- قوله " أن امرأة " هي عاتكة بنت نعيم بن عبد الله كما أخرجه ابن وهب عن أم سلمة والطبراني أيضا .
قوله : " لا تكتحل " فيه دليل على تحريم الاكتحال على المرأة في أيام عدتها من موت زوجها سواء احتاجت إلى ذلك أم لا وجاء في حديث أم سلمة في الموطأ وغيره اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار . ولفظ أبي داود ( فتكتحلين بالليل وتغسلينه بالنهار " قال في الفتتح ووجه الجمع بينهما أنها إذا لم تحتج إليه لا يحل وإذا احتاجت لم يجز بالنهار ويجوز بالليل مع أن الأولى تركه فإذا فعلت مسحته بالنهار وتأول بعضهم حديث الباب على أنه لم يتحقق الخوف على عينها وتعقب بأن في حديث الباب المذكور فخشوا على عينها .
وفي رواية لابن منده وقد خشيت على بصرها .
وفي رواية لابن حزم إني أخشى أن تنفقئ عينها قال لا وإن انفقأت .
قال الحافظ وسنده صحيح ولهذا قال مالك في رواية عنه بمنعه مطلقا وعنه يجوز إذا خافت على عينها بما لا طيب فيه وبه قالت الشافعية مقيدا بالليل وأجابوا عن قصة المرأة باحتمال أنه كان يحصل لها البرء بغير الكحل كالتضميد بالصبر ومنهم من تأول النهي على كحل مخصوص وهو ما يقتضي التزين به لأن التداوي قد يحصل بما لا زينة فيه فلم ينحصر فيما فيه زينة وقالت طائفة من العلماء يجوز ذلك ولو كان فيه طيب وحملوا النهي على التنزيه جمعا بين الأدلة .
قوله : " في شر أحلاسها " المراد بالأحلاس الثياب وهي بمهملتين جمع حلس بكسر ثم سكون وهو الثوب أو الكساء الرقيق يكون تحت البرذعة .
قوله : " أو شر بيتها " هو أضعف موضع فيه كالأمكنة المظلمة فيه ونحوها والشك من الراوي .
قوله : " فمر كلب رمت ببعرة " البعرة بفتح الباء الموحدة وسكون العين المهملة ويجوز فتحها .
وفي رواية مطرف وابن ماجشون عن مالك " ترمي ببعرة من بعر الغنم أو الإبل " فترمى بها أمامها فيكون ذلك إحلالا لها . وظاهر رواية الباب أن رميها بالبعرة يتوقف على مرور الكلب سواء طال زمن انتظار مروره أم قصر وبه جزم بعض الشراح .
وقيل ترمى بها من عرض من كلب أو غيره ترى من حضرها أن مقامها حولا أهون عليها من بعرة ترمي بها كلبا أو غيره . واختلف في المراد برمي البعرة فقيل هو اشارة على أنها رمت العدة رمي البعرة .
وقيل اشارة إلى أن الفعل الذي فعلته من التربص والصبر على البلاء الذي كانت فيه كان بمنزلة البعرة التي رمتها استحقارا له وتعظيما لحق زوجها .
وقيل بل ترميها على سبيل التفاؤل لعدم عودها إلى مثل ذلك .
قوله : " حتى تمضي أربعة أشهر وعشر " قيل الحكمة في ذلك أنها تكمل خلقة الولد وينفخ فيه الروح بعد مضي مائة وعشرين يوما وهي زيادة على أربعة أشهر لنقصان الأهلة فجبر الكسر إلى العقد على طريق الاحتياط وذكر العشر مؤنثا لإرادة الليالي والمراد مع أيامها عند الجمهور فلا تحل حتى تدخل الليلة الحادية عشرة . وعن الأوزاعي وبعض السلف تنقضي بمضي الليالي العشر بعد الأشهر وتحل في أول اليوم العاشر واستثنيت الحامل كما تقدم شرح حالها ويعارض أحاديث الباب ما أخرجه أحمد وابن حبان وصححه من حديث أسماء بنت عميس قال دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اليوم الثالث من قتل جعفر بن أبي طالب فقال لا تحدي بعد يومك هذا وسيأتي .
قال العراقي في شرح الترمذي ظاهره أنه لا يجب الإحداد على المتوفى عنها بعد اليوم الثالث لأن أسماء بنت عميس كانت زوج جعفر بالاتفاق وهي والدة أولاده .
قال بل ظاهر النهي أن الإحداد لا يجوز وأجاب بأن هذا الحديث شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة وقد أجمعوا على خلافه . وأجاب الطحاوي بأنه منسوخ وأن الإحداد كان على المعتدة في بعض عدتها في وقت ثم وقع الأمر بالإحداد أربعة أشهر وعشرا واستدل على النسخ بأحاديث الباب وليس فيها ما يدل على ذلك وقيل المراد بالإحداد للقيد بالثلاث قدر زائد على الإحداد المعروف فعلته أسماء مبالغة في حزنها فنهاها عن ذلك بعد الثلاث ويحتمل أنها كانت حاملا فوضعت بعد ثلاث فانقضت عدتها و يحتمل أنه أبانها بالطلاق قبل استشهاده فلم يكن عليها إحداد و قد أعل البيهقي الحديث بالانقطاع فقال لم يثبت سماع عبد الله بن شداد من أسماء و تعقب بأنه قد صححه أحمد و قد ورد معنى حديث أسماء من حديث ابن عمر بلفظ " لا إحداد فوق ثلاث " قال أحمد هذا منكر و المعروف عن ابن عمر من رأيه ويحتمل أن يكون هذا لغير المرأة المعتدة فلا نكارة فيه بخلاف حديث أسماء : قوله " لا يحل " استدل بذلك علي غير الزوج وهو ظاهر وعلى وجوب الإحداد على المرأة التي مات زوجها وتعقب بأن الاستثناء وقع بعد النفي وهو يدل على مجرد الجواز لا الوجوب ورد بأن الوجوب استفيد من دليل آخر كالإجماع وتعقب بأن المنقول عن الحسن البصري أن الإحداد لا يجب كما أخرجه عنه ابن أبي شيبة وروي أيضا عن الشعبي أنه كان لا يعرف الإحداد وقيل إن السياق دال على الوجوب قوله " لامرأة " تمسك بمفهومه الحنفية فقالوا لا يجب الإحداد على الصغيرة وخالفهم الجمهور فأوجبوه عليها كالعدة وأجابوا عن التقييد بالمرأة بأنه خرج مخرج الغالب وظاهر الحديث عدم الفرق بين المدخولة وغيرها والحرة والأمة .
