- حديث أبي سعيد الثاني أخرجه أيضا الترمذي والنسائي . قال الحافظ ورجاله ثقات وقال في مجمع الزوائد البزار وفيه موسى بن وردان وهو ثقة وقد ضعف وبقية رجاله ثقات . وأخرج نحوه النسائي من حديث جابر وأبي هريرة وجزم الطحاوي بكونه منسوخا وعكسه ابن حزم . وحديث عمر بن الخطاب في إسناده ابن لهيعة وفيه مقال معروف ويشهد له ما أخرجه عبد الرزاق والبيهقي عن ابن عباس قال " نهى عن عزل الحرة إلا بأذنها " وروى عنه ابن أبي شيبة أنه كان يعزل عن أمته وروى البيهقي عن ابن عمر مثله ( ومن أحاديث ) هذا الباب عن أنس عند أحمد والبزار وابن حبان وصححه " أن رجلا عن العزل فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقته على صخرة لاخرج الله منها ولد " وله شاهدان في الكبير للطبراني عن ابن عباس وفي الأوسط له عن ابن مسعود : قوله " كنا نعزل " العزل النزع بعد الأيلاج لينزل خارج الفرج : قوله " والقرآن ينزل " فيه جواز الاستدلال بالتقرير من الله ورسوله على حكم من الأحكام لأنه لو كان ذلك الشيء حراما لم يقررا عليه ولكن بشرط أن يعلمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وقد ذهب الأكثر من أهل الأصول على ما حكاه في الفتح إلى أن الصحابي إذا أضاف الحكم إلى زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان له حكم الرفع قال لان الظاهر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اطلع على ذلك واقره لتوفر دواعيهم على سؤالهم اياه عن الأحكام قال وقد وردت عدة طرق تصرح باطلاعه على ذلك وأخرج مسلم من حديث جابر قال " كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم ينهنا " ووقع في حديث الباب المذكور الأذن له بالعزل فقال اعزل عنها ان شئت " قوله " ما عليكم ان لا تفعلوا " وقع في رواية في البخاري وغيره " لا عليكم ان لا تفعلوا " قال ابن سيرين هذا أقرب إلى النهي وحكى ابن عون عن الحسن أنه قال والله لكان هذا زجرا قال القرطبي كأن هؤلاء فهموا من لا النهي عما سألواعنه فكأنه قال لا تعزلوا وعليكم ان لا تفعلوا ويكون قوله وعليكم إلى آخره تأكيدا للنهي وتعقب بأن الأصل عدم هذا التقدير وإنما معناه ليس عليكم أن تتركوا وهو الذي يساوي ان لا تفعلوا وقال غيره معنى لا عليكم ان لا تفعلوا أي لا حرج عليكم ان لا تفعلوا ففيه نفي الحرج عن عدم الفعل فأفهم ثبوت الحرج في فعل العزل ولو كان المراد نفي الحرج عن الفعل لقال لا عليكم أن تفعلوا الا أنيدعى ان لازائدة فيقال الأصل عدم ذلك ( وقد اختلف ) السلف في حكم العزل فحكى في الفتح عن ابن عبد البر انه قال لا خلاف بين العلماء أنه لا يعزل عن الزوجة الحرة الا بأذنها لأن الجماع من حقها ولها المطالبة به وليس الجماع المعروف إلا ما لا يلحقه عزل . قال الحافظ ووافقه في نقل هذا الإجماع ابن هبيرة قال وتعقب بأن المعروف عند الشافعية أنه لاحق للمرأة في الجماع وهو أيضا مذهب الهادوية فيجوز عندهم العزل عن الحرة بغير أذنها على مقتضى قولهم أنه لا حق لها في الوطء ولكنه وقع التصريح في كتب الهادوية بأنه لا يجوز العزل عن الحرة الا برضاها ويدل على اعتبار الأذن من الحرة حديث عمر المذكور ولكن فيه ما سلف وأما الأمة فإن كانت زوجة فحكمها حكم الحرة واختلفوا هل يعتبر الأذن منها أو من سيدها وإن كانت سرية فقال في الفتح يجوز بلا خلاف عندهم الا في وجه حكاه الروياني في المنع مطلقا كمذهب ابن حزم وإن كانت السرية مستولدة فالراجح الجواز فيها مطلقا لأنها ليست راسخة في الفراش وقيل حكمها حكم الأمة المزوجة .
