- حديث سعد أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه وتمامه اقتلوهم وإن وجدتموهم معلقين بستار الكعبة عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل من بني غنم ومقيس بن صبابة وعبد الله بن سعد بن أبي السرح فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو معلق بأستار الكعبة فاستبق سعيد بن الحرث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عمار وكان أشب الرجلين فقتله الحديث بطوله من طريق عمر بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد المخزومي عن جده عن أبيه وفيه وأما ابن خطل فقتله الزبير بن العوام وجزم أبو نعيم في المعرفة بأن الذي قتله هو أبو برزة وذكر ابن هشام أن عبد الله بن خطل قتله سعيد بن حريث وأبو الأسلمي اشتركا في دمه وذكر ابن حبيب أنه أمر بقتل هند بنت عتبة وقريبة بالقاف والموحدة وسارة فقتلتا وأسلمت هند وذكر ابن إسحاق أن سارة أمنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن استؤمن لها ومنهم الحويرث بن نقيد بنون وقاف مصغرا وهبار بن الأسود وفرتنا بالفاء المفتوحة والراء الساكنة والتاء المثناة الفوقية والنون وذكر أبو معشر فيمن أهدر دمه الحرث بن طلاطل الخزاعي وذكر الحاكم ممن أهدر دمه كعب بن زهير ووحشي بن حرب وأرنب مولاة ابن خطل وقد ذكر الحافظ في الفتح جملة من لم يؤمنهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأسمائهم فكانوا ثمانية رجال وست نسوة منهم من أسلم ومنهم من قتل ومنهم من هرب . وحديث أبي أخرجه أيضا الترمذي وقال حسن غريب من حديث أبي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن خزيمة في الفوائد وابن حبان والطبراني وابن مردويه والحاكم والبيهقي في الدلائل . وحديث أبي هريرة وأبي شريح تقدما في باب هل يستوفي القصاص والحدود في الحرم من كتاب الدماء . وحديث عائشة سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه عن أم مسيكية وذكر غيرهما أنها مكية وحديث علقمة بن نضلة رجال إسناده ثقات فإن ابن ماجه قال حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة قال حدثنا عيسى بن يونس عن عمر بن سعيد وعثمان بن أبي حسين عن عثمان بن أبي سليمان عن علقمة بن نضلة فذكره وعمر بن سعيد وعثمان بن أبي سليمان ثقتان وأما أبو بكر وعيسى فمن رجال الصحيح .
قوله : " لنربين " أي لنزيدن عليهم وفي حديث سعد وحديث أبي بن كعب دليل على أن مكة فتحت صلحا وقد اختلف أهل اعلم في ذلك فذهب الأكثر إلى أنها فتحت عنوة وعن الشافعي ورواية عن أحمد أنها فتحت صلحا لما ذكر في حديث الباب من التأمين ولأنها لم تقسم ولأن الغانمين لم يملكوا دورها والألجاز إخراج أهل الدور منها وحجة الأولين ما وقع من التصريح بالأمر بالقتال ووقوعه من خالد بن الوليد وتصريحه صلى الله عليه وآله وسلم بأنها أحلت له ساعة من نهار ونهيه عن التأسي به في ذلك كما وقع جميع ذلك في الأحاديث المذكورة في الباب تصريحا وإشارة وأجابوا عن ترك القسمة بأنها لا تستلزم عدم العنوة فقد تفتح البلد عنوة ويمن على أهلها وتترك لهم دورهم وغنائمهم ولأن قسمة الأرض المغنومة ليس متفق عليها بل الخلاف ثابت عن الصحابة فمن بعدهم وقد فتحت أكثر البلاد عنوة فلم تقسم وذلك في زمن عمر وعثمان مع وجود أكثر الصحابة وقد زادت مكة عن ذلك بأمر يمكن يدعي اختصاصها به دون بقية البلاد وهي أنها دار النسك ومتعبد الخلق وقد حعلها الله تعالى حرما سواء العاكف فيه والباد وأما قول النووي احتج الشافعي بالأحاديث المشهورة بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صالحهم بمر الظهران قبل دخول مكة ففيه نظر لأن الذي أشار إليه إن كان مراده ما وقع من قوله صلى الله عليه وآله وسلم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن كما تقدم وكذا من دخل المسجد كما عند أبي إسحاق فإن ذلك لا يسمى صلحا إلا إذا التزم من أشير إليه بذلك الكف عن القتال والذي ورد في الأحاديث الصحيحة ظاهر في أن قريشا لم يلتزموا ذلك لأنهم استعدوا للحربكما تقدم في حديث أبي هريرة أن قريشا وبشت أوباشا فإن كان مراده بالصلح وقوع عقده فهذا لم ينقل كما قال الحافظ قال ولا أظنه عني إلا الاحتمال الأول أعني قوله من دخل دار أبي سفيان فهو آمن .