قوله : " تؤمن بالله واليوم الآخر " استدل به الحنفية وبعض المالكية على عدم وجوب الإحداد على الذمية وخالفهم الجمهور وأجابوا بأنه ذكر للمبالغة في الزجر فلا مفهوم له وقال النووي التقييد بوصف الإيمان لأن المتصف به هو الذي ينقاد للشرع ورجح ابن دقيق العيد الأول وقد أجاب ابن القيم في الهدى عن هذا التقييد بما فيه كفاية فراجعه .
قوله : " تحد " بضم أوله وكسر ثانيه من الرباعي ويجوز بفتح أوله وضم ثانيه من الثلاثي قال أهل اللغة أصل الإحداد المنع ومنه تسمية البواب حدادا لمنعه الداخل وتسمية حدا لأنها تردع عن المعصية قال ابن درستويه معنى الإحداد منع المعتدة نفسها الزينة وبدنها الطيب ومنع الخطاب خطبتها .
وحكى الخطابي أنه يروى بالجيم والحاء والحاء أشهر وهو بالجيم مأخوذ من جددت الشيء إذا قطعته فكأن المرأة انقطعت عن الزينة : قوله " على ميت " استدل به من قال إنه لا إحداد على امرأة المفقود لعدم تحقق وفاته خلافا للمالكية وظاهره أنه لا إحداد على المطلقة فأما الرجعية فإجماع وأما البائنة فلا إحداد عليها عند الجمهور وقال أبو حنيفة وأبو عبيد وأبو ثور وبعض المالكية والشافعية وحكاه أيضا في البحر عن أمير المؤمنين علي وزيد بن علي والمنصور بالله والثوري والحسن بن صالح أنه يلزمها الإحداد وألحق الاقتصار على مورد النص عملا بالبراءة الأصلية فيما عداه فمن ادعى وجوب الإحداد على غير المتوفى عنها فعليه الدليل وأما المطلقة قبل الدخول فقال في الفتح إنه لا إحداد عليها اتفاقا .
قوله : " فوق ثلاث " فيه دليل على جواز الإحداد على غير الزوج من قريب ونحوه ثلاث ليال فما دونها وتحريمه فيما زاد عليها وكأن هذا القدر أبيح لأجل حظ النفس ومراعاتها وغلبة الطباع البشرية وأما ما أخرجه أو داود في المراسيل من حديث عمر وابن شعيب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رحص للمرأة أن تحد على أبيها سبعة أيام وعلى من سواه ثلاثة أيام فلو صح لكان مخصصا للأب من هذا العموم لكنه مرسل وأيضا عمرو بن شعيب ليس من التابعين حتى يدخل حديثه في المرسل وقال الحافظ يحتمل أن أبا داود لا يخص المرسل برواية التابعين .
قوله : " والله ما لي بالطيب من حاجة " اشارة إلى أن آثار الحزن باقية عندها لكنها لم يسعها إلا امتثال الأمر .
قوله : " وقد اشتكت عينها " قال ابن دقيق العيد يجوز فيه وجهان ضم النون على الفاعلية على أن تكون العين هي المشتكية وفتحها على أن يكون في اشتكت ضمير الفاعل ويرجح الأول أنه وقع في مسلم عيناها وعليها اقتصر النووي .
قوله : " أفنكحلها " بضم الحاء .
قوله : " حفشا " بكسر الحاء المهملة وسكون الفاء بعدها معجمة فسره أبو داود في روايته من طريق مالك أنه البيت الصغير .
قوله : " فتقتض به " بفاء ثن مثناة من فوق ثم قاف ثم مثناة فوقية ثم ضاد معجمة فسره مالك بأنها تمسح بها جلدها وفي النهاية فرجها وأصل القض الكسر أي تكسر ما كانت فيه وتخرج منه بما فعلت بالدابة وفي رواية للنسائي تقبض بعد القاف باء موحدة ثم صاد مهملة والقبض الأخذ بأطراف الأنامل قال الأصبهاني وابن الأثير هو كناية عن الاسراع أي تذهب بسرعة إلى منزل أبويها لكثرة جفائها بقبح منظرها أو لشدة شوقها إلى الأزواج لبعد عهدها قال ابن قتيبة سألت الحجازيين عن الاقتضاض فذكروا أن المعتدة كانت لا تمس ماء ولا تقلم ظفرا ولا تزيل شعرا ثم تخرج بعد الحول بأقبح منظر ثم تقتض أي تكسر ما كانت فيه من العدة بطائر تمسح به قبلها فلا يكاد يعيش ما تقتض به .
قال الحافظ وهذا لا يخالف تفسير مالك لكنه أخص منه لأنه أطلق الجلد فتبين أن المراد به جلد القبل والافتضاض بالفاء الاغتسال بالماء العذب لازالة الوسخ حتى تصير بيضاء نقية كالفضة