- قوله " رض رأس جارية " في رواية لمسلم " فقتلها بحجر فجيء بها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبها رمق " .
وفي رواية أخرى " قتل جارية من الأنصار على حلى لها ثم ألقاها في قليب ورضح رأسها بالحجارة فأمر به أن يرجم حتى يموت فرجم حتى مات " والحديث يدل على أنه يقتل الرجل بالمرأة وإليه ذهب الجمهور وحكى ابن المنذر الإجماع عليه إلا رواية عن علي و عن الحسن وعطاء ورواه البخاري عن أهل العلم وروي في البحر عن عمر بن عبد العزيز والحسن البصري وعكرمة وعطاء ومالك وأحد قولى الشافعي أنه لا يقتل الرجل بالمرأة وإنما تجب الدية وقد رواه أيضا عن الحسن البصري أبو الوليد الباجي والخطابي وحكى هذا القول صاحب الكشاف عن الجماعة الذين حكاه صاحب البحر عنهم ولكنه قال وهو مذهب مالك والشافعي ولم يقل وهو أحد قولي الشافعي كما قال صاحب البحر وقد أشار السعد في حاشيته على الكشاف إلى أن الرواية التي ذكرها الزمخشري وهم محض قال ولا يوجد في كتب المذهبين يعني مذهب مالك والشافعي تردد في قتل الذكر بالأنثى انتهى .
وأخرج البيهقي عن أبي الزناد أنه قال كان من أدركته من فقهائنا الذين ينتهي إلى قولهم منهم سعيد بن المسب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وأبو بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد بن ثابت وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وسليمان بن يسار في مشيخة جلة من سواهم من نظرائهم أهل فقه وفضل إن المرأة تقاد من الرجل عينا بعين وأذنا بأذن وكل شيء من الجراح على ذلك وإن قتلها قتل بها ورويناه عن الزهري وغيره وعن النخاعي والشعبي وعمر بن عبد العزيز قال البيهقي وروينا عن الشعبي وإبراهيم خلافه فيما دون النفس وأختلف الجمهور هل يتوفى ورثة الرجل من ورثة المرأة أم لا فذهب الهادي والقاسم والناصر وأبو العباس وأبو طالب إلى أنهم يتوفون نصف دية الرجل وحكاه البيهقي عن عثمان البتى وحكاه أيضا السعد في حاشية الكشاف عن مالك وذهبت الشافعية والحنفية وزيد بن على والمؤيد بالله والإمام يحيى إلى أنه يقتل الرجل بالمرأة ولا توفية وقد احتج القائلون بثبوت القصاص بقوله تعالى { النفس بالنفس } ويجاب عن ذلك بما قدمنا في الباب الأول من أن هذه الآية حكاية عن بني اسرائيل كما يدل على ذلك قوله تعالى { وكتبنا عليهم فيها } أي في التوراة .
وقد صرح صاحب الكشاف بأنها واردة لحكاية ما كتب في التوراة على أهلها فتكون هذه الآية مفسرة أو مقيدة أو مخصصة بقوله تعالى { الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } وهذه الآية تدل على اعتبار الموافقة ذكورة وأنوثة وحرية وقد أجاب عن هذا في حاشيته على الكشاف بوجوه . الأول أن القول بالمفهوم إنما هو على تقدير أن لا يظهر للقيد فائدة وههنا الفائدة أن الآية إنما نزلت لذلك . والثاني أنه لو أعتبر ذلك لزم أن لا تقتل الأنثى بالذكر نظرا إلى مفهوم بالأنثي قال وهذا يرد على ما ذكرنا أيضا ويدفع بأنه يعلم بطريق الأولى . والثالث أنه لا عبرة بالمفهوم في مقابلة المنطوق الدال على قتل النفس بالنفس كيفما كانت ( لا يقال ) تلك حكاية عما في التوراة لا بيان للحكم في شريعتنا لأنا نقول شرائع من قبلنا لا سيما إذا ذكرت في كتابنا حجة وكم مثلها في أدلة أحكامنا حتى يظهر الناسخ وما ذكرنا هنا يعني في البقرة يصلح مفسرا أفلا يجعل ناسخا وأما أن تلك يعني آية المائدة ليست ناسخة لهذه فلأنها مفسرة بهافلا تكون هي منسوخة بها . ودليل آخر على عدم النسخ أن تلك أعني النفس بالنفس حكاية لما في التوراة وهذه أعني الحر بالحر الخ خطاب لنا وحكم علينا فلا ترفعها تلك وغلى ذلك أشار يعني الزمخشري بقوله .
