- حديث حذيفة أخرجه أيضا النسائي وابن أبي شيبة والطبراني والبيهقي وقد ساقه الحازمي في الاعتبار بإسناده وذكر فيه قصة وهي " إن رجلا من المسلمين رأى في النوم أنه لقي رجلا من أهل الكتاب فقال نعم القوم أنتم لولا أنكم تشركون قال تقولون ما شاء الله وشاء محمد فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لهم والله إن كنت لأعرفها لكم قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد " وأخرج أيضا بإسناده إلى الطفيل بن سخيرة أخي عائشة لأمها " أنه قال رأيت فيما يرى النائم كأني أتيت على رهط من اليهود فقلت من أنتم فقالوا نحن اليهود فقلت إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون عزير بن الله قالوا وأنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد ثم أتيت على رهط من النصارى فقلت من أنتم فقالوا نحن النصارى فقلت إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون المسيح بن الله فقالوا وأنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد فلما أصبح أخبر بها من أخبر ثم أخبر بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال هل أخبرت بها أحدا قال نعم فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإن طفيلا رأى رؤيا فأخبر بها من أخبر منكم وأنكم لتقولون الكلمة يمنعني الحياء منكم أن أنهاكم عنها فلا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد " وأخرج أيضا بإسناده المتصل بابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا حلف أحدكم فلا يقول ما شاء الله وشئت ولكن ليقل ما شاء الله ثم شئت " وأخرج أيضا بإسناده إلى عائشة أنها قالت " قالت اليهود نعم القوم قوم محمد لولا أنهم يقولون ما شاء الله وشاء محمد فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد ولكن قولوا ما شاء الله وحده " قوله " إن ابنة الجون " قيل هي الكلابية واختلف في اسمها فقال ابن سعد اسمها فاطمة بنت الضحاك بن سفيان وروى عن الكلبي أنها عالية بنت ظبيان بن عمرو وحكى ابن سعد أيضا إلى أنها واحدة اختلف في اسمها .
قال الحافظ والصحيح أن التي استعاذت منه هي الجونية واسمها أميمة بنت النعمان بن شراحيل وذكر ابن سعد أنها لم تستعذ منه امرأة غيرها .
قال ابن عبد البر أجمعوا على أن التي تزوجها هي الجونية واختلفوا في سبب فراقه لها فقال قتادة لما دخل عليها دعاها فقالت تعال أنت فطلقها وقيل كان بها وضح وزعم بعضهم إنها قالت أعوذ بالله منك فقال قد عذت بمعاذ وقد أعاذك الله مني فطلقها قال وهذا باطل إنما قال له هذا امرأة من بني العنبر وكانت جميلة فخاف نساؤه أن تغلبهن عليه فقلن لها إنه يعجبه أن يقال له نعوذ بالله منك ففعلت فطلقها قال الحافظ وما أدري لم حكم ببطلان ذلك مع كثرة الروايات الواردة فيه وثبوته في حديث عائشة في صحيح البخاري .
قوله " الحقي بأهلك " بكسر الهمزة من الحقي وفتح الحاء وفيه دليل على أن من قال لامرأته الحقي بأهلك وأراد الطلاق طلقت فإن لم يرد الطلاق لم تطلق كما وقع في حديث تخلف كعب المذكور فيكون هذا اللفظ من كنايات الطلاق لأن الصريح لا يفتقر إلى النية على ما ذهب إليه الشافعية والحنفية وأكثر العترة . وذهب الباقر والصادق والناصر ومالك إلى أنه يفتقر إلى نية . وحديث ابن عمر في إخباره صلى الله عليه وآله وسلم بعدد الشهر قد تقدم في باب ما جاء في يوم الغيم والشك من كتاب الصيام وتقدم شرحه هنالك . وإنما أورده المصنف ههنا للاستدلال به على صحة العدد بالإشارة بالأصابع واعتباره من دون تلفظ باللسان . فإذا قال الرجل لزوجته أنت طالق هكذا وأشار بثلاث من أصابعه كان ذلك ثلاثا عند من يقول إن الطلاق يتبع الطلاق .
وأورد حديث حذيفة وحديث قتيلة للاستدلال بهما على أن من قال لزوجته التي لم يدخل بها أنت طالق وطالق كان كالطلقة الواحدة لأن المحل لا يقبل غيرها فتكون الثانية لغوا بخلاف ما لو قال أنت طالق ثم طالق وقعت عليها الطلقة الأولى في الحال ووقعت عليها الثانية بعد أن تصير قابلة لها وذلك لأن الواو لمطلق الجمع فكأنه إذا جاء بها موقع لمجموع الطلاقين عليها في حالة واحدة بخلاف ثم فإنها للترتيب مع تراخ فيصير الزوج في حكم الموقع لطلاق بعده طلاق متراخ عنه . ولهذا قال الشافعي في سبب نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن قول الرجل ما شاء الله وشئت وأذنه له بأن يقول ما شاء الله ثم شاء فلان أن المشيئة إرادة الله تعالى قال الله D { وما تشاؤون إلا أن يشاء الله } قال فأعلم الله خلقه أن المشيئة له دون خلقه وأن مشيئتهم لا تكون إلا أن يشاء الله فيقال لرسوله ما شاء الله ثم شئت ولا يقال ما شاء الله وشئت انتهى . ولكنه يعارض هذا الاستنباط حديث عدي بن حاتم الذي ذكره المصنف في الرجل الذي خطب بحضرته صلى الله عليه وآله وسلم فإنه أنكر عليه الجمع بين الضميرين وأرشده إلى أن يقول ومن يعص الله ورسوله فدل على أن توسيط الواو بين الله ورسوله له حكم غير حكم قوله ومن يعصهما ولو كانت الواو لمطلق الجمع لم يكن بين العبارتين فرق .
وقد قدمنا الكلام على علة هذا النهي عند الكلام على حديث ابن مسعود في باب اشتمال الخطبة على حمد الله من أبواب الجمعة هذا ما ظهر في بيان وجه استدلال المصنف بحديثي المشيئة وحديث الخطبة ويمكن أن يكون مراد المصنف بإيراد الأحاديث المذكورة مجرد التنظير لا الاستدلال وقد قدمنا أن الطلاق المتعدد سواء كان بلفظ واحد أو ألفاظ من غير فرق بين أن يكون العطف بثم أو بالواو أو بغيرهما يكون طلقة واحدة سواء كانت الزوجة مدخولة أو غير مدخولة وأورد حديث أبي هريرة للاستدلال به على أن من طلق زوجته بقلبه ولم يلفظ بلسانه لم يكن لذلك حكم الطلاق لأن خطرات القلب مغفورة للعباد إذا كانت فيما فيه ذنب فكذلك لا يلزم حكمها في الأمور المباحة فلا يكون حكم خطور الطلاق بالقلب أو إرادته حكم التلفظ به وهكذا سائر الانشاآت قال الترمذي بعد إخراج هذا الحديث ما لفظه : والعمل على هذا عند أهل العلم أن الرجل إذا حدث نفسه بالطلاق لم يكن شيء حتى يتكلم به انتهى . وحكى في البحر عن عكرمة أنه يقع بمجرد النية