- حديث بشر بن يسار سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه أيضا أبو داود عنهمن طريق أخرى أنه سمع نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالوا ذكر هذا الحديث قال فكان النصف سهام سهام المسلمين وسهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعزل النصف للمسلمين لما ينوبه من الأمور والنوائب وأخرجه أبو داود أيضا من طريق ثالثة عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلا واسطة بأطول من اللفظين المذكورين سابقا وهو مرسل فإنه لم يدرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا أدرك فتح خيبر . وحديث بشر أيضا الذي رواه من طريق سهل سكت عنه أبو داود والمنذري .
قوله : " أيما قرية " الخ فيه التصريح بأن الأرض المغنومة تكون للغانمين قال الخطابي فيه دليل على أن أرض العنوة حكمها حكم سائر الأموال التي تغنم وإن خمسها لأهل الخمس وأربعة أخمماسها للغانمين قوله " ببانا " بموحدتين مفتوحتين الثانية ثقيلة وبعد الألف نون كذا للأكثر قال أبو عبيد بعد أن أخرجه عن ابن مهدي قال ابن مهدي يعني شيئا واحدا قال الخطابي ولا حسب هذه اللفظة عربية ولم أسمعها في غير هذا الحديث .
وقال الأزهري بل هي لغة صحيحة لكنها غير فاشية هي لغة معد وقد صححها صاحب العين وقال ضوعفت حروفه يقال هم على بيان واحد وقال الطبري البيان المعدم الذي لا شيء له فالمعنى لولا أني أتركهم فقراء معدومين لا شيء لهم أي متساوين في الفقر وقال أبو سعيد الضرير فيما تعقبه على أبي عبيد صوابه بيانا بالموحدة ثم تحتانية بدل الثانية أي شيئا واحدا فإنهم قالوا لمن لا يعرف هو هيان بن بيان اه .
وقد وقع من عمر ذكر هذه الكلمة في قصة أخرى وهو أنه كان يفضل في القسمة فقال لئن عشت لأجعلن للناس بيانا واحدا ذكره الجوهري وهو مما يؤيد تفسيره بالتسوية .
قوله : " يقتسمونها " أي يقتسمون خراجها .
قوله : " كما قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر " فيه تصريح بما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم إلا أنه عارش ذلك عنده حسن النظر لآخر المسلمين فيما يتعلق بالأرض خاصة فوقفها على المسلمين وفرض عليها الخراج الذي يجمع مصلحتهم .
وروى أبو عبيد في كتاب الأموال من طريق أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن عمر أنه أراد أن يقسم السواد فشاور في ذلك فقال لعلي Bه دعه يكون مادة للمسلمين فتركه وأخرج أيضا من طريق عبد الله بن أبي قيس أن عمر أراد قسمة الأرض فقال له معاذ إن قسمتها صار الريع العظيم في أيدي القوم يبيدون فيصير إلى الرجل الواحد أو المرأة ويأتي قوم يسدون من الإسلام مسدا ولا يجدون شيئا فانظر أمرا يسع أولهم وآخرهم فاقتضى رأي عمر تأخير قسم الأرض وضرب الخراج عليها للغانمين ولمن يجيء بعدهم وقد اختلف في الأرض التي يفتتحها المسلمون عنوة .
قال ابن المنذر ذهب الشافعي إلى أن عمر استطاب أنفس الغانمين الذين افتتحوا أرض السواد وإن الحكم في أرض العنوة أن تقسم كما قسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم خيبر وتعقب بأنه مخالف لتعليل عمر بقوله لولا أن أترك آخر الناس الخ لكن يمكن أن يقال معناه لولا أن ترك آخر الناس ما استطابت أنفس الغانمين وأما قول عمر كما قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر فإنه يريد بعض خيبر لا جميعها هكذا قال الطحاوي وأشار إلى ما في ذلك حديث بشير بن يسار المذكور في الباب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عزل نصف خيبر لنوائبه وما بنزل به وقسم النصف الباقي بين المسلمين والمراد بالذي عزله ما افتتح صلحا وبالذي قسمه ما افتتح عنوة وقد اختلف في الأرض الذي أبقاها عمر بغير قسمة فذهب الجمهور إلى أنه وقفها لنوائب المسلمين وأجرى فيها الخراج ومنع بيعها وقال بعض الكوفيين أبقاها ملكا لمن كان بها من الكفرة وضرب عليهم الخراج قال في الفتح وقد اشتد نكير كثير من فقهاء أهل الحديث لهذه المقالة انتهى .
