالك وغيرهما ولم يحك النووي أن ذلك مثلث وقيل أن الضم ضعيف قال الجوهري دخلتها التاء للوحدة مثل الحمامة وقال إبراهيم الحربي أن الدجاجة بالكسر اسم للذكر دون الإناث والواحد منها ديك وبالفتح الإناث دون الذكر أن والواحدة دجاجة بالفتح أيضا .
وفي القاموس والدجاجة معروف للذكر والأنثى وتثلث اه وقد تقدم نقله .
وفي الحديث قصة وهو أن رجلا امتنع من أكل الدجاج وحلف على ذلك فأفتاه أبو موسى بأنه يكفر عن يمينه ويأكل وقص له الحديث