- حديث ابن مسعود سكت عنه أبو داود المنذري ورجال إسناده ثقات إلا علي بن الحسين الرقي وهو صدوق كما قال في التقريب وأخرج نحوه البيهقي من طريق محمد بن يحيى بن سهل بن أبي خيثمة عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أقبل بالأسارى فكان بعرق الظبية أمر عاصم بن ثابت فضرب عنق عقبة بن أبي معيد صبرا فقال من للصبية يا محمد قال النار لهم ولا يهم .
قوله : " على الفطرة " للفطرة معان منها الخلقة ومنها الدين قال في القاموس وفي الفطرة صدقة الفطر والخلقة التي خلق عليها المولود في رحم أمه والدين انتهى . والمناسب ههنا هو المعنى الآخر أعني الدين أي كل مولود يولد على الدين الحق فإذا لزم غيره فذلك لأجل ما يعرض له بعد الولادة من التغييرات من جهة أبويه أو سائر من يربيه .
قوله : " جمعاء " بفتح الجيم وسكون الميم بعدها عين مهملة قال في القاموس والجمعاء الناقة المهزولة ومن البهائم التي لم يذهب من بدنها شيء . والمراد هنا المعنى اللآخر لقوله هل تحسون فيها من جدعاء والجدع قطع الأنف أو الأذن أو اليد أو الشفة كما في القاموس قال والجدعة محركة ما بقي بعد القطع انتهى .
والمعنى أن البهائم كما أنها تولد سليمة من الجدع كاملة الخلقة وإنما يحدث لها نقصان الخلقة بعد الولادة بالجدع ونحوه كذلك أولاد الكفار يولدون على الدين الحق الكامل وما يعرض لهم من التلبس بالأديان الخالفة له فإنما هو حادث له بعد الولادة بسبب الأبوين ومن يقوم مقامهما . وحديث أبي هريرة فيه دليل على أن أولاد الكفار يحكم لهم عند الولادة بالإسلام وإنه إذا وجد الصبي في دار الإسلام دون أبويه كان مسلما لأنه إنما صار يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا بسبب أبويه فإذا عدما فهو باق على ما ولد عليه وهو الإسلام .
قوله : " الله أعلم بما كانوا عاملين " فيه دليل على أن أحكام أولاد الكفار عند الله إذا ماتوا صغارا غير متعينة بل منوطة بعمله الذي كان يعمله لو عاش .
وفي حديث ابن مسعود المذكور دليل على أنهم من أهل النار لقوله فيه النار لهم ولأبيهم ويشكل ذلك على مذهب العدلية لعدم موجب التعذيب منهم ( والحاصل ) أن مسألة أطفال الكفار بأعتبار أمر الآخرة من المعارك الشديدة لأختلاف الأحاديث فيها ولها ذيول مطولة لا يتسع لها المقام وفي الوقف عن الجزم بأحد الأمرين سلامة من الوقوع في مضيق لم تدع إليه حاجة ولا ألجأت إليه ضرورة وأما بأعتبار أحكام الدنيا فقد ثبت في صحيح البخاري في باب أهل الدار من كتاب الجهاد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن أولاد المشركين هو يقتلون مع أبائهم فقال هم منهم .
قال في الفتح أي في الحكم في تلك الحالة وليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم بل المراد إذا لم يمكن الوصول إلى الأباء إلا بوطء الذرية فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم جاز قتلهم انتهى .
وأخرج أبو داود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما بعث إلى ابن أبي الحقيق نهى عن قتل النساء والصبيان ويحمل هذا على أنه لا يجوز قتلهم بطريق القصد .
وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر قال لما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة أني بامرأة مقتولة فقال ما كانت هذه تقاتل ونهى عن قتل النساء والصبيان .
وأخرج نحوه أبو داود في المراسيل من حديث عكرمة وقد ذهب مالك والأوزاعي إلى أنه لا يجوز قتل النساء والصبيان بحال حتى لو تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان لم يجزي رميهم ولا تحريقهم . وذهب الشافعي والكوفيون وغيرهم إلى الجمع بما تقدم وقالوا إذا قاتلت المرأة جاز قتلها ويؤيد ذلك ما أخرجه أبو داود والنسائي وأبو حبان من حديث رباح بن الربيع التميمي قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة فرأى الناس مجتمعين فرأى امرأة مقتولة فقال ما كانت هذه لتقاتل فإن مفهومه أنها لو قاتلت لقتلت وقد ابن بطال وغيره الاتفاق على منع القصد إلى قتل النساء والولدان وأما حديث أنس المذكور في الباب فمحله كتاب الجنائز وإنما ذكره المصنف ههنا للاستدلال به على أن الولد يكون مسلما بإسلام أحد أبويه لما في قوله " ما من الناس مسلم يموت له ثلاثة من الولد " فإنه يقتضي أن من كان له ذلك المقدار من الأولاد دخل الجنة وإن كانوا من امرأة غير مسلمة ونفعهم لأبيهم في ذلك الأمر إنما يصح بعد الحكم بإسلامهم لأجل إسلام أبيهم