- قوله " فالقاتل في النار " قال في الفتح قال العلماء معني كونهما في النار إنهما يستحقان ذلك ولكن أمرهما إلى الله إن شاء عاقبهما ثم أخرجهما من النار كسائر الموحدين وإن شاء الله عفا عنهما أصلا .
وقيل هو محمول على من استحل ذلك ولا حجة فيه للخوارج ومن قال من المعتزلة بأن أهل المعاصي مخلدون في النار لأنه لا يلزم من قوله القاتل والمقتول في النار استمرار بقائهما فيها وأحتج به من لم ير القتال في الفتنة وهم كل من ترك القتال مع على في حروبه كسعد ابن أبي وقاص وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة وأبي بكرة وغيرهم وقالوا يجب الكف حتى لو أراد قتله لم يدفعه عن نفسه ومنهم من قال لا يدخل في الفتنة فأن أحد أراد قتله دفع عن نفسه انتهى . ويدل على القول الآخر حديث أبي هريرة عند أحمد ومسلم وقد تقدم في باب دفع الصائل من كتاب الغصب وفيه أرايت ان قاتلني قال قاتله ويدل على القول الأول ما تقدم من الأحاديث في باب الدفع لا يلزم المصول عليه من ذلك الكتاب .
قوله : في الفتح وذهب جمهور الصحابة والتابعين إلى وجوب نصرة الحق وقتال الباغين وحمل هؤلاء الأحاديث الواردة في ذلك على من ضعف عن القتال أو قصر عن معرفة صاحب الحق قال واتفق أهل السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب ماوقع لهم من ذلك ولو عرف المحق منهم لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد وقد عفا الله عن المخطئ في الاجتهاد بل ثبت أنه يؤجر أجرا واحدا وأن المصيب يؤجر أجرين قال الطبري لو كان الواجب في كل اختلاف يقع بين المسلمين الهرب منه بلزوم المنازل وكسر السيوف لما أقيم حق ولا أبطل باطل ولوجد أهل الفسوق سبيلا إلى ارتكاب المحرمات من أخذ الاموال وسفك الدماء وسبي الحريم بأن يحاربوهم ويكف المسلمون أيديهم ويقولوا هذه فتنة وقد نهينا عن القتال فيها وهذا مخالف للأمر بالأخذ على أيدي السفهاء اه .
وقد أخرج البزار زيادة في هذا الحديث تبين المراد وهي " إذا اقتتلتم على الدنيا فالقاتل والمقتول في النار " ويؤيده ما أخرجه مسلم بلفظ " لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس زمان لا يدري القاتل فيم قتل ولا المقتول فيم قتل فقيل كيف يكون ذلك قال الهرج القاتل والمقتول في النار " قال القرطبي فبين هذا الحديث أن القتال إذا كان على جهل من طلب دنيا أو اتباع هوى فهو الذي أريد بقوله القاتل والمقتول في النار .
قال الحافظ ومن ثم كان الذين توقفوا عن القتال في الجمل وصفين أقل عددا من الذين قاتلوا وكلهم متأول مأجور إن شاء الله بخلاف من جاء بعدهم ممن قاتل على طلب الدنيا اه . وهذا يتوقف على صحة نيات جميع المقتتلين في الجمل وصفين وأرادة كل واحد منهم الدين لا الدنيا وصلاح أحوال الناس لامجرد الملك ومناقشة بعضهم لبعض مع علم بعضهم بأنه المبطل وخصمه المحق ويبعد ذلك طل البعد ولا سيما في حق من عرف منهم الحديث الصحيح انها تقتل عمارا الفئة الباغية فإن إصراره بعد ذلك على مقاتلة من كان معه عمار معاندة للحق وتماد في الباطل كما لا يخفى على منصف وليس هذا منامحبة لفتح باب المثالب على بعض الصحابة فانا كما علم الله من أشد الساعين في سد هذا الباب والمنفرين للخاص والعام عن الدخول فيه حتى كتبنا في ذلك رسائل وقعنا بسببها مع المتظهرين بالرفض والمحبين له بدون تظهر في أمور يطول شرحها حتى رمينا تارة بالنصب وتارة بالإنحراف عن مذاهب أهل البيت وتارة بالعداوة للشيعة وجاءتنا الرسائل المشتملة على العتاب من كثير من الأصحاب والسباب من جماعة من غير ذوي الألباب . ومن رأي مالأهل عصرنا من الجوابات على رسالتنا التي سميناها ارشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي وقف على بعض أخلاق القوم وماجبلوا عليه من عداوة من سلك مسلك الأنصاف وآثر نص الدليل على مذاهب الأسلاف وعداوة الصحابة الأخيار وعدم التقييد بمذاهب الأل الأطهار فانا قد حكينا في تلك الرسالة اجماعهم على تعظيم الصحابة Bهم وعلى برك السب لأحد منهم من ثلاث عشرة طريقا وأقمنا الحجة على من يزعم أنه من أتباع أهل البيت ولا يتقيد بمذاهبهم في مثل هذا الأمر الذي هو مزلة أقدام المقصرين فلم يقابل ذلك بالقبول والله المستعان وأقول .