ولأن تلك عطفا على مضمون قوله ويقولون هي مفسرة لكنهم يقولون أن الحكي في كتابنا من شريعة من قبلنا بمنزلة المنصوص المقرر فيصلح ناسخا وما ذكرنا من كونه مفسرا إنما يتم لو كان قولنا النفس بالنفس مبهما ولا إبهام بل هو عام والتنصيص على بعض الأفراد لا يدفع العموم سيما والخصم يدعى تأخر العام حيث يجعله ناسخا لكن يرد عليه أنه ليس فيه رفع شيء من الحكم السابق بل إثبات زيادة حكم آخر اللهم إلا أن يقال أن في قوله الحر بالحر الآية دلالة على وجوب المساواة في الحرية والذكورة دون الرق والأنوثة انتهى كلام السعد ( الحاصل ) إن الاستدلال بالقرآن على قتل الحر بالعبد أو عدمه أو قتل الذكر بالأثثى أو عدمه لا يخلو عن إشكال في عضد الظن الحاصل بالاستدلال فالأولي التعويل على ما سلف من الأحاديث القاضية بأنه لا يقتل الحر بالعبد وعلى ما ورد من الأحاديث والآثار القاضية بأنه يقتل الذكر بالأنثى منها حديث الباب وإن كان لا يخلو عن إشكال لأن قتل الذكر الكافر بالأنثى المسلمة لا يستلزم قتل الذكر المسلم بها لما بينهما من التفاوت ولو لم يكن إلا ما أسلفنا من الأدلة القاضية بأنه لا يقتل المسلم بالكافر . ومنها ما أخرجه مالك والشافعي من حديث عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتب في كتابه إلى أهل اليمن أن الذكر يقتل بالأنثى وهو عندهما عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه أن في الكتاب الذي كبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعمرو بن حزم أن الذكر يقتل بالأنثى ووصله نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن معمر عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه عن جده وجده محمد بن عمرو بن حزم ولد في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكن لم يسمع منه كما قال الحافظ . وكذا أخرجه عبد الرزاق عن معمر ومن طريقه الدارقطني . ورواه أبو داود والنسائي من طريق ابن وهب عن يونس عن الزهري مرسلا . ورواه أبو داود في المراسيل عن ابن شهاب قال " قرأة في كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى نجران وكان الكتاب عند أبي بكر بن حزم " . ورواه النسائي وابن حبان والحاكم والبهيقي موصولا مطولا من حديث الحكم بن موسى عن يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود حدثني الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده وفرقة الدارمى في مسنده عن الحكم مقطعا .
قال الحافظ وقد اختلف أهل الحديث في صحة هذا الحديث فقال أبو داود في المراسيل قد أسند هذا الحديث ولا يصح والذي في إسناده سليمان بن داود وهم إنما هو سليمان بن أرقم وقال في موضع آخر لا أحدث به وقد وهم الحكم بن موسى في قوله سليمان بن داود وقد حدثني محمد بن الوليد الدمشقي أنه قرأفي أصل يحيى بن حمزة سليمان بن أرقم وهكذا قال أبو زرعة الدمشقي أنه الصواب وتبعه صالح بن محمد جزرة وأبو حسن الهروى وغيرهما .
