- أثر عمر أخرجه أيضا مالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله ابن عبد القاري عن أبيه قال الشافعي من لا يتأنى بالمرتد زعموا أن هذا الأثر عن عمر ليس بمتصل ورواه البيهقي من حديث أنس قال لما نزلنا على تستر فذكر الحديث وفيه فقدمت على عمر Bه فقال يا أنس ما فعل الستة الرهط من بكر ابن وائل الذين ارتدوا عن الإسلام فلحقوا بالمشركين قال يا أمير المؤمنين قتلوا بالمعركة فاسترجع عمر قلت وهل كان سبيلهم إلا القتل قال نعم قال كنت أعرض عليهم الإسلام فإن أبوا أودعتهم السجن ( وفي الباب ) عن جابر " أن امرأة أم رومان " وفي التلخيص أن الصواب أم مروان ارتدت فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يعرض عليها الإسلام فإن تابت وإلا قتلت . أخرجه الدارقطني والبيهقي من طريقين وزاد في أحدهما فأبت أن تسلم فقتلت قال الحافظ وإسنادهما ضعيفان وأخرج البيهقي من وجه آخر ضعيف عن عائشة أن امراة أرتدت يوم أحد فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تستتاب فإن تابت وإلا قتلت . أخرجه الدارقطني والبيهقي من طريقين وزاد في أحدهما فأبت أن تسلم فقتلت قال الحافظ وإسناده هما ضعيفان وأخرج البيهقي من وجه آخر ضعيف عن عائشة أن امرأة ارتدت يوم أحد فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تستتاب فإن تابت وإلا قتلت .
وأخرج أبو الشيخ في كتال الحدود عن جابر أنه صلى الله عليه وآله وسلم استتاب رجلا أربع مرات .
وفي إسناده العلاء بن هلال وهو متروك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر . ورواه البيهقي من وجه آخر من حديث عبد الله بن وهب عن الثوري عن رجل عن عبد الله بن عبيد بن عمير مرسلا وسمى الرجل نبهان .
وأخرج الدارقطني والبيهقي أن أبا بكر استتاب امرأة يقال لها أم قرفة كفرت بعد اسلامها فلم تتب فقتلها الحافظ وفي السير أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قتل أم قرفة يوم فريظة وهي غير تلك .
وفي الدلائل عن أبي نعيم أن زيد بن ثابت قتل أم قرفة في سريته إلى بني فزازة .
قوله : " بزنادقة " بزاي ونون قاف جمع زنديق بكسر أوله وسكون ثانية .
قال أبو حاتم السجستاني وغيره الزنديق فارسي معرب أصله زنده كرد أي يقول بدوام الدهر لأن زنده الحياة وكرد العمل ويطلق على من يكون دقيق النظر في الأمور وقال ثعلب ليس في كلام العرب زنديق وإنما يقال زندقي لمن يكون شديد التحيل وإذا أراد وأما العامة قالوا ملحد ودهري بفتح الدال أي يقول بدوام الدهر وإذا قالوها بالضم أرادوا كبر السن وقال الجوهري الزنديق من الثنوية وفسره بعض الشراح بأنه الذي يدعى مع الله إلها آخر وتعقب بأنه يلزم منه أن يطلق على كل مشرك قال الحافظ والتحقيق ما ذكره من صنف في الملل والنحل أن أصل الزندقة اتباع ديصان ثم مانى ثم مزدك الأول بفتح الدال المهملة وسكون التحتية بعدها صاد مهملة والثاني بتشديد النون وقد تخفف والياء خفيفة والثالث بزاي ساكنة ودال مهملة مفتوحة ثم كاف ( وحاصل ) مقالتهم أن النور والظلمة قديمان وأنهما امتزجا فحدث العالم كله منهما فمن كان من أهل الشر فهو من الظلمة ومن كان من أهل الخير فهو من النور وأنه يجب أن يسعى في تخليص النور من الظلمة فيلزم ازهاق كل نفس وكان بهرام جد كسرى تحيل على ماني حتى حضر عنده وأظهر له أنه قبل مقالته ثم قتله وقتل أصحابه وبقيت منهم بقايا اتبعوا مزدك المذكور وقام الإسلام والزنديق يطلق على من يعتقد ذلك وأظهر جماعة منهم الإسلام خشية القتل فهذا أصل الزندقة .