وتمسك أيضا من قال إنه أمنهم بما وقع عند أبي إسحاق في سياق قصة الفتح فقال العباس لعلي أجد بعض الحطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة يأتي مكة يخبرهم بما كان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عنوة ثم قال في القصة بعد قصة أبي سفيان من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن فتفرق الناس إلى دورهم وغلى المسجد وعند موسى بن عقبة في المغازي وهي أصح ما صنف في ذلك كما قال الحافظ وروي ذلك عن الجماعة ما نصه أن أبا سفيان وحكيم بن حزام فادع الناس بالأمان أرأيت إن أعتزلت قريش وكفت أيديها آمنون هم قال من كف يده وأغلق داره فهو آمن قالوا فابعثنا نؤذن بذلك فيهم قال فانطلقوا فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل دار حكيم فهو آمن ودار أبي سفيان بأعلى مكة ودار حكيم بأسفلها فلما توجها قال العباس يا رسول الله إني لا آمن أبا سفيان أن يرتد فرده حتى تريه جنود الله قال افعل فذكر القصة وفي ذلك تصريح بعموم التأمين فكان هذا أمانا منه لكل من لم يقاتل من أهل مكة ثم قال الشافعي كانت مكة مؤمنة ولم يكن فتحها عنوة والأمان كالصلح وأما الذين تعرضوا للقتال والذين استثنوا من الأمان وأمر أن يقتلوا ولو تعلقوا بأستار الكعبة فلا يستلزم ذلك أنها فتحت عنوة ويمكن الجمع بين حديث أبي هريرة في أمره صلى الله عليه وآله وسلم بالقتال وبين حديث عروة المتقدم المصرح بتأمينه صلى الله عليه وآله وسلم لهم وكذلك حديث سعد وحديث أبي بن كعب المذكوران بأن يكون التأمين علق على شرط وهو ترك قريش المجاهرة بالقتال فلما تفرقوا إلى دورهم ورضوا بالتأمين المذكور لم يستلزم أن أوباشهم الذين لم يقبلوا ذلك وقاتلوا خالد بن الوليد ومن معه حتى قاتلهم وهزمهم ان تكون البلد فتحت عنوة لأن العبرة بالأصول لا بالإتباع وبالأكثر لا بالأقل كذا قال الحافظ في الفتح ويجاب عنه بما تقدم في أول الباب من حديث أبي هريرة أن قريشا وبشت أوباشا لها وقالوا نقدم هؤلاء الخ فإنه يدل على أن غير الأوباش لم يرضوا بالتامين بل وقع التصريح في ذلك الحديث بأنهم قالوا فإن كان للأوباش شيء كنا معهم وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا ومما احتج به الشافعي ما وقع في سنن أبي داود بإسناد حسن عن جابر أنه سئل هل غنمتم يوم الفتح شيئا قال لا ويجاب بأن عدم الغنيمة لا يستلزم عدم العنوة لجواز أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عليهم بالأموال كما من عليهم بالأنفس حيث قال إذهبوا فأتنم الطلقاء .
ومن أوضح الأدلة على أنها فتحت عنوة قوله صلى الله عليه وآله وسلم " وإنما أحلت لي ساعة من نهار " فإن هذا تصريح بأنها أحلت له في ذلك يسفك بها الدماء وإن حرمتها ذهبت فيه وعادت بعده ولو كانت مفتوحة صلحا لما كان لذلك معنى يعتد به وقد وقع في مسند أحمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن تلك الساعة استمرت من صبيحة يوم الفتح إلى العصر واحتجت طائفة منهم الماوردي إلى أن بعضها فتح عنوة لما وقع من قصة خالد بن الوليد وقرر ذلك الحاكم في الإكليل وفيه جمع بين الأدلة .
قال الحافظ في الفتح والحق أن صورة فتحها كان عنوة ومعاملة أهلها معاملة من دخلت بإمان ومنع قوم منهم السهيلي ترتيب عدم قسمتها وجواز بيع دورها وإجارتها على أنها فتحت صلحا وذكر المصنف C لحديث عائشة وحديث علقمة بن نضلة في أحاديث الباب يشعر بأنه من القائلين بالترتب ولا وجه لذلك لأن الإمام مخير بين قسمة الأرض المغنومة بين الغانمين وبين إبقائها وقفا على المسلمين ويلزم من ذلك منع بيع دورها وأجارتها وأيضا قد قال بعضهم لا تدخل الأرض في حكم الأموال لأن من مضى كانوا إن غلبوا على الكفار لم يغنموا إلا الأموال وتنزل النار فتأكلها وتصير الأرض لهم عموما كما قال تعالى { ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم } الآية وقال تعالى { وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها } الآية