وقال صالح جزرة حدثنا دحيم قال قرأت في كتاب يحيى بن حمزة حديث عمرو بن حزم فإذا هو عن سليمان بن أرقم قال صالح كتب عني هذه الحكاية مسلم بن الحجاج .
قال الحافظ أيضا ويؤيد هذه الحكاية ما رواه النسائي عن الهيثم بن مروان عن محمد بن بكار عن يحيى بن حمزة عن سليمان بن أرقم عن الزهري وقال هذا أشبه بالصواب .
وقال ابن حزم في المحلى صحيفة عمرو بن حزم منقطعة لا تقول بها حجة وسليمان بن داود الذي يروي هذه النسخة عن الزهري ضعيف ويقال أنه سليمان بن أرقم وتعقبه ابن عدي فقال هذا خطأ إنما هو سليمان بن داود وقد جوده الحكم بن موسى وقال أبو زرعة عرضت على أحمد فقال سليمان بن داود اليمامي ضعيف وسليمان بن داود الخولاني ثقة وكلاهما يروي عن الزهري والذي روى حديث الصدقات هو الخولاني فمن ضعفه فإنما ظن أن الراوي هو اليمامي وقد أثنى على سليمان بن داود الخولاني هذا أبو زرعة وأبو حاتم وعثمان بن سعيد وجماعة من الحفاظ . وحكى الحاكم عن أبي حاتم أنه سئل عن عمرو بن حزم فقال سليمان بن داود عندنا ممن لا بأس به وقد صحح هذا الحديث ابن حبان والحاكم والبهيقي ونقل عن أحمد أنه قال أرجو أن يكون صحيحا وصححه أيضا من حيث الشهرة لا من حيث الإسناد جماعة من الأئمة منهم الشافعي فإنه قال في رسالته لم يقبلوا هذا الحديث حتى ثبت عندهم أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وقال ابن عبد البر هذا كتاب مشهور عند أهل السير معروف ما فيه عند أهل العلم يستغني بشهرته عن الإسناد لأته أشبه التواتر في مجيئه لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة .
قال ويدل على شهرته ما روى ابن وهب عن مالك عن الليث ابن سعد عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال وجد كتاب عند آل حزم يذكرون أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وقال العقيلي هذا حديث ثابت محفوظ إلا أنا نرى أنه كتاب غير مسموع عمن فوق الزهري .
وقال يعقوب ابن أبي سفيان لا أعلم في جميع الكتب المنقولة كتابا أصح من كتاب عمرو بن حزم هذا فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتابعين يرجعون إليه ويدعون رأيهم .
قال الحاكم قد شهد عمر بن عبد العزيز وأمام عصره الزهري بالصحة لهذا الكتاب ثم ساق ذلك بسنده إليهما وسيأتي لفظ هذا الحديث في أبواب الديات هذا غاية ما يمكن الاستدلال به للجمهور . ومما يقوي ما ذهبوا إليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم " وهم يقتلون قاتلها " وسيأتي في باب أن الدم حق لجميع الورثة من الرجال والنساء . ووجهه ما فيه من العموم الشامل للرجل والمرأة . ومما يقوي ما ذهبوا إليه أيضا أنا قد علمنا أن الحكمة في شرعية القصاص هي حقن الدماء وحياة النفوس كما يشير إلى ذلك قوله تعالى { ولكم في القصاص حياة } وترك الاقتصاص للأنثى من الذكر يفضي إلى إتلاف نفوس الإناث لأمور كثيرة . منها كراهية توريثهن .