وأطلق جماعة من الشافعية الزندقة على من يظهر الإسلام ويخفي الكفر مطلقا وقال النووي في الروضة الزنديق الذي لا ينتحل دينا .
وقد أختلف الناس في الذين وقع لهم مع أمير المؤمنين علي Bه ما وقع وسيأتي .
قوله : " لنهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تعذبوا بعذاب الله " أي لنهيه عن القتل بالنار بقوله لا تعذبوا بعذاب الله وهذا يحتمل أن يكون مما سمعه ابن عباس من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويحتمل أن يكون سمعه من بعض الصحابة .
وقد أخرج البخاري من حديث أبي هريرة حديثا وفيه " وإن النار لا يعذب بها إلا الله " ذكره البخاري في الجهاد .
وأخرج أبو داود من حديث ابن مسعود في قصة بلفظ " وإنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار " قوله " من بدل دينه فأقتلوه " هذا ظاهره العموم في كل من وقع منه التبديل ولكنه عام يخص منهه من بدله في الباطن ولم يثبت عليه ذلك في الظاهر فإنه تجري عليه أحكام الظاهر ويستثنى منه من بدل دينه في الظاهر ولكن مع الإكراه هكذا في الفتح قال فيه واستدل به على قتل المرتد كالمرتد وخصه الحنفية بالذكر وتمسكوا بحديث النهي عن قتل النساء وحمل الجمهور النهي على الكافرة الأصلية إذا لم تباشر القتال لقوله في بعض طرق حديث النهي عن قتل النساء لما رأى امرأة مقتولة ما كانت هذه لتقاتل ثم نهى عن قتل النساء واحتجوا بأن من الشرطية لا تعم المؤنث وتعقب بأن ابن عباس راوي الخبر وقد قال بقتل المرتدة وقتل أبو بكر الصديق في خلافته امرأة أرتدت كما تقدم والصحابة متوافرون فلم ينكر عليه أحد ذلك واستدلوا أيضا بما وقع في حديث معاذ " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أرسله إلى اليمن قال له أيما رجل أرتد عن الإسلام فادعه فإن عاد وإلا فاضرب عنقه وأيما امرأة أرتدت عن الأسلام فادعها فإن عادت وإلا فاضرب عنقها " .
قال الحافظ وسنده حسن وهو نص في موضع النزاع فيجب المصير إليه ويؤيده اشتراك الرجال والنساء في الحدود كلها الزنى والسرقة وشرب الخمر والقذف ومن صور الزنا رجم المحصن حتى يموت فإن ذلك مستثنى من النهي عن قتل النساء فيستثنى قتل المرتدة مثله ( واستدل ) بالحديث بعض الشافعية على أنه يقتل من أنتقل من ملة من ملل الكفر إلى ملة أخرى وأجيب بأن الحديث متروك الظاهر فيمن كان كافرا ثم أسلم اتفاقا مع دخوله في عموم الخبر فيكون المراد من بدل دينه الذي هو دين الإسلام لأن الدين في الحقيقة هو دين الإسلام قال الله تعالى { إن الدين عند الله الإسلام } ويؤيده أن الكفر ملة واحدة فإذا انتقل الكافر من ملة كفرية إلى أخرى مثلها لم يخرج عن دين الكفر ويؤيده أيضا قوله تعالى { ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه } .
