- حديث أبي هريرة رواه باللفظ الأول أيضا أبو داود ورواه بنحو اللفظ الثاني بقية أهل السنن وابن أبي شيبة وصححه الترمذي وابن حبان وابن القطان . وحديث عبد الحميد باللفظ الآخر أخرجه أيضا النسائي وابن ماجه والدارقطني وفي اسناده اختلاف كثير وألفاظه مختلفة ورجح ابن القطان رواية عبد الحميد بن جعفر وقال ابن المنذر لا يثبته أهل النقل وفي إسناده مقال ولكنه قد صححه الحاكم وذكر الدارقطني أن البنت المخيرة اسمها عميرة وقال ابن الجوزي رواية من روى أنه كان غلاما أصح .
وقال ابن القطان لو صح رواية من روى أنها بنت لأحتمل أنهما قصتان لاختلاف الخرجين .
قوله : " خير غلاما " الخ فيه دليلعلى أنه إذا تنازع الأب والأم في ابن لهما كان الواجب هو تخييره فمن اختاره ذهب به .
وقد أخرج البيهقي عن عمر أنه خير غلاما بين أبيه وأمه .
وأخرج أيضا هم علي أنه خير عمارة الجذامي بين أمه وعمته وكان ابن سبع أو ثمان سنين وقد ذهب إلى هذا الشافعي وأصحابه وإسحاق بن راهويه وقال أحب أن يكون مع الأم إلى سبع سنين ثم يخير وقيل إلى خمس . وذهب أحمد إلى أن الصغير دون سبع سنين أنه أولى به وان بلغ سبع سنين فالذكر فيه ثلاث روايات . يخير وهو المشهور عن أصحابه وإن لم يختر أقرع بينهما . والثانية أن الأب أحق به . والثالثة أن الأب أحق بالذكر والأم أحق بالأنثى إلى تسع ثم يكون الأب أحق بها . والظاهر من أحاديث الباب أن التخيير في حق من بلغ من الأولاد إلى سن التمييز هو الواجب من غير فرق بين الذكر والأنثى . وحكى في البحر عن مذهب الهادوية وأبي طالب وأبي حنيفة وأصحابه ومالك أنه لا تخيير بل متى استغنى بنفسه فالأب أولى بالذكر والأم بالأنثى . وعن مالك الأنثى للأم حتى تزوج وتدخل والأب للذكر حتى يبلغ . وحد الاستعناء عند أبي حنيفة وأصحابه وأبي العباس وأبي طالب أن يأكل ويشرب ويلبس . وعند الشافعي والمؤيد بالله والإمام يحيى هو بلوغ السبع . وتمسك النافون للتخيير بحديث " أنت أحق ما لم تنكحي " ويجاب عنه بأن الجمع ممكن وهو أن يقال المراد بكونها أحق به فيما قبل السن التي يخير فيها لا فيما بعدها بقرينة أحاديث الباب .
قوله : " استهما عليه " فيه دليل على أن القرعة طريق شرعية عند تساوي الأمرين وأنه يجوز الرجوع اليها كما يجوز الرجوع إلى التخيير .
وقد قيل إنه يقدم التخيير عليها وليس في حديث أبي هريرة المذكور ما يدل على ذلك بل ربما دل على عكسه لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرهما أولا بالاستهام ثم لما لم يفعلا خير الولد .
وقد قيل إن التخيير أولى لاتفاق ألفاظ الحديث عليه وعمل الخلفاء الراشدين به . وقوله " من يحاقني " الحقاق والحتقاق الخصام والاختصام كما في القاموس أي من يخاصمني في ولدي قوله " فمالت إلى أمها فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم اللهم اهدها " استدل بذلك على جواز نقل الصبي إلى من اختار ثانيا وقد نسبه صاحب البحر إلى القائلين بالتخيير واستدل بحديث عبد الحميد المذكور على ثبوت الحضانة للأم لأن التخيير دليل ثبوت الحق وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور . وذهب الجمهور إلى أنه لا حضانة للكافرة على ولدها المسلم وأجابوا عن الحديث بما تقدم من المقال وبما فيه من الاضطراب ويجاب بأن الحديث صالح للاحتجاج به والاضطراب ممنوع باعتبار محل الحجة .
وأما احتجاجهم بمثل قوله تعالى { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } وبنحو حديث " الإسلام يعلو " فغير نافع لأنه عام وحديث الباب خاص . وأعلم أنه ينبغي قبل التخيير والاستهام ملاحظة ما فيه مصلحة للصبي فإذا كان أحد الأبوين أصلح للصبي من الآخر قدم عليه من غيرقرعة ولا تخيير هكذا قال ابن القيم واستدل بأدلة عامة نحو قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا } وزعم أن قول من قال بتقديم التخيير أو القرعة مقيد بهذا وحكى عن شيخه ابن تيمية أنه قال تنازع أبوان صبيا عند الحاكم فخير الولد بينهما فاختار أباه فقالت أمه سله لأي شيء يختاره فسأله فقال أمي تبعثني كل يوم للكاتب والفقيه يضرباني وأبي يتركني ألعب مع الصبيان فقضى به للأم ورجح هذا تيمية . واستدل له بنوع من أنواع المناسب ولا يخفى أن الأدلة المذكورة في خصوص الخضانة خالية عن مثل هذا الاعتبار مفوضة حكم الأحقية إلى محض الاختيار فمن جعل المناسب صالحا لتخصيص الأدلة أو تقييدها فذاك ومن أبى ووقف علي مقتضاها كان في تمسكه وموافقته له أسعد من غيره