ومنها مخافة العار لاسيما عند ظهور أدنى شيء منهن لما بقي في القلوب من حمية الجاهلية التي نشأ عنها الوأد ومنها كونهن مستضعفات لا يخشى منرام القتل لهن أن يناله من المدافعة ما يناله من الرجال فلا شك ولا ريب أن الترخيص في ذلك من أعظم الذرائع المفضية إلى هلاك نفوسهن ولا سيما في مواطن الأعراب المتصفين بغلط القلوب وشدة الغيرة والأنفة اللاحقة بما كانت عليه الجاهلية ( يلزم مثل هذا في الحر إذا قتل عبدا لأن الترخيص في القود يفضي إلى مثل ذلك الأمر لأنا نقول هذه المناسبة إنما تعتبر مع عدم معارضتها لما هو مقدم عليها من الأدلة فلا يعمل بها في الاقتياد للعبد من الحر لما سلف من الأدلة القاضية بالمنع ويعمل بها في الاقتياد للأنثى من الذكر لأنها لم تعارض ما هو كذلك بل جاءت مظاهرة للأدلة القاضية بالثبوت ( وفي حديث الباب ) دليل على أنه يثبت القصاص في القتل بالمثقل وسيأتي بيان الخلاف فيه .
وفيه أيضا دليل على أنه يجوز القود بمثل ما قتل به المقتول وإليه ذهب الجمهور ويؤيد ذلك عموم قوله تعالى { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } وقوله تعالى { فاعتدوا عليه بمثل ما أعتدي عليكم } وقوله تعالى { وجزاء سيئة سيئة مثلها } وما أخرجه البيهقي والبزار عنه صلى الله عليه وآله وسلم من حديث البراء وفيه " ومن حرق حرقناه ومن غرق غرقناه " .
قال البهيقي في إسناده بعض من يجهل وإنما قاله زياد في خطبته وهذا إذا كان السبب الذي وقع القتل به مما يجوز فعله لا إذا كان لا يجوز كمن قتل غيره بإبجاره الخمر أو اللواط به . وذهبت العترة والكوفيون ومنهم أبو حنيفة وأصحابه إلى أن الاقتصاص لا يكون إلا بالسيف . واستدلوا بحديث النعمان بن بشير عند ابن ماجه والبزار والطحاوي والطبراني والبيهقي بألفاظ مختلفة . منها لاقود إلا بالسيف وأخرجه ابن ماجه أيضا والبزار والبيهقي من حديث أبي بكرة .
وأخرجه الدارقطني والبيهقي من حديث أبي هريرة .
وأخرجه الدارقطني من حديث علي .
وأخرجه البيهقي والطبراني من حديث ابن مسعود .
وأخرجه ابن أبي شيبة عن الحسن مرسلا وهذه الطرق كلها لا تخلو واحدة منها من ضعيف أو متروك حتى قال أبو حاتم حديث منكر .
وقال عبد الحق وابن الجوزي طرقه كلها ضعيفة .
وقال البيهقي لم يثبت له إسناده . ويؤيد معنا هذا الحديث الذي يقوي بعض طرقه بعضا حديث شداد بن أوس عند مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة " وإحسان القتل لا يحصل بغير ضرب العنق بالسيف كما يحصل به ولهذا كان صلى الله عليه وآله وسلم يأمر بضرب عنق من أراد قتله حتى صار ذلك هو المعروف في أصحابه فإذا رأوا رجلا يستحق القتل قال قائلهم يا رسول الله دعني أضرب عنقه حتى قيل إن القتل بغير ضرب العنق بالسيف مثلة وقد ثبت النهي عنها كما سيأتي .
وأما حديث ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يقتل القاتل ويصبر الصابر " أخرجه البيهقي والدارقطني وصححه ابن قطان . بالأشهر فيه رواية معمر عن إسماعيل بن أمية مرسلا .
وقد قال الدارقطني الإرسال فيه أكثر .
وقال البيهقي الموصول غير المحفوظ .
وأما حديث أنس المذكور في الباب فقد أجيب عنه بأنه فعل لا ظاهر له فلا يعارض ما ثبت من الأقوال في الأمر بإحسان القتلة والنهي عن المثلة وحصر القود في السيف