وقد ورد في بعض طرق الحديث ما يدل على ذلك فأخرج الطبراني من وجه أخر عن ابن عباس رفعه " من خالف دينه دين الإسلام فاضربوا عنقه " واستدل بالحديث المذكور في الباب على أنه يقتل الزنديق من غير استتابة وتعقب بأنه وقع في بعض طرق الحديث أن أمير المؤمنين عليا Bه كما في الفتح من طريق عبد الله بن شريك العامري عن أبيه قال قيل لعلي أن هنا قوما على باب المسجد يزعمون أنك ربهم فدعاهم فقال لهم ويلكم ما تقولون قالوا أنت ربنا وخالقنا ورازقنا قال ويلكم إنما أنا عبد مثلكم أكل الطعام كما تأكلون وأشرب كما تشربون إن أطعت الله أثابني إن شاء وإن عصيته خشيت أن يعذبني فأتقوا الله وارجعوا فأبوا فلما كان الغد غدوا عليه فجاء قنبر فقال قد والله رجعوا يقولون ذلك الكلام فقال أدخلهم فقالوا كذلك فلما كان الثالث قال لئن قلتم ذلك لأقتلنكم بأخبث قتلة فأبوا إلا ذلك فأمر علي أن يخدلهم أخدود بين باب المسجد والقصر وأمر بالحطب أن يطرح في الأخدود ويضرم بالنار ثم قال لهم إني طارحكم فيها أو ترجعوا فأبوا أن يرجعوا فقذف بهم حتى إذا احترقوا قال .
أني إذا رأيت أمرا منكرا أوقدت ناري ودعوت قنبرا .
قال الحافظ إن اسناد هذا صحيح وزعم أبو مظفر الأسفرايني في الملل والنحل إن الذين أحقهم علي Bه طائفة من الروافض ادعوا فيه الألهية وهم السبئية وكان كبيرهم عبد الله بن سبا يهوديا ثم أظهر الإسلام وابتدع هذه المقالة وأما ما رواه ابن أبي شيبة أنهم أناس كانوا يعبدون الأصنام في السر فسنده منقطع فإن ثبت حمل على قصة أخرى وقد ذهب الشافعي إلى أنه يستتاب الزنديق كما يستتاب غيره . وعن أحمد وأبي حنيفة روايتان إحداهما لا يستتاب والأخرى أن تكرر منه لم تقبل توبته وهو قول الليث واسحاق . وحكي عن أبي اسحاق المروزي من أئمة الشافعية قال الحافظ ولا يثبت عنه بل قيل أنه تحريف من اسحاق بن راهوية والأول هو المشهور عن المالكية . وحكى عن مالك أنه جاء تائبا قبل وإلا فلا وبه قال أبو يوسف واختاره أبو اسحاق الأسفرايني وأبو منصور البغدادي وعن جماعة من الشافعية أن كان داعية لم يقبل وإلا قبل وحكي في البحر عن العترة وأبي حنيفة والشافعي ومحمد أنها تقبل توبة الزنديق لعموم أن ينتهوا . وعن مالك وأبي يوسف والجصاص لا تقبل إذ يعرف منهم التظهر تقية بخلاف ما ينطقون به قال المهدي فيرتفع الخلاف حينئذ فيرجع إلى القرائن لكن الأقرب العمل بالظاهر وإن التبس الباطن لقوله صلى الله عليه وآله وسلم لمن يستأذنه في قتل منافق " أليس يشهد أن لا إله إلا الله " الخبر ونحوه اه .
قال في الفتح واستدل من منع من قبول توبة الزنديق بقوله تعالى { إلا الذين تابوا واصلحوا " فقال الزنديق لا يطلع على إصلاحه لأن الفساد إنما أتى مما أسره فإذا أطلع عليه وأظهر الإقلاع عنه لم يرد على ما كان عليه ولقوله تعالى { إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم } وأجيب بأن المراد من مات منهم على ذلك ما فسره ابن عباس أخرجه عنه ابن أي حاتم وغيره . واستدل لمن قال بالقبول بقوله تعالى { اتخذوا إيمانهم جنة } فدل على أن إظهار الإيمان يحصن من القتل قال الحافظ وكلهم أجمعوا على أن أحكام الدنيا على الظاهر والله يتولى السرائر وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم لا سامة " هلا شققت عن قلبه " وقال للذي ساره في قتل رجل " أليس يصلي قال نعم قال أولئك الذين نهيت عن قتلهم " وقال صلى الله عليه وآله وسلم لخالد لما استأذنه في قتل الذي أنكر القسمة " إني لم أومر بأن أنقب عن قلوب الناس " وهذه الأحاديث في الصحيح والأحاديث في هذا الباب كثيرة .
