- حديث سراقة أخرجه أيضا ابن ماجه وأبو يعلي والبغوي والطبراني في الكبير والضياء في المختارة .
قوله : " عذبت امرأة " قال الحافظ لم أقف على اسمها ووقع في رواية أنها حميرية وفي أخرى أنها من بني اسرائيل كما في مسلم والجمع ممكن لأن طائفة من حمير دخلوا في اليهودية فيكون نسبتها إلى بني اسرائيل لأنهم أهل دينها وإلى حمير لأنهم قبيلتها قوله " في هرة " أي بسبب هرة والهرة أنثى السنور قوله " خشاش الأرض " بفتح الخاء المعجمة ويجوز ضمها وكسرها وبعدها معجمتان بينهما ألف والمراد هوام الأرض وحشراتها قال النووي وروي بالحاء المهملة والمراد نبات الأرض قال وهو ضعيف أو غلط .
وفي رواية من حشرات الأرض وقد استدل بهذا الحديث على تحريم حبس الهرة وما يشابهها من الدواب بدون طعام ولاشراب لأن ذلك من تعذيب خلق الله وقد نهى عنه الشارع .
قال القاضي عياض يحتمل أن تكون عذبت في النار صحيحة أو بالحساب لأن من نوقش الحساب عوقب ولا يخفى أن قوله فدخلت فيها النار يدل على الاحتمال الأول وقد قيل أن المرأة كانت كافرة فدخلت النار بكفرها وزيد في عذابها لأجل الهرة قال النووي وإلا ظهر أنها كانت مسلمة وإنما دخلت النار بهذه المعصية .
قوله : " يلهث " قال في القاموس اللهثان العطشان وبالتحريك العطش كاللهث واللهاث وقد لهث كسمع وكغراب حر العطش وشدة الموت قال ولهث كمنع لهثا ولهاثا بالضم أخرج لسانه عطشا أو تعبا أو إعياء كاللهث واللهثة بالضم التعب والعطش انتهى .
قوله : " الثرى " هو التراب الندي كما في القاموس قوله " في كل كبد رطبة " الرطب في الأصل ضد اليابس وأريد به هنا الحياة للأن الرطوبة في البدن تلازمها وهي كذلك الحرارة في الأصل ضد البرودة وأريد بها هنا الحياة لأن الحرارة تلازمها وقد استدل باحاديث الباب على وجوب نفقة الحيوان على مالكه وليس فيها ما يدل على الوجوب المدعى أما حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة الأول الذي أشار إليه المصنف فليس فيهما إلا وجوب انفاق الحيوان المحبوس على حابسه وهو أخص من الدعوى اللهم إلا أن يقال إن مالك الحيوان حابس له في ملكه فيجب الإنفاق على كل مالك لذلك ما دام حابسا له إلا إذا سيبه فلا وجوب عليه لقوله في الحديث " ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض " كما وقع التصريح بذلك في كتب الفقه ولكن لا يبرأ بالتسييب إلا إذا كان في مكان معشب يتمكن الحيوان فيه من تناول ما يقوم بكفايته وأما حديث أبو هريرة الثاني فليس فيه إلا أن المحسن إلى الحيوان عند الحاجة إلى الشراب ويلحق به الطعام مأجور وليس النزاع في استحقاق الأجر بما ذكر إنما النزاع في الوجوب وكذلك حديث سراقة بن مالك ليس فيه مجرد الأجر للفاعل وهو يحصل بالمندوب فلا يستفاد منه الوجوب غاية الأمر إن الإحسان إلى الحيوان المملوك أولى من الإحسان إلى غيره لأن هذه الأحاديث مصرحة بأن الإحسان إلى غير المملوك موجب للأجر وفحوى الخطاب يدل على أن المملوك أولى بالإحسان لكونه محبوسا عن منافع نفسه بمنافع مالكه وأما إن المحسن إليه أولى بالأجر من المحسن إلى غير المملوك فلا فأولى ما يستدل به على وجوب إنفاق الحيوان المملوك حديث الهرة لأن السبب في دخول تلك المرأة النار ليس مجرد ترك الإنفاق بل مجموع الترك والحبس فإذا كان هذا الحكم ثابتا في مثل الهرة فثبوته في مثل الحيوانات التي تملك أولى لانها مملوكة محبوسة مشغولة بمصالح المالك .
وقد ذهبت العترة والشافعي وأصحابه إلى أن مالك البهيمة إذا تمرد عن علفها أو بيعها أو تسييبها أجبر كما يجبر مالك العبد بجامع كون كل منهم مملوكا ذا كبد رطب مشغولا بمصالح مالكه محبوسا عن مصالح نفسه وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن مالك الدابة يؤمر بأحد تلك الأمور استصلاحا لا حتما قالوا إذ لا يثبت لها حق ولا خصومة ولا ينصب عنها فهي كالشجرة وأجيب بأنها ذات روح محترم فيجب حفظه كالآدمي وأما الشجر فلا يجبر على إصلاحه اجماعا لكونه ليس بذي روح فافترقا والتخيير بين الأمور المذكورة إنما هو في الحيوان الذي دمه محترم وأما الحيوان الذي يحل أكله فيخير المالك بين تلك الأمور الثلاثة أو الذبح قوله " قد لطتها " بضم اللام وبالطاء المهملة وهو في الأصل اللزوم والستر والالصاق كما حققه صاحب القاموس والمراد هنا اصلاح الحياض يقال لاط حوضه يليطه إذا أصلحه بالطين والمدر ونحوها ومنه قيل اللائط لمن يفعل الفاحشة