قوله " كذبت يهود " فيه دليل على جواز العزل ومثله ما أخرجه الترمذي وصححه عن جابر قال " كانت لنا جوار وكنا نعزل فقالت اليهود ان تلك الموؤدة الصغرى فسئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك فقال كذبت اليهود لو أراد الله خلقه لم يستطع رده " وأخرج نحوه النسائي من حديث أبي هريرة ولكنه يعارض ذلك ما في حديث جذامة المذكور من تصريحه صلى الله عليه وآله وسلم بأن الوأد الخفي فمن العلماء من جمع بين هذا الحديث وما قبله فحمل هذا على التنزيه وهذه طريقة البيهقي ومنهم من ضعف حديث جزامة هذا لمعارضته لما هو أكثر منه طرقا قال الحافظ وهذا دفع للأحاديث الصحيحة بالتوهم والحديث صحيح لا ريب فيه والجمع ممكن ومنهم من أدعى أنه منسوخ ورد بعدم معرفة التاريخ وقال الطحاوي يحتمل أن يكون حديث جذامة على وفق ما كان عليه الأمر أولا من موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه ثم أعلمه الله بالحكم فكذب اليهود فيم كانوا يقولونه وتعقبه ابن رشد وابن العربي بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يحرم شيئا تبعا لليهود ثم يصرح بتكذيبهم فيه ومنهم من رجح جذامة بثبوته في الصحيح وضعف مقابله بالأختلاف في إسناده والاضطراب قال الحافظ ورد بأنه إنما يقدح في حديث لا فيما يقوي بعضه بعضا فإنه يعمل به وهو هنا كذلك والجمع ممكن ورجح ابن حزم العمل بحديث جذامة بأن أحاديث غيرها موافقة لأصل الإباحة وحديثها يدل على المنع قال فمن ادعى انه ابيح بعد أن منع فعليه البيان وتعقب من حديثها ليس بصريح في المنع إذ لا يلزم من تسميته وأدا خفيا على طريق التشبيه أن يكون حراما وجمع ابن القيم فقال الذي كذب فيه صلى الله عليه وآله وسلم اليهود هو زعمهم ان العزل لا يتصور معه الحمل أصلا وجعلوه بمنزلة قطع النسل بالوأد فاكذبهم وأخبر أنه لا يمنع الحمل إذا شاء الله خلقه وإذا لم يرد خلقه لم يكن وأدا حقيقة وإنما سماه وأدا خفيا في حديث جذامة لأن الرجل إنما يعزل هربا من الحمل فأجرى قصده لذلك مجرى الوأد لكن الفرق بينهما ان الوأد ظاهر بالمباشرة اجتمع فيه القصد والفعل والعزل يتعلق فقط فلذلك وصفه بكونه خفيا وهذا الجمع قوي وقد ضعف أيضا حديث جذامة أعني الزيادة التي في آخره بأنه تفرد بها سعيد بن أبي أيوب عن أبي الأسود ورواه مالك ويحيى بن أيوب عن أبي الأسود فلم يذكرها وبمعارضتها لجميع أحاديث الباب وقد حذف هذه الزيادة أهل السنن الأربع وقد احتج بحديث جذامة هذا من قال بالمنع من العزل كابن حبان : قوله " اشفق علي ولدها " هذا أحد الأمور التي تحمل على العزل ومنها الفرار من كثرة العيال والفرار من حصولهم من الأصل ومنها خشية علوق الزوجة الأمة لئلا يصير الولد رقيقا وكل ذلك لا يغني شيئا لاحتمال أن يقع الحمل بغير الأختيار : قوله " ان انهي عن الغيلة " بكسر الغين المعجمة بعدها تحتية ساكنة ويقال لها الغيل بفتح الغين والياء والغيال بكسر الغين المعجمة والمراد بها أن يجامع امرأته وهي مرضع . وقال ابن السكيت هي أن ترضع المرأة وهي حامل وذلك لما يحصل على الرضيع من الضرر بالحبل حال إرضاعه فكان ذلك سبب همه صلى الله عليه وآله وسلم بالنهي ولكنه لما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الغيلة لا تضر فارس والروم ترك النهي عنها