- هذه الرواية الآخرة سكت عنها أبو داود والمنذري وعزاها إلى مسلم والنسائي ولعله باعتبار اتفاقها في المعني هي والرواية الأولى .
وفي رواية أخرى من حديث وائل بن حجر أخرجها أبو داود والنسائي .
قال " كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ جيء برجل قاتل في عنقه النسعة قال فدعا ولي المقتول فقال أتعفو قال لا قال أفتأخذ الدية قال لا قال أفتقتل قال نعم قال فاذهب به فلما كان في الرابعة قال أما أنك إن عفوت عنه فإنه يبوء بإثمه وإثم صاحبه قال فعفا عنه قال فأنا رأيته يجر النسعة " قوله : " بنسعه " بكسر النون وسكون السين بعدها عين مهملة .
قال في القاموس النسع بالكسر سير ينسج عريضا على هيئة أعنة البغال تشد به الحال والقطعة منه نسعة وسمي نسا لطوله الجمع نسع بالضم ونسع بالكسر كعنب وأنساع ونسوع .
قوله : " نحتطب " من الاحتطاب . ووقع في نسخة نختبط من الاختباط .
قوله : " إن قتله فهو مثله " قد استشكل هذا بعد إذنه صلى الله عليه وآله وسلم بالاقتصاص وإقرار القاتل بالقتل على الصفة المذكورة والأولى حمل هذا المطلق على المقيد بأنه لم يرد قتله بذلك الفعل .
قال المصنف رحمة الله تعالى وقال ابن قتيبة في قوله إن قتله فهو مثله لم يرد أنه مثله في المأثم وكيف يريده والقصاص مباح ولكن أحب له العفو فعرض تعريضا أوهمه به أنه إن قتله كان مثله في الإثم ليعفو عنه وكان مراده أنه يقتل نفسا كما أن الأول قتل نفسا وإن كان الأول ظالما والآخر مقتصا .
وقيل كان معناه كان مثله في حكم البواء فصارا متساويين لا فضل للمقتص إذا استوفى على المقتص منه .
وقيل أراد ردعه عن قتله لأن القاتل إدعى أنه لم يقصد قتله فلو قتله الولى كان في وجوب القود عليه مثله لو ثبت منه قصد القتل يدل عليه ما روى أبو هريرة قال " قتل رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدفع القايل إلى وليه فقال القاتل يا رسول الله والله ما أردت قتله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إما أنه إن كان صادقا فقتلته دخلت النار فخلاه الرجل وكان مكتوفا بنسعة فخرج يجر نسعته قال قال فكان يسمي ذا النسعة " رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه انتهى .
وأخرج هذا الحديث أيضا النسائي وهو مشتمل على زيادة وهي تقييد الإقرار بأنه لم يرد القتل بذلك الفعل فيتعين قبولها ويحمل المطلق على المقيد كما تقدم فيكون عدم قصد القتل إنما يصير القتل من جنس الخطأ إذا كان بما مثله لا يقتل في العادة لا إذا كان مثله يقتل في العادة فإنه بكون عمدا وإن يقصد به القتل وغلى هذا ذهبت الهادوية والحديث يرد عليهم ( لا يقال الحديث ) مشكل من جهة أخرى وهي أنه صلى الله عليه وآله وسلم أذن لولي المجني عليه بالاقتصاص ولو كان القتل خطأ لم يأذن له بذلك إذ لا قصاص في قتل الخطأ إجماعا كما حكاه صاحب البحر وهو صريح القرآن والسنة لأنا نقول لم يمنعه صلى الله عليه وآله وسلم من الاقتصاص بمجرد تلك الدعوى لاحتمال أن يكون المدعي كاذبا فيها بل حكم علي القاتل بما هو ظاهر الشرع ورهب ولي الدم عن القود بما ذكره معلقا لذلك على صدقة .
قوله : " أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك " أما كون القاتل يبوء بإثم المقتول فظاهر وأما كونه يبوء بإثم وليه فلانه لما قتل قريبه وفرق بينه وبينه كان جانيا عليه جناية شديدة اما جرت به عادة البشر من التألم لفقد القريب والتأسف على فراق الحبيب ولا سيما إذا كان ذلك بقتله ولا شك أن ذلك ذنب شديد ينضم إلى ذنب القتل فإذا عفا ولى الدم عن القاتل كانت ظلامته بقتل قريبه وإحراج صدره باقية في عنق القاتل فينتصف منه يوم القيامة بوضع ما يساويها من ذنوبه عليه فيبوء بإثمه .
قوله : " قال يا بني الله لعله " أي لعله أن لا يبوء بإثمي وإثم صاحبي فقال صلى الله عليه وآله وسلم بلى يبوء بذلك .
وأما قوله في الرواية الأخرى بإثم صاحبه وإثمه فلا أشكال فيه وهو مثل ما حكاه الله في القرآن عن ابن آدم حيث قال { إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك } . والمراد بالبواء الاحتمال .
قال في القاموس وبذنبه بوأو بواء أحتمله أو اعترف به وذمه بدمه عدله وبفلان قتل به فقاومه انتهى .
وقد استدل المصنف C بحديث وائل بن حجر على أنه يثبت القصاص على الجاني بإقراره وهو مما لا أحفظ فيه خلافا إذا كان الإقرار صحيحا متجردا عن الموانع