- الحديث أخرجه أيضا مالك والشافعي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن الجارود قال أبو داود : قلت لأحمد حديث بسرة ليس بصحيح قال : بل هو صحيح وصححه الدارقطني ويحيى بن معين حكاه ابن عبد البر وأبو حامد ابن الشرقي تلميذ مسلم والبيهقي والحازمي . قال البيهقي : هذا الحديث وإن لم يخرجه الشيخان لاختلاف وقع في سماع عروة منها أو من مروان فقد احتجا بجميع رواته .
وقال الإسماعيلي : يلزم البخاري إخراجه فقد أخرج نظيره وغاية ما قدح به في الحديث أنه حدث به مروان عروة [ ص 248 ] فاستراب بذلك عروة فأرسل مروان إلى بسرة رجلا من حرسه فعاد إليه بأنها ذكرت ذلك والواسطة بين عروة وبسرة أما مروان وهو مطعون في عدالته أو حرسيه وهو مجهول . والجواب أنه قد جزم ابن خزيمة وغير واحد من الأئمة بأن عروة سمعه من بسرة وفي صحيح ابن خزيمة وابن حبان قال عروة : فذهبت إلى بسرة فسألتها فصدقته وبمثل هذا أجاب الدارقطني وابن حبان .
قال الحافظ : وقد أكثر ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والحاكم من سياق طرقه وبسط الدارقطني الكلام عليه في نحو من كراستين ونقل البعض بأن ابن معين قال : ثلاثة أحاديث لا تصح حديث مس الذكر ولا نكاح إلا بولي وكل مسكر حرام .
قال الحافظ : ولا يعرف هذا عن ابن معين قال ابن الجوزي : إن هذا لا يثبت عن ابن معين وقد كان مذهبه انتقاض الوضوء بمسه . وروى عنه الميموني أنه قال : إنما يطعن في حديث بسرة من لا يذهب إليه وطعن فيه الطحاوي بأن هشاما لم يسمع من أبيه عروة لأنه رواه عنه الطبراني فوسط بينه وبين أبيه أبا بكر ابن محمد بن عمرو وهذا مندفع فإنه قد رواه تارة عن أبيه وتارة عن أبي بكر ابن محمد وصرح في رواية الحاكم بأن أباه حدثه .
وقد رواه الجمهور من أصحاب هشام عنه عن أبيه فلعله سمعه عن أبي بكر عن أبيه ثم سمعه من أبيه فكان يحدث به تارة هكذا وتارة هكذا . وفي الباب عن جابر وأبي هريرة وأم حبيبة وعبد الله بن عمرو وزيد بن خالد وسعد بن أبي وقاص وعائشة وأم سلمة وابن عباس وابن عمر وعلي بن طلق والنعمان بن بشير وأنس وأبي بن كعب ومعاوية بن حيدة وقبيصة وأروى بنت أنيس .
أما حديث أبي هريرة وأم حبيبة وعبد الله بن عمر فسيذكرها المصنف بعد هذا الحديث .
وأما حديث جابر فعند الترمذي وابن ماجه والأثرم قال ابن عبد البر : إسناده صالح .
وأما حديث زيد بن خالد فعند الترمذي وأحمد والبزار .
وأما حديث سعد بن أبي وقاص فأخرجه الحاكم .
وأما حديث عائشة فذكره الترمذي وأعله أبو حاتم ورواه الدارقطني .
وأما حديث أم سلمة فذكره الحاكم .
وأما حديث ابن عباس فرواه البيهقي وفي إسناده الضحاك بن حمزة وهو منكر الحديث .
وأما حديث ابن عمر فرواه الدارقطني والبيهقي وفيه عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف وأخرجه الحاكم من طريق عبد العزيز بن أبان وهو ضعيف وأخرجه ابن عدي من طريق أيوب بن عتبة وفيه مقال .
وأما حديث علي بن طلق فأخرجه الطبراني وصححه .
وأما حديث النعمان بن بشير فذكره ابن منده وكذا حديث أنس وأبي بن كعب ومعاوية بن حيدة وقبيصة .
وأما حديث أروى بنت أنيس فذكره الترمذي [ ص 249 ] ورواه البيهقي .
والحديث يدل على أن لمس الذكر ينقض الوضوء . وقد ذهب إلى ذلك عمر وابنه عبد الله وأبو هريرة وابن عباس وعائشة وسعد ابن أبي وقاص وعطاء والزهري وابن المسيب ومجاهد وأبان بن عثمان وسليمان بن يسار والشافعي وأحمد وإسحاق ومالك في المشهور وغير هؤلاء . واحتجوا بحديث الباب . وكذلك مس فرج المرأة لحديث أم حبيبة الآتي وكذلك حديث عبد الله بن عمرو الذي سيذكره المصنف في هذا الباب .
وذهب علي عليه السلام وابن مسعود وعمار والحسن البصري وربيعة والعترة والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وغيرهم إلى أنه غير ناقض . وقد ذكر الحازمي في الاعتبار ( 1 ) جماعة من القائلين بهذه المقالة وجماعة من القائلين بالمقالة الأولى من الصحابة والتابعين لم نذكرهم هنا فليرجع إليه .
