- حديث عمرو بن شعيب هو من رواية إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عنه وقد صحح هذا الحديث ابن خزيمة كما حكى ذلك عنه في بلوغ المرام . وحديث سعيد ابن المسيب أخرجه أيضا البيهقي وعلى تسليم أن قوله من السنة يدل على الرفع فهو مرسل وقد قال الشافعي فيما أخرجه عنه البيهقي أن قول سعيد من السنة يشبه أن يكون عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو عن عامة من أصحابه ثم قال وقد كنا نقول إنه على هذا المعنى ثم وقفت عنه واسأل الله الخير لا ناقد نجد منهم من يقول السنة نفاذا إنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والقياس أولى بنافيها .
وروي صاحب التلخيص عن الشافعي أنه قال كان مالك يذكر أنه السنة وكنت أتابعه عليه وفي نفسي منه شيء ثم علمت أنه يريد أنه سنة أهل المدينة فرجعت عنه . ( وفي الباب ) عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال دية المرأة نصف دية الرجل " قال البيهقي إسناده لا يثبت مثله .
وقد أخرج علي عليه السلام أنه قال دية المرأة على النصف من دية الرجل في الكل وهو من رواية إبراهيم النخعي عنه وفيه انقطاع .
وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق الشعبي عنه .
وأخرجه أيضا من وجه آخر عنه . وعن عمر قوله " عقل المرأة مثل عقل الرجل في الجراحات التي لا يبلغ أرشها إلى ثلث دية الرجل وفيما بلغ أرشه إلى مقدار الثلث من الجراحات يكون أرشها فيه كنصف أرش الرجل لحديث سعيد بن المسيب المذكور . وغلى ذلك ذهب الجمهور من أهل المدينة منهم مالك وأصحابه وهو مذهب سعيد بن المسيب كما تقدم في رواية مالك عنه . ورواه أيضا عن عروة بن الزبير وهو مروى عن عمر وزيد بن ثابت وعمر بن عبد العزيز وبه قال أحمد وإسحاق والشافعي في قول وصفة التقدير أن يكون على الصفة المذكورة في حديث الباب عن سعيد بن المسيب فإنه جعل أرش إصبعها وأرش الإصبعين عشرين وأرش الثلاثة ثلاثين لإنها ثلث دية الرجل فلما سأله السائل عن أرش الأربع الأصابع جعفلها عشرين من الإبل لإنها لما جاوزت ثلث دية الرجل ولما كان أرش الأصابع الأربع من الرجل أربعين من الإبل كان أرش الأربع من المرأة عشرين وهذا كما قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن إن المرأة حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها والسبب في ذلك أن سعيدا جعل التصنيف بعد بلوغ الثلث من دية الرجل راجعا إلى جميع الأرش ولو جعل التنصيف باعتبار المقدار الزائد على الثلث لا باعتبار ما دونه فيكون مثلا في الإصبع الرابعة من المرأة خمس من الإبل لأنها هي التي جاوزت الثلث ولا يحكم في التنصيف في الثلاث الأصابع فإذا قطعت من المرأة أربع أصابع كان فيها خمس وثلاثون ناقة لم يكن في ذلك إشكال ولم يدل حديث عمر بن شعيب المذكور إلا على أن أرشها الثلث فما دون مثل أرش الرجل وليس في ذلك دليل على أنها إذا حصلت المجاوزة للثلث لزم تنصيف ما لم يجاوز الثلث من الجنايات على فرض وقوعها متعددة كالأصابع والأسنان وأما لو كانت جناية واحدة مجاوزة للثلث من دية الرجل فيمكن أن يقال باستحقاق نصف أرش الرجل في الكل فإن كان ما أفتى به سعيد مفهوما من مثل حديث عمرو بن شعيب فغير مسلم وإن كان حفظ ذلك التفصيل من السنة التي أشار إليها فإن أراد سنة أهل المدينة كما تقدم عن الشافعي فليس في ذلك حجة وإن أراد السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وآله وسلم فنعم ولكن مع الاحتمال لا ينتهض إطلاق تلك السنة للاحتجاج به ولا سيما بعد قول الشافعي أنه علم أن سعيدا أراد سنة أهل المدينة ومع ذلك فالمرسل لا تقوم به حجة فالأولى أن يحكم في الجنايات المتعددة بمثل أرش الرجل في الثلث فما دون وبعد المجاوزة يحكم بتنصيف الزائد على الثلث فقط لئلا يقتحم الإنسان في مضيق مخالف للعدل والعقل والقياس بلا حجة نيرة وحكى صاحب البحر عن ابن مسعود وشريح أن أرش المرأة يساوي أرش الرجل حتى يبلغ أرشها خمسا من الإبل ثم ينصف .
قال في المجتهد أن الأشهر عن ابن مسعود وعثمان وشريح وجماعة أن دية جراحة المرأة مثل دية جراحة الرجل إلا الموضحة فإنها على النصف وحكي في البحر أيضا عن زيد بن ثابت وسليمان بنيسار أنهما يستويان حتى يبلغ أرشها خمس عشرة من الإبل . وعن الحسن البصري يستويان إلى النصف ثم ينصف وهذه الأقوال لا دليل عليها وذهب علي وابن أبي ليلى وابن شبرمة والليث والثوري والعترة والشافعية والحنفية كما حكى عنهم صاحب البحر إلى أن أرش المرأة نصف أرش الرجل في القليل والكثير واستدلوا بحديث معاذ الذي ذكرناه وهو مع كونه لا يصلح للاحتجاج به لما سلف يمكن الجمع بينه وبين حديث الباب إما بحمله على الدية الكاملة كما هو ظاهر اللفظ . وذلك مجمع عليه كما حكاه في البحر في موضعين . حكي في أحدهما بعد حكاية الإجماع خلافا للأصم وابن علية أن ديتها مثل دية الرجل ويمكن الجمع بوجه آخر على فرض أن لف الدية يصدق على دية النفس وما دونها وهو أن يقال هذا العموم مخصوص بحديث عمرو بن شعيب المذكور فتكون ديتها كنصف دية الرجل فيما جاوز الثلث فقط