- حديث حماد بن زيد أخرجه أيضا النسائي . وحكى الترمذي عن البخاري أنه قال إنما هو عن أبي هريرة موقوفا ولم يعرف حديث أبي هريرة مرفوعا .
وقال النسائي هذا حديث منكر وأما إنكار الشيخ أنه حدث بذلك فإن كان على طريقة الجزم كما وقع في رواية أبي داود بلفظ قال أيوب فقدم علينا كثير فسألته فقال ما حدثت بهذا قط فذكرته لقتادة فقال بلى ولكنه نسي انتهى . فلا شك أنه علة قادحة وإن لم تكن على طريقة الجزم بل عدم معرفة ذلك الحديث وعدم ذكر الجملة والتفصيل بدون تصريح بالإنكار كما في الرواية المذكورة في الباب فليس ذلك مما يعد قادحا في الحديث وقد بين هذا في علم اصطلاح الحديث وقد استدل بهذا الحديث على أن من قال لامرأته أمرك بيدك كان ذلك ثلاثا وقد اختلف في قول الرجل لزوجته أمرك بيدك وأمرك إليك هل هو تصريح تمليك للطلاق أو كناية فحكى في البحر عن الحنفية والشافعية ومالك أنه صريح فلا يقبل قول الزوج بعد ذلك أنه أراد التوكيل وذهب المؤيد بالله والهادوية إلى أنه كناية تمليك فيقبل قول الزوج أنه أراد التوكيل .
قوله : " قال الخلية " الخ هذه الألفاظ من ألفاظ الطلاق الصريح وأما كونها بمنزلة إيقاع ثلاث تطليقات فقد تقدم في لفظ البتة ما يدل على أنه بمنزلة الطلاق الثلاث إلا أن يحلف الزوج أنه ما أراد به إلا واحدة فيمكن أن يكون علي Bه ألحق به بقية الألفاظ المذكورة وأما لفظ الحرام فسيأتي الكلام عليه في باب من حرم زوجته أو أمته من كتاب الظهار قوله " فطلقوهن في قبل عدتهن " هذا الأثر إسناده صحيح كما قال صاحب الفتح وأخرج له أبو داود متابعات عن ابن عباس وذكر نحو الآثار التي عزاها المصنف إلى الدارقطني وقد أخرج عبد الرزاق عن عمر أنه رفع إليه رجل طلق امرأته ألفا فقال له عمر أطلقت امرأتك قال لا إنما كنت ألعب فعلاه عمر بالدرة وقال إنما يكفيك من ذلك ثلاث .
وروى وكيع عن علي Bه وعثمان نحو ذلك وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن ابن مسعود أنه قيل له إن رجلا طلق امرأته البارحة مائة قال قلتها مرة واحدة قال نعم قال تريدان تبيين منك امرأتك قال نعم قال هو كما قلت وأتاه آخر فقال رجل طلق امرأته عدد النجوم قال قلتها مرة واحدة قال نعم قال تريدان تبيين منك امرأتك قال نعم قال هو كما قلت والله لا تلبسون على أنفسكم وتتحمله عنكم .
قوله : " أناة " في الصحاح أنه على وزن قناة وفي القاموس والأناة كقناة الحلم والوقار .
قوله : " من هناتك " جمع هن كأخ وهو الشيء يقول هذا هنك أي شيئك هذا معنى ما في القاموس فكأن أبا الصهباء قال لابن عباس هات من الأشياء العلمية التي عندك .
قوله : " تتابع الناس " بتاءين فوقيتين بعد الألف مثناة تحتية بعدها عين مهملة وهو الوقوع في الشر من غير تماسك ولا توقف واعلم أنه قد وقع الخلاف في الطلاق الثلاث إذا أوقعت في وقت واحد هل يقع جميعها ويتبع الطلاق الطلاق أم لا فذهب جمهور التابعين وكثير من الصحابة وأئمة المذاهب الأربعة وطائفة من أهل البيت منهم أمير المؤمنين علي Bه والناصر والإمام يحيى حكى ذلك عنهم في البحر وحكاه أيضا عن بعض الامامية إلى أن الطلاق يتبع الطلاق وذهبت طائفة من أهل العلم إلى أن الطلاق لا يتبع الطلاق بل يقع واحدة فقط .