وقد ذهب مالك إلى أن الأرض المغنومة لا يقسم بل تكون وقفا يقسم خراجها في مصالح المسلمين من أرزاق المقاتلة وبناء القناطر والمساجد وغير ذلك من سبل الخير إلا أن يرى الإمام في وقت من الأوقات أن المصلحة تقتضي القسمة فإن له أن يقسم الأرض وحكى هذا القول ابن القيمعن جمهور الصحابة ورجحه وقال أنه الذي كان عليه سيرة الخلفاء الراشدين قال ونازع في ذلك بلاب وأصحابه وطلبوا أن يقسم بينهم الأرض التي فتحوها فقال عمر هذا غير المال ولكن أحبسه فيئا يجري عليكم وعلى المسلمين فقال بلال وأصحابه اقسمها بيننا فقال عمر اللهم أكفني بلالا وذويه فما حال الحول ومنهم عين تطرف ثم وافق سائر الصحابة عمر قال ولا يصح أن يقال أنه استطاب نفوسهم ووقفها برضاهم فإنهم نازعوه فيها وهو بأبى عليهم ثم قال ووافق عمر جمهور الأئمة وإن اختلفوا في كيفية إبقائها بلا قسمة فظاهر مذهب أحمد وأكثر نصوصه على أن الإمام مخير فيها تخيير مصلحة لا تخيير شهوة فإن كان الأصلح للمسلمين قسمتها قسمها وإن كان الأصلح أن يقفها على جماعتهم وقفها وإن كان الأصلح قسمة البعض ووقف البعض فعله فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعل الأقسام الثلاثة فإنه قسم أرض قريظة والنضير وترك قسمة مكة وقسم بعض خيبر وترك بعضها لما ينوبه من مصالح المسلمين وفي رواية لأحمد أن الأرض تصير وقفا بنفس الظهور والاستيلاء من غير وقف من الإمام وله رواية ثالثة أن الإمام يقسمها بين الغانمين كما يقسم بينهم المنقول إلى أن يتركوا حقهم منها قال وهو مذهب الشافعي بناء من الشافعي على أن آية الأنفال وآية الحشر متواردتان وأن الجميع يسمى فيئا وغنيمة ولكنه يرد عليه أن ظاهر سوق آية الحشر أن الفيء غير الغنيمة وأن له مصرفا عاما ولذلك قال عمر أنها عمت الناس بقوله ( والذين جاؤا من بعدهم ) ولا يتأتى حصة لمن جاء من بعدهم إلا إذا بقيت الأرض محبسة للمسلمين إذ لو استحقها المباشرون للقتال وقسمت بينهم توارثها ورثة أولءك فكانت القرية والبلد تصير إلى امرأة واحدة أو صبي صغير ذهبت الحنفية إلى أن الإمام مخير بين القسمة بين الغانمين وأن يقرها لأربابها على خراج أو ينتزعها منهم ويقرها مع آخرين وعند الهادوية الإمام مخير بين وجوه أربعة معروفة في كتبهم .
قوله : " افتتح بعض خيبر عنوة " العنة بفتح العين المهملة وسكون النون القهر .
قوله : " وقفيزها " القفيز مكيال ثمانية مكاكيك قوله " ومنعت العراق مديها " المدي مائة مد وإثنان وتسعون مدا وهو صاع أهل العراق قوله " ومنعت مصر أردبها " بالراء والدال المهملتين بعدها موحدة قال في القاموس الأردب كقرشب مكيال ضخم بمصر ويضم أربعة وعشرون صاعا انتهى . قوله " وعدتم من حيث بدأتم " أي رجعتم إلى الكفر بع الإسلام وهذا الحديث من أعلام النبوة لإخباره صلى الله عليه وآله وسلم بما سيكون من ملك المسلمين هذه الأقاليم ووضعهم الجزية والخراج ثم بطلان ذلك إما بتغلبهم وهو أصح التأويلين وفي البخاري ما يدل عليه : ولفظ المنع في الحديث يرشد إلى ذلك وإما بإسلامهم ووجه الاستدلال المصنف بهذا الحديث على ما ترجم الباب به من حكم الأرضين المغنومة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد علم أن الصحابة يضعون الخراج على الأرض ولم يرشدهم إلى خلاف ذلك بل قرره وحكاه لهم .
باب ما جاء في فتح مكة هل هو عنوة أو صلح