- حديث أبي موسى فيه دليل على مشروعية تعليم الإماء وإحسان تأديبهن ثم اعتاقهن والتزوج بهن وأن ذلك مما يستحق به فاعله أجرين كما أن من آمن من أهل الكتاب يستحق أجرين بإيمانه بالنبي الذي كان على دينه وأجرا بإيمانه بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك المملوك الذي يؤدي حق الله وحق مواليه يستحق أجرين وليس في هذا الحديث ما يدل على أنه يصح أن يجعل العتق صداق المعتقة ولكن الذي يدل على ذلك حديث أنس المذكور لقوله فيه " ما أصدقها قال نفسها " وكذلك سائر الألفاظ المذكورة في بقية الروايات . وقد أخذ بظاهر ذلك من القدماء سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وطاوس والزهري ومن فقهاء الأمصار الثوري وأبو يوسف وأحمد وإسحاق . وحكاه في البحر عن العترة والأوزاعي والشافعي والحسن بن صالح فقالوا إذا أعتق أمته على أن يجعل عتقها صداقها صح العقد والعتق والمهر . وذهب من عدا هؤلاء إلى أنهم لا يصح أن يكون العتق مهرا لم يحك هذا القول في البحر إلا عن مالك وابن شبرمة . وحكى في موضع آخر عن أبي حنيفة ومحمد أنها تستحق مهر النمثل لأنها قد صارت حرة فلا يستباح وطؤها إلا بالمهر . وحكى بعضهم عدم صحة جعل العتق مهرا عن الجمهور وأجابوا عن ظاهر الحديث بأجوبة ذكرها في الفتح الباري . منها أنه أعتقها بشرط أن يتزوجها فوجب له عليها قيمتها وكانت معلومة فتزوجها ولكنه لا يخفى أن ظاهر الروايات أنه جعل المهر نفس العتق لا قيمة المعتقة . ومنها أنه جعل نفس العتق مهرا ولكنه من خصائصه ويجاب عنه بأن دعوى الاختصاص تفتقر إلى دليل . ومنها أن معنى قوله أعتقها وتزوجها أنه أعتقها ثم تزوجها ولم يعلم أنه ساق لها صداقا فقال أصدقها نفسها أي لم يصدقها شيئا فيما أعلم ولم ينف الصداق ويجاب بأنه يبعد أن يأتي الصحابي الجليل بمثل هذه العبارة في مقام التبليغ ويكون مريدا لما ذكرتم فإن هذا لو صح لكان من باب الألغاز والتعمية وقد أيدوا هذا التأويل البعيد بما أخرجه البيهقي من حديث أميمة بنت زريبة عن أمها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعتق صفية وخطبها وتزوجها وأمهرها رزينة وكان أتى بها سبية من بني قريظة والنظير . قال الحافظ وهذا لا يقوم به حجة لضعف اسناده ويعارضه ما أخرجه الطبراني وأبو الشيخ من حديث صفية نفسها قالت " أعتقني النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجعل عتقي صداقي " قال الحافظ وهذا موافق لحديث أنس وفيه رد على من قال أن أنسا قال ذلك بناء على ما ظنه . ومنها أنه يحتمل أن يكون أعتقها بشرط أن ينكحها بغير مهر فلزمها الوفاء بذلك ويكون خاصا به صلى الله عليه وآله وسلم ولا يخفى أن هذا تعسف لا مجئ إليه . ومنها ما قاله ابن صلاح من أن العتق حل محل المهر وليس بمهر قال وهذا كقولهم " الجوع زاد من لا زاد له " وجعل هذا أقرب الوجوه إلى لفظ الحديث وتبعه النووي والحامل لمن خالف الحديث على هذه التآويل ظن مخالفته للقياس قالوا لأن العقد إما أن يقع قبل عتقها وهو محال لتناقض حكم الحرية والرق أو بعده وذلك غير لازم لها وأجيب بأن العقد يكون بعد العتق فإذا وقع منها الامتناع لزمتها السعاية بقيمتها ولا محذور في ذلك بالجملة فالدليل قد ورد بهذا ومجرد الاستبعاد لا يصلح لابطال ما صح من الأدلة والأقيسة مطرحة في مقابلة النصوص الصحيحة فليس بيد المانع برهان . ويؤيد الجواز ما أخرجه الطحاوي عن ابن عمران أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل عتق جويرية بنت الحرث المصطلقية صداقها وأخرج نحوه أبو داود من طريق عائشة وقد نسب القول بالجواز ابن القيم في الهدى إلى علي بن أبي طالب وأنس بن مالك والحسن البصري وأبي سلمة قال وهو صحيح والموافق للسنة وأقوال الصحابة والقياس وأطال البحث في المقام بما لا يزيد عليه فليرجع