أني بليت بأهل الجهل في زمن قاموا به ورجال العلم قد قعدوا .
اه .
ومما يؤيد ما تقدم من التأويل للحديث المذكور ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة يرفعه من قاتل تحت راية عمية فغضب لغضبه أو يدعو إلى عصبية أو ينصر عصبية فقتل فقتله جاهلية وقد قدمنا ما هو أبسط من هذا الكلام في باب دفع الصائل وباب أن الدفع لا يلزم المصول عليه من كتاب الغضب فراجعة .
قوله : " فقيل هذا القاتل فما بال المقتول " القائل هو أبو بكرة كما وقع مبينا في رواية مسلم ومعنى ذلك أن هذا القاتل قد استحق النار بذنبه وهو الإقدام على قتل صاحبه فما بال المقتول أي فما ذنبه .
قوله : " قال قد أراد قتل صاحبه في لفظ للبخاري في كتاب الأيمان إنه كان حريصا على قتل صاحبه " وقد استدل " بذلك من ذهب إلى المؤاخذة بالعزم وإن لم يقع الفعل وأجاب من لم يقل بذلك أن في ذلك فعلا وهو المواجهة بالسلاح ووقوع القتال ولا يلزم من كون القاتل والمقتول في النار أن يكونا في مرتبة واحدة فالقاتل يعذب على القتال والقتل والمقتول يعذب على القتال فقط فلم يقع التعذيب على العزم المجرد ويؤيد هذا حديث أن الله تجاوز لأمتى ما حدثت به نفسها ما لم يتكلموا به أو يعملوا .
قال في الفتح والحاصل أن المراتب ثلاث الهم والمجرد وهو يثاب عليه ولا يؤاخذ به واقتران الفعل بالهم أو بالعزم ولا نزاع في المؤاخذة به والعزم وهو أقوى من الهم وفيه النزاع .
قوله : " يتوجأ " أي يضرب بها نفسه وحديث جندب البجلي وأبي هريرة يدلان على أن من قتل نفسه من المخلدين في النار فيكون عموم أخراج الموحدين مخصصا بمثل هذا وما ورد في معناه كما حققنا ذلك مرارا . وظاهر حديث جابر المذكور يخالفهما فإن الرجل الذي قطع براجمه بالمشاقص ومات من ذلك أخبر بعد موته الرجل الذي رآه في المنام بأن الله تعالى غفر له ووقع منه صلى الله عليه وآله وسلم التقرير لذلك بل دعاله ويمكن الجمع بأنه لم يرد قتل نفسه بقطع البراجم وإنما حمله الضجر وما حل به من المرض على ذلك بخلاف الرجل المذكور في حديث جندب فإنه قطع يده مريد القتل نفسه وعلى هذا فتكون الأحاديث الواردة في تخليد من قتل نفسه في النار وتحريم الجنة عليه مقيدة بأن يكون مريدا للقتل .
وقد أخرج الشيخان من حديث أبي هريرة قال " شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لرجل ممنيدعي الإسلم هذا من أهل النار فلما حضر القتال قاتل قتالا شديدا فأصابه جراح فقيل يا رسول الله الذي قلت آنفا أنه من أهل النار قد قاتل قتالا شديدا وقد مات فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى النار فكاد بعض المسلمين يرتاب فبينما هم على ذلك إذ قيل له أنه لم يمت ولكن به جراح شديدة فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فأخذ ذباب سيفه فتحامل عليه فقتل نفسه فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله ثم أمر بلالا فنادى في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وإن الله تعالى ليؤيد هذا الدين بالرجال الفاجر .
