- حديث عائشة في قصة سالم أخرج الرواية الأولى منه النسائي عن جعفر بن ربيعة عن الزهري كتابة عن عروة عنها ورواه الشافعي في الام عن مالك عن الزهرى عن عروة مرسلا ورواه أيضا عبد الرزاق .
وأخرج الرواية الثانية عنها أبو داود وأخرجها أيضا البخاري في المغازي من صحيحه من طريق عقيل عن الزهري عن عروة عنها إلى قوله فجائت سهلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال فذكر الحديث ولم يسق بقيته وساقها البيهقي في سننه من هذا الوجه كرواية أبي داودو رواها أيضا البخاري من رواية شعيب بن أبي حمزة عن الزهري عنها وساق منها إلى قوله وقد أنزل الله فيه ما قد علمت .
قوله : معلومات فيه اشارة إلى أنه لا يثبت حكم الرضاع إلا بعد العلم بعدد الرضعات وانه لا يكف الظن بل يرجع معه ومع الشك إلى الأصل وهو العدم .
قوله : وهن فيما يقرأ بضم الياء وفيه أشارة إلى أنه تأخر إنزال الخمس رضعات فتوفى صلى الله عليه وآله وسلم وهن قرآن يقرأ .
قوله : فضلى بضم الفاء والضاد المعجمة قال الخطابى أي مبتذلة في ثياب مهنتها انتهى والفضل من الرجال والنساء الذي عليه ثوب واحد بغيرإزار .
وقال ابن وهب أي مكشوف الرأس وقد استدل بأحاديث الباب من قال انه لا يقتضي التحريم من الرضاع الاخمس رضعات معلومات وقد تقدم تحقيق الرضعة والى ذلك ذهب ابن مسعود وعائشة وعبد الله بن الزبير وعطاء وطاوس وسعيد بن جبير وعروة ابن الزبير والليث بن سعد والشافعي وأحمد في ظاهر مذهبه وإسحاق وابن حزم وجماعة من أهل العلم .
وقد روى هذا المذهب من الامام علي بن أبي طالب رضى الله عنه . وذهب الجمهور إلى إن الرضاع الواصل إلى الجوف يقتضى التحريم وان قل وقد حكاه صاحب البحر عن الامام علي Bه وابن عباس وابن عمر والثوري والعترة وأبى حنيفة وأصحابه ومالك وزيد بن أوس انتهى .
وروى أيضا عن سعيد بن المسيب والحسن والزهري وقتاده والحكم وحماد والاوزاعي .
قال المغربي في البدر وزعم الليث بن سعد إن المسلمين أجمعوا على إن قليل الرضاع وكثيره يحرم منه ما يفطر الصائم وهو رواية عن الامام أحمد انتهى . حكى ابن القيم عن الليث انه لا يحرم إلا خمس رضعات كما قدمنا ذلك فينظر في المروى عنه من حكاية الاجماع فانه يبعد كل البعد إن يحكي العالم الاجماع في مسألة ويخالفها وقد اجاب اهل القول الثاني عن أحاديث الباب التي استدل بها أهل القول الأول بأجوبة منها انها متضمنة لكون الخمس الرضعات قرآن والقرآن شرطه التواتر ولم يتواتر محل النزاع وأجيب بان كون التواتر شرط ممنوع والسند ما أسلفنا عن أئمة القراآت كالجزرى وغيره في باب الحجة في الصلاة بقراءة ابن مسعود وأبي من أبواب صفة الصلاة فانه نقل هو وجماعة من أئمة القراآت الاجماع على ما يخالف هذه الدعوى ولم يعارض نقله ما يصلح لمعارضته كما بينا ذلك هنالك وأيضا اشتراط التواتر فيما نسخ لفظه على رآي المشترطين ممنوع وأيضا انتفاء قرآنيته لا يستلزم انتفاء حجيته على فرض شرطية التواتر لان الحجة ثبتت بالظن ويجب عنده العمل وقد عمل الائمة بقراءة الآحاد في مسائل كثيرة منها قراءة ابن مسعود فصيام ثلاثة أيام متتابعات وقراءة أبي وله أخ أو أخت من أم ووقع الاجماع على ذلك ولا مستند له غيرها وأجابوا أيضا بان ذلك لو كان قرآنا لحفظ لقوله تعالى { انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون } وأجيب بان كونه غير محفوظ ممنوع بل قد حفظه الله برواية عائشة له وأيضا المعتبر حفظ الحكم ولو سلم انتفاء قرآنيته على جميع التقادير لكان سنة لكون الصحابي راويا له عنه صلى الله عليه وآله وسلم لوصفه له بالقرآنية وهو يستلزم صدوره عن لسانه وذلك كاف في الحجية لما تقرر في الأصول من إن المروى آحاد إذا انتقى عنه وصف القرآنية لم ينتف وجوب العمل به كما سلف واحتجوا أيضا بقوله تعالى { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم } وإطلاق الرضاع يشعر بأنه يقع بالقليل والكثير ومثل ذلك حديث يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ويجاب بأنه مطلق مقيد بما سلف واحتجوا بما ثبت في الصحيحين عن عقبة بن الحرث إنه تزوج أم يحيى بنت أبي اهاب الذى سيأتي في باب شهادة المرأة الواحدة بالرضاع فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يستفصل عن الكيفية ولا سأل عن العدد ويجاب أيضا بأن أحاديث الباب اشتملت على زيادة على ذلك المطلق المشعور به من ترك الاستفصال فيتعين الأخذ بها على أنه يمكن إن يكون ترك الاستفصال لسبق البيان منه صلى الله عليه وآله وسلم للقدر الذي يثبت به التحرير ( فإن قلت ) فحديث لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الامعاء يدل على عدم اعتبار الخمس لأن الفتق يحصل بدونها .
قلت سيأتي الجواب عن ذلك في شرح الحديث فالظاهر ما ذهب إليه القائلون باعتبار الخمس وأما حديث لا تحرم الرضعة أو الرضعتان وكذلك سائر الأحاديث المتقدمة في الباب الأول وقد سبق ذكر من ذهب إلى العمل بها فمفهومها يقتضي إنما زاد عليها يوجب التحريم كما إن مفهوم أحاديث الخمس إن ما دونها لا يقتضي التحريم فيتعارض المفهومان ويرجع إلى الترجيح ولكنه ثبت عند ابن ماجه بلفظ لا يحرم إلا عشر رضعات أو خمس كما ذكره المصنف وهذا مفهوم حصر وهو أولى من مفهوم العدد وأيضا قد ذهب بعض علماء البيان كالزمخشرى إلى إن الأخبار بالجملة الفعلية المضارعية يفيد الحصر والاخبار عن الخمس الرضعات بلفظ يحرمن كذلك ولو سلم استواء المفهومين وعدم انتهاض أحدهما كان المتوجه تساقطهما وحمل ذلك المطلق على الخمس لا على ما دونها إلا إن يدل عليه دليل ولا دليل يقتضي إن ما دون الخمس يحرم إلا مفهوم قوله لا تحرم الرضعة والرضعتان والمفروض أنه قد سقط نعم لابد من تقبيد الخمس الرضعات بكونها في زمن المجاعة لحديث عائشة الآتي في الباب الذي بعد هذا .
وأما حديث ابن مسعود عند أبي داود مرفوعا " لا رضاع إلا ما أنشر العضم وأنبت اللحم " فيجاب بأن الإنبات والإنشار إن كانا يحصلان بدون الخمس ففي حديث الخمس زيادة يجب قبولها والعمل بها وان كانا لا يحصلان إلا بزيادة عليها فيكون حديث الخمس مقيد بهذا الحديث لولا انه من طريق أبي موسى الهلالي عن أبيه عن ابن مسعود وقد قال أبو حاتم إن ابوموسى واباه مجهولان وقد اخرجه البيهقي من حديث أبي حصين عن أبي عطية قال جاء رجل إلى أبي موسى فذكره بمعناه وهذا على فرض انه يفيد ارتفاع الجهالة عن أبي موسى لا يفيد ارتفاعها عن أبيه فلا ينتهض الحديث لتقييد احاديث الخمس بانشار العظم وانبات اللحم وفي حديث عائشة المذكور في قصة سالم على إن إرضاع الكبير يقتضي التحريم وسيأتي تحقيق ذلك