- حديث عبد الله بن عمر أخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه وحديث أبي شريح الآخر الذي أشار إليه المصنف أخرجه أيضا الدارقطني والطبراني والحاكم ورواه الحاكم والبيهقي من حديث عائشة بمعناه .
وروى البخاري في صحيحه عن ابن عباس مرفوعا " أبغض الناس إلى الله ثلاث ملحد في الحرم ومتبع في الإسلام سنة جاهلية ومطلب دم بغير حق ليهريق دمه " والملحد في الأصل هو الماثل عن الحق .
وأخرجه عمر بن شيبة عن عطاء بن يزيد قال قتل رجل بالمزدلفة يعني في غزوة الفتح فذكر القصة وفيها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال وما أعلم أحدا أعتى على الله من ثلاثة رجل قتل في الحرم أو قتل غير قاتله أم قتل بذحل في الجاهلية .
قوله : " عن أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل مكة " الخ قد نقدم هذا الحديث وشرحهفي باب دخول مكة من غير إحرام من أبواب الحج .
قوله : " إن الله حبس عن مكة الفيل " هو الحيوان المشهور وأشار بحبسه عن مكة إلى قضية الحبشة وهي مشهورة ساقها ابن إسحاق مبسوطة . وحاصل ما ساقه أن أبرهة الحبشي لما غلب على اليمن وكان نصرانيا بنى كنيسة وألزم الناس بالحج إليها فعمد بعض العرب فاستغفل الحجبة وتغوط وهرب فغضب أبرهة وعزم على تخريب الكعبة فتجهز في جيش كثيف واسطحب معه فيلا عظيما فلما قرب من مكة خرج إليه عبد المطلب فأعظمه وكان جميل الهيئة فطلب منه أن يرد عليه إبل نهبت فاستقصر همته وقال لقد ظننت أنك لا تسألني إلا في الأمر الذي جئت فيه يقال إن لهذا البيت ربا سيحميه فأعاد إليه إبله وتقدم أبرهة بجيوشه فتقدموا الفيل فأرسل الله عليهم طيرا مع كل واحدة ثلاثة أحجار حجران في رجليه وحجر في منقاره فألقتها عليهم فلم يبق منهم أحد إلا أصيب .
وأخرج ابن مردوية بسند حسن عن عكرمة عن ابن عناس قال جاء أصحاب الفيل حتى نزلوا الصفاح وهو بكسر المهملة ثم فاء ثم مهملة موضع خارج مكة من جهة طريق اليمن فأتاهم عبد المطلب فقال إن هذا بيت الله لم يسلط عليه أحدا فقالوا لا نرجع حتى نهدمه فكانوا لا يقدمون الفيل قبلهم ألا تأخر فدعا الله الطير إلا بابيل فأعطاها حجارة سودا فلما حاذتهم رمتهم فما بقي منهم أحد إلا أخذته الحكة فكان لا يحك أحدهم جلده إلا تساقط لحمه .
قال ابن إسحاق حدثني يغوث بن عتبة قال حدثت أن أول ما وقعت الحصبة والجدري بأرض العرب يومئذ . وعند الطبري بسند صحيح عن عكرمة أنها كانت طيرا خضرا خرجت من البحر لها رؤوس كرؤوس السباع . ولابن أبي حاتم من طريق عبيد بن عمير بسند قوي بعث الله عليهم طيرا أنشأها من البحر كأمثال الخطاطيف فذكر نحو ما تقد .
قوله : " لعمرو بن سعيد " هو المعروف بالأشدق وكان أميرا على دمشق من جهة عبد الملك بن مروان فقتله عبد الملك وقصته مشهورة .
قوله : " ولا يعضد بها شجرة " قد تقدم ضبطه وتفسيره في الحج .
قوله : " فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها " أي استدل بقتاله صلى الله عليه وآله وسلم فيها على أن القتال فيها لغيه مرخص فيه .
قوله : " إن الحرم لا يعيذ عاصيا " هذا من عمرو المذكور معارضته لحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برأيه وهو مصادم للنص ولا جرم فالمذكور من عتاة الأمة النابين عن الحق .
قوله : " ولا فارا بخربة " بضم الخاء ويجوز فتحها وسكون الراء بعدها باء موحدة وهي في الأصل سرقة الإبل وفي البخاري أنها الخيانة .
وقال الترمذي قد روى بخزية بالزاي والياء التحتية أي بجريمة يستحي منها .
قوله : " أن أعدي الناس " في رواية " أن أعتى الناس " وهما تفضيل أي الزائد في التعدي أو العتو على غيره والعتو التكبر والتجبر .
وقد أخرج البيهقي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أنه قال وجد في قائم سيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتاب أن أعدى الناس على الله الحديث .
وأخرجه من حديث سليمان بلفظ " إن أعتى الناس على الله " وأخرج أيضا حديث أبي شريح بلفظ " إن أعتى الناس على الله الحديث " .
قوله : " بذحول الجاهلية " جمع ذحل بفتح الذال المعجمة وسكون الحاء المهملة وهو الثار وطلب المكافاة والعداوة أيضا والمراد هنا من كان له دم في الجاهلية بعد دخوله في الإسلام والمراد أن هؤلاء الثلاثة أعتى أهل المعاصي وأبغضهم إلى الله وإلا فالشرك أبغض إليه من كل معصية كذا قال المهلب وغيره .