واحتج الآخرون بحديث طلق بن علي عند أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والدارقطني مرفوعا بلفظ : ( الرجل يمس ذكره أعليه وضوء فقال صلى الله عليه وآله وسلم : إنما هو بضعة منك ) وصححه عمر بن القلاس وقال : هو عندنا أثبت من حديث بسرة . وروي عن علي بن المديني أنه قال : هو عندنا أحسن من حديث بسرة .
قال الطحاوي : إسناده مستقيم غير مضطرب بخلاف حديث بسرة وصححه أيضا ابن حبان والطبراني وابن حزم .
وأجيب بأنه قد ضعفه الشافعي وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني والبيهقي وابن الجوزي وادعى فيه النسخ ابن حبان والطبراني وابن العربي والحازمي وآخرون وأوضح ابن حبان [ ص 250 ] وغيره ذلك .
وقال البيهقي يكفي في ترجيح حديث بسرة على حديث طلق أن حديث طلق لم يحتج الشيخان بأحد من رواته وحديث بسرة قد احتجا بجميع رواته وقد أيدت دعوى النسخ بتأخر إسلام بسرة وتقدم إسلام طلق ولكن هذا ليس دليلا على النسخ عند المحققين من أئمة الأصول وأيد حديث بسرة أيضا بأن حديث طلق موافق لما كان الأمر عليه من قبل وحديث بسرة ناقل عنه فيصار إليه وبأنه أرجح لكثرة طرقه وصحتها وكثرة من صححه من الأئمة ولكثرة شواهده ولأن بسرة حدثت به في دار المهاجرين والأنصار وهم متوافرون وأيضا قد روي عن طلق بن علي نفسه أنه روى ( من مس فرجه فليتوضأ ) أخرجه الطبراني وصححه قال : فيشبه أن يكون سمع الحديث الأول من النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل هذا ثم سمع هذا بعد فوافق حديث بسرة وأيضا حديث طلق بن علي من رواية قيس ابنه .
قال الشافعي : قد سألنا عن قيس بن طلق فلم نجد من يعرفه . وقال أبو حاتم وأبو زرعة : قيس بن طلق ممن لا تقوم به حجة اه .
فالظاهر ما ذهب إليه الأولون وقد روي عن مالك القول بندب الوضوء ويرده ما سيأتي من التصريح بالوجوب في حديث أبي هريرة وفي حديث عائشة ( ويل للذين يمسون فروجهم ولا يتوضئون ) أخرجه الدارقطني وهو دعاء بالشر لا يكون إلا على ترك واجب والمراد بالوضوء غسل جميع الأعضاء كوضوء الصلاة لأنه الحقيقة الشرعية وهي مقدمة على غيرها على ما هو الحق في الأصول . وقد اشترط في المس الناقض للوضوء أن يكون بغير حائل .
ويدل له حديث أبي هريرة الآتي وسيأتي أنه لا دليل لمن اشترط أن يكون المس بباطن الكف وقد روي عن جابر بن زيد أنه قال بالنقض إن وقع المس عمدا لا إن وقع سهوا .
وأحاديث الباب ترده ورفع الخطأ بمعنى رفع إثمه لا حكمه .
_________ .
( 1 ) نص عبارة الحازمي في الاعتبار بعد أن ساق حديث طلق بن علي . وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب فذهب بعضهم إلى هذه الأحاديث ورأوا ترك الوضوء من مس الذكر . روي ذلك عن علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وحذيفة بن اليمان وعمران بن حصين وأبي الدرداء وسعد بن أبي وقاص في إحدى الروايتين وسعيد بن المسيب في إحدى الروايتين وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وربيعة بن عبد الرحمن وسفيان الثوري وأبي حنيفة وأصحابه ويحيى بن معين وأهل الكوفة . وخالفهم في ذلك آخرون فذهبوا إلى إيجاب الوضوء من مس الذكر وبعض من ذهب إلى هذا القول ادعى أن حديث طلق منسوخ على ما سيأتي . وممن روي عنه الإيجاب من الصحابة عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبو أيوب الأنصاري وزيد بن خالد وأبو هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وجابر وعائشة وأم حبيبة وبسرة بنت صفوان وسعد بن أبي وقاص في إحدى الروايتين وابن عباس في إحدى الروايتين رضوان الله عليهم أجمعين .
ومن التابعين عروة بن الزبير وسليمان بن يسار وعطاء بن أبي رباح وأبان بن عثمان وجابر بن زيد والزهري ومصعب بن سعد ويحيى بن أبي كثير عن رجال من الأنصار وسعيد بن المسيب في أصح الروايتين وهشام بن عروة والأوزاعي وأكثر أهل الشام والشافعي وأحمد وإسحاق والمشهور من قول مالك أنه كان يوجب منه الوضوء .
ومن ذهب إلى هذا القول ادعى أن حديث طلق على تقدير ثبوته منسوخ . ثم استظهر الإيجاب وساق الأدلة على ذلك في كلام طويل مفيد . والله أعلم