وقد حكى ذلك صاحب البحر عن أبي موسى ورواية عن علي عليه السلام وابن عباس وطاوس وعطاء وجابر بن زيد والهادي والقاسم والباقر والناصر وأحمد بن عيسى وعبد الله بن موسى بن عبد الله ورواية عن زيد بن علي وإليه ذهب جماعة من المتأخرين منهم ابن تيمية وابن القيم وجماعة من المحققين وقد نقله ابن مغيث في كتاب الوثائق عن محمد بن وضاح ونقل الفتوى بذلك عن جماعة من مشايخ قرطبة كمحمد بن بقي ومحمد بن عبد السلام وغيرهما ونقله ابن المنذري عن أصحاب ابن عباس كعطاء وطاوس وعمرو بن دينار وحكاه ابن مغيث أيضا في ذلك الكتاب عن علي Bه وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف والزبير وذهب بعض الامامية إلى أنه لا يقع بالطلاق المتتابع شيء لا واحدة ولا أكثر منها وقد حكى ذلك عن بعض التابعين .
وروى عن ابن عليه وهشام ابن الحكم وبه قال أبو عبيدة وبعض أهل الظاهر وسائر من يقول أن الطلاق البدعي لا يقع لأن الثلاث بلفظ واحد أو ألفاظ متتابعة منه وعدم وقوع البدعي هو أيضا مذهب الباقر والصادق والناصر وذهب جماعة من أصحاب ابن عباس وإسحاق بن راهويه أن المطلقة إن كانت مدخولة وقعت الثلاث وإن لم تكن مدخولة فواحدة ( استدل القائلون ) بأن الطلاق يتبع الطلاق بأدلة منها قوله تعالى { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } وظاهرها جواز إرسال الثلاث أو الثنتين دفعة أو مفرقة ووقوعها قال الكرماني إن قوله { الطلاق مرتان } يدل على جواز جمع الثنتين وإذا جاز جمع الثنتين دفعة جاز جمع الثلاث وتعقبه الحافظ بأنه قياس مع الفارق لأن جمع الثنتين لا يستلزم البينونة الكبرى بخلاف الثلاث .
وقال الكرماني إن التسريح بإحسان عام يتناول إيقاع الثلاث دفعة وتعقب بأن التسريح في الآية إنما هو بعد إيقاع الثنتين فلا يتناول إيقاع الثلاث دفعة .
وقد قيل إن هذه الآية من أدلة عدم التتابع لأن ظاهرها أن الطلاق المشروع لا يكون بالثلاث دفعة بل على الترتيب المذكور وهذا أظهر واستدلوا أيضا بظواهر سائر الآيات القرآنية نحو قوله تعالى { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } وقوله تعالى { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } وقوله تعالى { ولا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن } وقوله تعالى { وللمطلقات متاع بالمعروف } .
ولم يفرق في هذه الآيات بين إيقاع الواحدة والثنتين والثلاث وأجيب بأن هذه عمومات مخصصة وإطلاقات مقيدة بما ثبت من الأدلة الدالة على المنع من وقوع فوق الواحدة واستدلوا أيضا بحديث سهل بن سعد المتقدم في قضية عويمر العجلاني وقد قدمنا الجواب عن ذلك واستدلوا أيضا بالحديث المذكور بعده فيما تقدم من رواية الحسن وقد تقدم أيضا الجواب عنه واستدلوا أيضا بما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن يحيى بن العلاء عن عبد الله بن الوليد الوصافي عن إبراهيم بن عبد الله بن عبادة بن الصامت قال " طلق جدي امرأة له ألف تطليقة فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر له ذلك فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما اتقى الله جدك أما ثلاث فله وأما تسعمائة وسبع وتسعون فعدوان وظلم إن شاء عذبه وإن شاء غفر له " وفي رواية " إن أباك لم يتق الله ليجعل له مخرجا بانت منه بثلاث على غير السنة وتسعمائة وسبع وتسعون إثم في عنقه " وأجيب بأن يحيى بن العلاء ضعيف وعبيد الله بن الوليد هالك وإبراهيم بن عبيد الله مجهول فأي حجة في رواية ضعيف عن هالك عن مجهول ثم والد عبادة بن الصامت لم يدرك الإسلام فكيف بجده واستدلوا أيضا بما في حديث ركانة السابق أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استحلفه أنه ما أراد إلا واحدة وذلك يدل على أنه لو أراد الثلاث لوقعت ويجاب بأن أثبت ما روي في قصة ركانة أنه طلقها البتة لا ثلاثا وأيضا قد تقدم في رواية أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لها أرجعها بعد أن قال له أنه طلقها ثلاثا . وأيضا قد تقدم فيه من المقال ما لا ينتهض معه للاستدلال .
