- حديث علي أخرجه مسلم في صحيحه والبيهقي والحاكم ووهم فاستدركه قوله " فتبين زناها " الظاهر أن المراد تبينه بما يتبين في حق الحرة وذلك إما بشهادة أربعة أو بالإقرار على الخلاف المتقدم فيه وقيل أن المراد بالتبين أن يعلم السيد بذلك وإن لم يقع إقرار ولا قامت سهادة وإليه ذهب بعضهم وحكي في البحر الإجماع على أنه يعتبر شهادة أربعة في العبد كالحر والأمة حكمها حكمه وقد ذهب الأكثر إلى أن الشهادة تكون إلى الإمام أو الحاكم وذهب بعض أصحاب الشافعي إلى أنها تكون عند السيد .
قوله : " ولا يثرب عليها " بمثناة تحتية مضمومة ومثلثة مفتوحة ثم راء مشددة مكسورة وبعدها موحدة وهو التعنيف وقد ثبت في رواية عند النسائي بلفظ " ولا يعنفها " والمراد أن اللازم لها شرعا وهو الحد فقط فلا يضم غليه سيدها ما ليس بواجب شرعا وهو التثريب والمراد نهي السيد عن أن يقتصر على التثريب دون الحد وهو مخالف لما يفهمه السياق وفي ذلك كما قال ابن بطال دليل على أنه لا يعزر من أقيم عليه الحد بالتعنيف واللوم ولهذا لم يثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم سب أحدا ممن أقام عليه الحد بل نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك كما سيأتي من حديث أبي هريرة في كتاب حد شارب الخمر .
قوله : " ثم إن زنت " فيه دليل أنه لا يقام على الأمة الحد إلا إذا ونت بعد إقامة الحد عليها لا إذا تكرر منها الزنا قيل إقامة الحد كما يدل على ذلك لفظ ثم بعد ذكر الجلد .
قوله : " فليبعها " ظاهر هذا أنها لا تحد إذا زنت بعد أن جلدها في المرة الثانية ولكن الرواية التي ذكرها المصنف عن أبي هريرة وزيد بن خالد مصرحة بالجلد في الثالثة وكذلك الرواية التي ذكرها عن أحمد وأبي داود أنهما ذكرا في الرابعة الحد والبيع نص في محل النزاع وبها يرد على النووي حيث قال أنه لما لم يحصل المقصود من الزجر عدل إلى الإخراج عن الملك دون الجلد مستدلا على ذلك بقوله فليبعها وكذا وافقه على ذلك ابن دقيق العيد وهو مردود وأما الحافظ في الفتح فقال الرجح أنه يجلدها قبل البيع ثم يبيعها وصرح بأن السكوت عن الجلد للعلم به ولا يخفى أنه لم يسكت صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك كما سلف وظاهر الأمر بالبيع أنه واجب وذهب الجمهور إلى أنه مستحب فقط وزعم بعض الشافعية أم الأمر بالبيع منسوخ كما حكاه ابن الرفعة في المطلب ولا أعرف له ناسخا فإن كان هو النهي عن إضاعة المال كما زعم بعضهم فيجاب عنه أولا بأن الإضاعة إنما تكون إذا لم يكن الشيء في مقابل المبيع لا الإضاعة وذكر الحبل من الشعر للمبالغة ولو سلم عدم غرادة المبالغة كما كان في البيع بحبل من شعر إضاعة والألزم أن يكون بيع الشيء الكثير بالحقير غضاعة وهو ممنوع .
وقد ذهب داود وسائر أهل الظاهر إلى أن البيع واجب لأن ترك مخالطة الفيقة ومفارقتهم واجبان وبيع الكثير بالحقير جائز إذا كان البائع عالما به بالإجماع .
قال ابن بطال حمل الفقهاء الأمر بالبيع على الحض على مباعدة من تكرر منه الزنا لئلا يظن بالسيد الرضا بذلك ولما في ذلك من الوسيلة إلى تكثير أولاد الزنا قال وحمله بعضهم على الوجوب ولا سلف له في الأمة فلا يشتغل به انتهى . وظاهره أنه أجمع السلف على عدم وجوب البيع فإن صح ذلك كان هو القرينة الصارفة للأمر عن الوجوب وإلا كان الحط ما قاله أهل الظاهر ( وأحاديث الباب ) فيها دليل على أن السيد يقيم الحد على مملوكه وإلى ذلك ذهب جماعة من السلف والشافعي . وذهبت العترة إلى أن حد المماليك إلى الإمام إن كان ثم امام وإلا كان إلى سيده وذهب مالك إلى أن الأمة إن كانت مزوجة كان أمر حدها إلى الإمام إلا أن يكون زوجها عبدا لسيدها فأمر حدها إلى السيد واستثنى مالك الالقطع في السرقة وهو وجه للشافعية وفي وجه لهم آخر يستثني حد الشرب وروي عن الثوري والأوزاعي أنه أنه لا يقيم السيد إلا حد الزنا وذهبت الحنفية إلى أنه لا يقيم الحدود على المماليك إلا الإمام مطلقا وظاهر أحاديث الباب أنه يحد المملوك سيده من غير فرق بين أن يكون الإمام موجودا أو معدوما وبين أن يكون السيد صالحا لإقامة الحد أم لا .
وقال ابن حزم يقيمه السيد إلا إذا كان كافرا .
وقد أخرج البيهقي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه قال أدركت بقايا الأنصار وهم يضربون الوليدة من ولائدهم في مجالسهم إذا زنت ورواه الشافعي عن ابن مسعود وأبي بردة وأخرجه أيضا البيهقي عن خارجة بن زيد عن أبيه وأخرجه أيضا عن أبي الزناد عن أبيه عن الفقهاء الذين ينتهي إلى أقوالهم من أهل المدينة أنهم كانوا يقولون لا ينبغي لأحد يقيم شيئا من الحدود دون السلطان إلا أن للرجل أن يقيم حد الزنا على عبده وأمته وروى الشافعي عن ابن عمر أنه قطع يد عبده وجلد عبدا له زنى وأخرج مالك عن عائشة أنها قطعت يد عبد لها .
وأخرج أيضا أن حفصة قتلت جارية لها سحرتها وأخرج عبد الرزاق والشافعي أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حدت جارية لها زنت وتقدم في الباب الذي قبل هذا أنها جلدت وليدة لها خمسين وقد احتج من قال أنه لا يقيم الحدود مطلقا إلا الإمام بما رواه الطحاوي عن مسلم بن يسار أنه قال كان رجل من الصحابة يقول الزكاة والحدود والفيء للسلطان .
قال الطحاوي لا نعلم له مخالفا من الصحابة وتعقبه ابن حزم بأنه خالفه إثنا عشر صحابيا . وظاهر أحاديث الباب أن الأمة العبد يجلدان سواء كانا محصنين أم لا وقد تقدم الخلاف في ذلك في الباب الذي قبل هذا وقد اختلف أهل العلم في المملوك إذا كان محصنا هل يرجم أم لا فذهب الأكثر إلى الثاني وذهب الزهري وأبو ثور إلى الأول ( واحتج الأولون ) بأن الرجم لا يتنصف وأحتج الآخرون بعموم الأدلة وأما المكاتب فذهبت العترة إلى أنه لا رجم عليه ويجلد كالحر بقدر ما أدى وفي البقية كالعبد وذهبت الشافعية والنفية أنه يجلد كالعبد مطلقا لحديث " المكاتب عبد من بقي عليه درهم " وقد تقدم وتقدم الكلام على التقسيط في المكاتب في باب الكتابة