قوله : " ثم أتبعه " بهمزة ثم مثناة ساكنة .
قوله : " معاذ بن جبل " بالنصب أي بعثه بعده ظاهره أنه ألحقه به بعد أن توجه ووقع في بعض النسخ وأتبعه بهمزة وصل وتشديد المثناة ومعاذ بالرفع .
قوله : " فلما قد عليه " في البخاري في كتاب المغازي أن كلا منهما كان على عمل مستقل وأن كلا منهما كان إذا سار في أرضه بالقرب من صاحبه أحدث به عهدا وفي أخرى له فجعلا يتزاوران .
قوله : " وسادة " هي ما تجعل تحت رأس النائم كذا قال النووي قال وكان من عادتهم أن من أرادوا إكرامه وضعوا الوسادة تحته مبالغة في إكرامه .
قوله : " وإذا رجل عنده " الخ هي جملة حالية بين الأمر والجواب قال الحافظ ولم أقف على أسمه .
قوله : " قضاء الله " خبر مبتدأ محذوف ويجوز النصب .
قوله " فضرب عنقه " في رواية للطبراني فأبى بحطب فألهب فيه النار فكتفه وطرحه فيها ويمكن الجمع بأنه ضرب عنقه ثم ألقاه في النار قوله " هل من مغربة خبر " بضم الميم وسكون الغين المعجمة وكسر الراء وفتحها مع الإضافة فيهما معناه هل من خبر جديد من بلاد بعيدة شيوخ الموطأ فتحوا الغين وكسروا الراء وشددوها .
قوله : " هلا حبستموه " الخ وكذلك قوله في الحديث الأول فدعاه عشرين ليلة الخ استدل بذلك من أوجب الاستتابة للمرتد قبل قتله وقد قدمنا في أول الباب ما في ذلك من الأدلة قال ابن بطال أختلفوا في استتابة المرتد فقيل يستتاب فإن تاب إلا قتل وهو قول الجمهور وقيل يجب قتله في الحال وإليه ذهب الحسن وطاوس وبه قال أهل الظاهر ونقله ابن المنذر عن معاذ وعبيد بن عمير وعليه يدل تصرف البخاري فإنه استظهر بالآيات التي لا ذكر فيها للاستتابة التي فيها أن التوبة لا تنفع وبعموم قوله " من بدل دينه فأقتلوه وبقصة معاذ المذكور ولم يذكر غير ذلك .
قال الطحاوي ذهب هؤلاء إلى أن حكم من أرتد عن الإسلام حكم الحربي الذي بلغته الدعوى فإنه يقاتل من قبل أن يدعى وإنما تشرع الاستتابة لمن خرج عن الإسلام لا عن بصيرة فأما من خرج عن بصيرة فلا ثم نقل عن أبي يوسف موافقتهم لكن إن جاء مبادرا بالتوبة خلي سبيله ووكل أمره إلى الله . وعن ابن عباس إن كان أصله مسلما لم يستتب وإلا استتيب واستدل ابن القصار لقول الجمهور بالإجماع يعني السكوتي لأن عمر كتب في أمر المرتد هلا حبستموه ثلاثة أيام ثم ذكر الأثر المذكور في الباب ثم قال ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة كأنهم فهموا من قوله صلى الله عليه وآله وسلم من بدل دينه فأقتلوه أي إن لم يرجع وقد قال تعالى { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } . واختلف القائلون بالاستتابة هل يكتفي بالمرة أم لابد من ثلاث وهل الثلاث في مجلس أو في يوم أو في ثلاثة أيام ونقل ابن بطال عن أمير المؤمنين علي Bه أنه يستتاب شهرا وعن النخعي يستتاب أبدا