- قوله " تبرق أسارير " الأسارير جمع سرر أو سرارة بفتح أولهما ويضمان وهما في الأصل خطوط الكف كما في القاموس أطلق على ما يظهر على وجهه من سره أمر من الإضاءة والبريق .
قوله : " أن مجززا " هو بضم الميم وفتح الجيم الزاي الأولى اسم فاعل من الجز لأنه جز نواصي قوم هكذا قيده جماعة من الأئمة وذكر الدارقطني وعبد الغني عن ابن جريج أنه محرز بالحاء المهملة بعدها راء ثم زاي على صيغة اسم الفاعل .
قال الخطابي في هذا الحديث دليل على ثبوت العمل بالقافة وصحة الحكم بقولهم في إلحاق الولد وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يظهر السرور إلا بما هو حق عنده وكان الناس قد ارتابوا في زيد بن حارثة وابنه أسامة وكان زيد أبيض وأسامة أسود كما وقع في الرواية المذكورة فتمارى الناس في ذلك وتكلموا بقول كان يسوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما سمع قول المدلجي فرح به وسرى عنه وقد أثبت الحكم بالقافة عمر بن الخطاب وابن عباس وعطاء والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وذهبت العترة والحنفية إلى أنه لا يعمل بقول القائف بل يحكم بالولد الذي ادعاه اثنان لهما .
واحتج لهم صاحب البحر بحديث الولد للفراش وقد تقدم . ووجه الاستدلال به أن تعريف المسند إليه واللام الداخلة على المسند للاختصاص يفيد أن الحصر ويجاب بأن حديث الباب بعد تسليم الحصر المدعى مخصص لعمومه فيثبت به النسب في مثل الأمة المشتركة إذا وطئها المالكون لها وروي عن الإمام يحيى أن حديث القافة منسوخ ويجاب بأن الأصل عدم النسخ ومجرد دعواه بلا برهان كما لا ينفع المدعي لا يضر خصمه .
وأما ما قيل من أن حديث مجزز لا حجة فيه لأنه إنما يعرف القائف بزعمه أن هذا الشخص من ماء ذاك لا أنه طريق شرعي فلا يعرف إلا بالشرع فيجاب بأن في استبشاره صلى الله عليه وآله وسلم من التقرير ما لا يخالف فيه مخالف ولو كان مثل ذلك لا يجوز في الشرع لقال له إن ذلك لا يجوز ( لا يقال ) إن أسامة قد ثبت فراش أبيه شرعاوإنما لما وقعت القافة بسبب اختلاف اللون وكان قول المدلجي المذكور دافعا لها لاعتقادهم فيه الإصابة وصدق المعرفة استبشر صلى الله عليه وآله وسلمبذلك فلا يصح التعلق بمثل هذا التقرير على إثبات أصل النسب لأنا نقول لو كانت القافة لا يجوز العمل بها إلا في مثل هذه المنفعة مع مثل أولئك الذين قالوا مقالة السوء لما قرره صلى الله عليه وآله وسلم على قوله " هذه الأقدام بعضها من بعض " وهو في قوله هذا ابن هذا فإن ظاهره أنه تقرير للالحاق بالقافة مطلقا لا إلزام للخصم بما يعتقده . ولاسيما والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينقل عنه انكار كونها طريقا يثبت بها النسب حتى يكون تقريره لذلك من باب التقرير على مضي كافر إلى كنيسة ونحوه مما عرف منه صلى الله عليه وآله وسلم انكاره قبل السكوت عنه ومن الأدلة المقوية للعمل بالقافة حديث الملاعنة المتقدم حيث أخبر صلى الله عليه وآله وسلم بأنها إن جاءت به على كذا فهو لفلان وإن جاءت به على كذا فهو لفلان فإن ذلك يدل على اعتبار المشابهة لا يقال لو كان ذلك معتبرا لما لاعن بعد أن جاءت بالولد مشابها لأحد الرجال وتبين له صلى الله عليه وآله وسلم ذلك حتى قال لولا الأيمان لكان لي ولها شأن لأنا نقول أن النسب كان ثابتا بالفراش وهو أقوى ما يثبت به فلا تعارضه القافة لأنها إنما تعتبر مع الاحتمال فقط ولاسيما بعد وجود الأيمان التي شرعها الله تعالى بين المتلاعنين ولم يشرع في اللعان غيرها ولهذا جعلها صلى الله عليه وآله وسلم مانعة من العمل بالقافة وفي ذلك اشعار بأنه يعمل بقول القائف مع عدمها .
ومن المؤيدات للعمل بالقافة ما تقدم من جوابه صلى الله عليه وآله وسلم على أم سليم حيث قالت أو تحتلم المرأة فقال " فيم يكون الشبه " وقال " إن ماء الرجل إذا سبق ماء المرأة كان الشبه له " الحديث المتقدم لا يقال أن بيان سبب الشبه لا يدل على اعتباره في الالحاق لأنا نقول أن إخباره صلى الله عليه وآله وسلم بذلك يستلزم له مناط شرعي وإلا لما كان للأخبار فائدة يعتد بها وأما عدم تمكينه صلى الله عليه وآله وسلم لمن ذكر له أن ولده أسود من اللعان كما تقدم فلمخالفته لما يقتضيه الفراش الذي لا يعارضه العمل بالشبه إذا تقرر هذا فاعلم أنه لا معارضة بين حديث العمل بالقافة وحديث العمل بالقرعة الذي تقدم لأن كل واحد منهما دل على أن ما اشتمل عليه طريق شرعي فإيهما حصل وقع به الالحاق فإن حصلا معا فمع الاتفاق لا إشكال ومع الاختلاف الظاهر أن الاعتبار بالأول منهما لأنه طريق شرعي يثبت به الحكم ولا ينقضه طريق آخر يحصل بعده . قوله " دخل قائف " قال في القاموس والقائف من يعرف الآثار الجمع قافة وقاف أثره تبعه كقفاه واقتفاه انتهى