وأخرج أبو داود من حديث جابر بن سمرة قال أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم برجل قتل نفسه فقالا لا أصلى عليه .
قوله : " أرأيت إن لقيت رجلا " في رواية للبخاري " أني لقيت كافرا فأقتتلنا فضرب يدي فقطعها " وظاهرها أن ذلك وقع والذي في نفس الأمر بخلافه وإنما سأل المقداد عن الحكم في ذلك لو وقع كما في حديث الباب .
وفي لفظ للبخاري في غزوة بدربلفظ " أرأيت أن لقيت رجلا من الكفار " الحديث .
قوله " ثم لاذمني بشجرة " أي التجأ إليها .
وفي رواية للبخاري " ثم لاذ بشجرة " قوله " فقال أسلمت لله " أي دخلت في الإسلام .
قوله : " فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله " قال الكرماني القتل ليس سببا لكون كل منها بمنزلة الآخر لكنه عند النحاة مؤول بالأخبار أي هو سبب لإخباري لك بذلك وعند البيانيين المراد لازمه .
قوله : " وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته " قال الخطابي معناه أن الكافر مباح الدم بحكم الدين قبل أن يسلم فإذا أسلم صار مصان الدم كالمسلم فإن قتله المسلم بعد ذلك صار دمه مباحا بحق القصاص كالكافر بحق الدين وليس المراد الحاقه به في الكفر كما يقوله الخوارج من تكفير المسلم بالكبيرة وحاصله اتحاد المنزلتين مع أختلاف المأخذ أي أنه مثلك في صون الدم وأنك مثله في الهدر . ونقل ابن التين عن الداودي أن معناه أنك صرت قاتلا كما كان هو قاتلا وهذا من المعاريض لأنه أراد الإغلاظ بظاهر اللفظ دون باطنه وإنما أراد أن كلا منهما قاتل ولم يرد أنه صار كافرا بقتله إياه ونقل ابن بطال عن المهلب أن معناه أنك بقصدك لقتله عمدا آثم كما كان هو بقصده لقتلك آثما فأنتما في حالة واحدة من العصيان .
وقيل المعني أنت عنده حلال الدم قبل أن يسلم كما كان عندك حلال الدم قبل ذلك وقيل معناه أنه مغفورله بشهادة التوحيد كما أنك مغفور لك بشهادة بدر ونقل ابن بطال عن ابن القصار أن معنى قوله وأنت بمنزلته أي في إباحة الدم وإنما قصد بذلك ردعه وزجره عن قتله لأن الكافر إذا قال أسلمت حرم قتله وتعقب بأن الكافر مباح الدم والمسلم الذي قتله إن لم يتعمد قتله ولم يكن عرف أنه مسلم وإنما قتله متأولا فلا يكون بمنزلته في إباحة الدم .
وقال القاضي عياض معناه أنه مثله في مخالفة الحق وارتكاب الأثم وإن اختلف النوع في كون أحدهما كفر أو الآخر معصية واستدل بهذا الحديث على صحة اسلام من قال أسلمت لله ولم يزد على ذلك .
وقد ورد في بعض طرق الحديث " انه قال لا اله إلا الله " كما في صحيح مسلم .
قوله : " فاجتووا المدينة " أي استوخموها .
قوله " فأخذ مشاقص " جمع مشقص وقد تقدم تفسيره في باب من أطلع في بيت قوم مغلق عليهم بغير إذنهم وقد تقدم أيضا في الحج قوله " براجمه " جمع برجمة بضم الموحدة وسكون الراء وضم الجيم .
قال في القاموس وهي المفصل الظاهر أو الباطن من الأصابع والأصبع الوسطى من كل طائر أو هي الأصابع كلها أو ظهور العصب من الأصابع أو رؤوس السلاميات إذا قبضت كفك نشزت وارتفعت اه .
قوله : " فشخبت " بفتح الشين والخاء المعجمتين والباء الموحدة أي انفجرت يداه دما قوله " لن يصلح منك ما أفسدت " فيه دليل على أن من أفسد عضوا من أعضائه لم يصلح يوم القيامة بل يبقى على الصفة التي هي عليها عقوبة له