( واستدل القائلون ) بأنه لا يقع من المتعدد إلا واحدة بما وقع في حديث ابن عباس عن ركانة " أنه طلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا فسأله النبي صلى الله عليه وآله وسلم كيف طلقتها فقال ثلاثا في مجلس واحد فقال له صلى الله عليه وآله وسلم إنما تلك واحدة فارتجعها " أخرجه أحمد وأبو يعلى وصححه وأجيب عن ذلك بأجوبة منها أن في إسناده محمد بن إسحاق ورد بأنهم قد احتجوا في غير واحد من الأحكام بمثل هذا الإسناد ومنها معارضته لفتوى ابن عباس المذكورة في الباب ورد بأن المعتبر روايته لا رأيه ومنها أن أبا داود رجح أن ركانة إنما طلق امرأته البتة كما تقدم ويمكن أن يكون من روى ثلاثا حمل البتة على معنى الثلاث وفيه مخالفة للظاهر والحديث نص في محل النزاع ( واستدلوا ) أيضا بحديث ابن عباس المذكور في الباب أن الطلاق كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى آخره وقد أجيب عنه بأجوبة منها ما نقله المصنف C في هذا الكتاب بعد إخراجه له ولفظه وقد اختلف الناس في تأويل هذا الحديث فذهب بعض التابعين إلى ظاهره في حق من لم يدخل بها كما دلت عليه رواية أبي داود وتأوله بعضهم على صورة تكرير لفظ الطلاق بأن يقول أنت طالق أنت طالق أنت طالق فإنه يلزمه واحدة إذا قصد التوكيد وثلاث إذا قصد تكرير الإيقاع فكان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر على صدقهم وسلامتهم وقصدهم في الغائب الفضيلة والاختيار ولم يظهر فيهم خب ولا خداع وكانوا يصدقون في إرادة التوكيد فلما رأى عمر في زمانه أمور ظهرت وأحوالا تغيرت وفشا إيقاع الثلاث جملة بلفظ لا يحتمل التأويل ألزمهم الثلاث في صورة التكرير إذ صار الغالب عليهم قصدها وقد أشار إليه بقوله أن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة .
وقال أحمد بن حنبل كل أصحاب ابن عباس رووا عنه خلاف ما قال طاوس سعيد بن جبير ومجاهد ونافع عن ابن عباس بخلافه وقال أبو داود في سننه صار قول ابن عباس فيما حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن محمد بن اياس أن ابن عباس وأبا هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص سئلوا عن البكر يطلقها زوجها ثلاثا فكلهم قال لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره انتهى كلام المصنف . وقوله وتأوله بعضهم على صورة تكرير لفظ الطلاق الخ هذا البعض الذي أشار إليه هو ابن سريج وقد ارتضى هذا الجواب القرطبي وقال النووي أنه أصح الأجوبة ولا يخفى أن من جاء بلفظ يحتمل التأكيد وادعى أنه نواه يصدق في دعواه ولو في آخر الدهر فكيف بزمن خير القرون ومن يليهم وإن جاء بلفظ لا يحتمل التأكيد لم يصدق إذا ادعى التأكيد من غير فرق بين عصر وعصر ويجاب عن كلام أحمد المذكور بأن المخالفين لطاوس من أصحاب ابن عباس إنما نقلوا عن ابن عباس رأيه وطاوس نقل عنه روايته فلا مخالفة وأما ما قاله ابن المنذر من أنه لا يظن بابن عباس أن يحفظ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيئا ويفتي بخلافه فيجاب عنه بأن الاحتمالات المسوغة لترك الرواية والعدول إلى الرأي كثيرة منها النسيان ومنها قيام دليل عند الراوي لم يبلغنا ونحن متعبدون بما بلغنا دون ما لم يبلغ . وبمثل هذا يجاب عن كلام أبي داود المذكور