وقد استدل بحديث أنس المذكور على أن الحرم لا يعصم من إقامة واجب ولا يؤخر لأجله عن وقته كذا قال الخطابي وقد ذهب إلى ذلك مالك والشافعي وهو اختيار ابن المنذر ويؤيد ذلك عموم الأدلة القاضضية باستيفاء الحدود في كل مكان وزمان . وذهب الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم والحنفية وسائر أهل العراق وأحمد ومن وافقه من أهل الحديث والعترة إلا أنه لا يحل لأحد أن يسفك بالحرم دما ولا يقيم به حدا حتى يخرج عنه من لجأ إليه . واستدلوا على ذلك بعموم حديث أبي هريرة وأبي شريح وابن عباس . عبد الله بن عمرو وعموم قوله تعالى { ومن دخله كان آمنا } وهو الحكم الثابت قبل الإسلام وبعده فإن الجاهلية كان يرى أحدهم قاتل إبنه فلا يهيجه وكذلك في الإسلام كما قال ابن عمر في الأثر المذكور كما روى الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب أنه قال لو وجدت فيه قاتل الخطاب ما مسسته حتى يخرج منه وهكذا روى عن ابن عباس أنه قال لو وجدت قاتل أبي في الحرم ما هجته .
وأما الاستدلال بحديث أنس المذكور فوهم لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بقتل ابن خطل في الساعة التي أحل له الله القتال بمكة وقد أخبرنا بأنها لم تحل لأحد قبله ولا لأحد بعده وأخبرنا أن حرمتها قد عادت بعد تلك الساعة كما كانت وأما الاستدلال بعموم القاضية بلاستيفاء الحدود فيجاب أولا بمنع عمومها لكل مكان وكل زمان لعدم التصريح بهما وعلى تسليم العموم فهو محصص بأحاديث الباب لأنها قاضية بمنع ذلك في مكان خاص وهي متأخرة فإنها في حجة الوداع بعد شرعية الحدود هذا إذا ارتكب ما يوجب حدا أو قصاصا في الحرم فذهب بعض العترة إلى أنه يخرج من الحرم ويقام عليه الحد . روى أحمد عن ابن عباس أنه قال من سرق أو قتل في الحرم أقيم عليه في الحرم . ويؤئد ذلك قوله تعالى { ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم } ويؤيده أيضا أن الجاني في الحرم هاتك لحرمته بخلاف الملتجئ إليه وأيضا لو ترك الحد والقصاص على من فعل ما يوجبه في الحرم لعظم الفساد في الحرم . وظاهر أحاديث الباب المنع المطلقا من غير فرق بين اللاجئ إلى الحرم والمرتكب لما يوجب حدا أو قصاصا في داخله وبين قتل النفس أو قطع العضو والآية التي فيها الإذن بمقاتلة من قاتل عند المسجد الحرام لا تدل إلا على جواز المدافعة لمن قاتل حال المقاتلة كما يدل على ذلك التقييد بالشروط وقد اختلف العلماء في كون هذه الآية منسوخة أو محكمة حتى قال أبو جعفر في كتاب الناسخ والمنسوخ أنها من أصعب ما في الناسخ والمنسوخ فمن قال بأنها محكمة مجاهد وطاوس وأنه لا يجوز الابتداء بالقتال في الحرم تمسكا بظاهر الآية وبأحاديث الباب .
وقال في جامع البيان أن هذا قول الأكثر ومن القائين بالنسخ قتادة قال والناسخ لهما قوله تعالى { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } وقيل بآية التوبة كما ذكره النجري قال أبو جعفر وهذا قول أكثر أهل النظر وأن المشركين يقاتلون في الحرم وغيره بالرآن والسنة قال الله تعالى { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } وبراءة نزلت بعد البقرة بسنتين وقال تعالى { وقاتلوا المشركين كافة } وأما السنة فما روى أنه صلى الله عليه وآله وسلم " دخل وعلى رأسه المغفر فقتل ابن خطل " وقد اختار صاحب تيسير البيان القول الأول وقرره ورد دعوى النسخ أما بالآية براءة فلأن قوله تعالى في المائدة { لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام } موافق لآية البقرة والمائدة نزلت بعد براءة في قول أكثر أهل العلم بالقرآن ثم أن كلنة حيث تدل على المكان فهي عامة في إفراد الأمكنة وآية البقرة نص في النهي عن القتال في مكان مخصوص وهو المسجد الحرام فتكون مخصصة لآية براءة ويكون التقدير فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم إلا أن يكونوا في المسجد الحرام فلا تقتلوهم حتى يقاتلوكم فيه .
وأما قوله تعالى { قاتلوهم حتى لا تكون فتنة } فهو مطلق في الأمكنة والأزمنة والأحوال وآية البقرة مقيدة ببعض الأمكنة فيكون ذلك المطلق مقيدا بها وإذا أمكن الجمع فلا نسخ هذا معنى كلامه وهو طويل ولكن في كون العام المتأخر يخصص بالخاص المتقدم خلاف بين أهل الأصول والراجح والتخصيص وفي كون عموم الأشخاص لا يستلزم عموم الأحوال والأمكنة والأزمنة خلاف أيضا معروف بين أهل الأصول