- حديث النعمان بن بشير الأول سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات إلا المفضل بن المهلب بن أبي صفرة وهو صدوق ( وفي الباب ) عن ابن عباس عن الطبراني والبيهقي وسعيد بن منصور بلفظ " سووا بين أولادكم في العطية ولو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء " وفي إسناده سعيد بن يوسف وهو ضعيف وذكر ابن عدي في الكامل أنه لم يرله أنكر من هذا وقد حسن الحافظ في الفتح إسناده : قوله " اعدلوا بين أولادكم " تمسك به من أوجب التسوية بين الأولاد في العطية وبه صرح البخاري وهو قول طاوس والثوري وأحمد وإسحاق وبعض المالكية قال في الفتح والمشهور عن هؤلاء أنها باطلة وعن أحمد تصح ويجب أن يرجع وعنه يجوز التفاضل إن كان له سبب كأن يحتاج الولد لزمانته أو دينه أو نحو ذلك دون الباقين .
وقال أبو يوسف تجب التسوية إن قصد بالتفضيل الأضرار .
وذهب الجمهور إلى أن التسوية مستحبة فإن فضل بعضا صح وكره وحملوا الأمر على الندب وكذلك حملوا النهي الثابت في رواية لمسلم بلفظ " أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء قال بلى قال فلا أذن " على التنزيه .
وأجابوا عن حديث النعمان بأجوبة عشرة ذكرها في فتح الباري وسنوردها ههنا مختصرة مع زيادات مفيدة فقال .
أحدها إن الموهوب للنعمان كان جميع مال والده حكاه ابن عبد البر وتعقبه بأن كثيرا من طرق الحديث مصرحة بالبعضية كما في حديث الباب إن الموهوب كان غلاما وكما في لفظ مسلم المذكور قال " تصدق على أبي ببعض ماله " .
الجواب الثاني إن العطية المذكورة لم تنجز وإنما جاء بشير يستشير النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك فأشار عليه بأن لا يفعل فترك حكاه الطبري ويجاب عنه بأن أمره صلى الله عليه وآله وسلم له بالارتجاع يشعر بالتنجيز وكذلك قول عمرة لا أرضى حتى تشهد اله .
الجواب الثالث إن النعمان كان كبيرا ولم يكن قبض الوهوب جاز لأبيه الرجوع ذكره الطحاوي . قال الحافظ وهو خلاف ما في أكثر طرق الحديث خصوصا قوله ارجعه فإنه يدل على تقدم وقوع القبض والذي تظافرت عليه الروايات أنه كان صغيرا وكان أبوه قابضا له لصغره فأمره برد العطية المذكورة بعدما كانت في حم المقبوض .
الرابع إن قوله ارجعه دليل الصحة ولو لم تصح الهبة لم يصح الرجوع وإنما أمره الرجوع لأن للوالد أن يرجع فيما وهب لولده وإن كان الأفضل خلاف ذلك لكن استحباب التسوية رجح على ذلك فلذلك أمره به قال في الفتح وفي الأحتجاج بذلك نظر والذي يظهر أن معنى قوله أرجعه أي لا تمض الهبة المذكورة ولا يلزم من ذلك تقدم صحة الهبة .
الخامس أن قوله أشهد على هذا غيري أذن بالأشهاد على ذلك وإنما امتنع من ذلك لكونه الامام وكأنه قال لا أشهد لان الأمام ليس من شأنه أن يشهد وإنما من شأنه أن يحكم حكاه الطحاوي وارتضاه ابن القصار وتعقب بأنه لا يلزم من كون الامام ليس من شأنه أن يشهد أن يمتنع من تحمل الشهادة ولا من أدائها إذا تعينت عليه والأذن المذكور مراد به التوبيخ لما تدل عليه بقية ألفاظ الحديث . قال الحافظ وبذلك صرح الجمهور في هذا الموضع وقال ابن حبان قوله أشهد صيغة أمر والمراد به نفي الجواز وهي كقوله لعائشة " اشترطي لهم الولاء " اه ويؤيد هذا تسميته صلى الله عليه وآله وسلم لذلك جورا كما في الرواية المذكورة في الباب .
السادس التمسك بقوله ألا سويت بينهم على أن المراد بالأمر الاستحباب وبالنهي التنزيه قال الحافظ وهذا جيد لولا ورود تلك الألفاظ الزائدة على هذه اللفظة ولاسيما رواية سو بينهم .
السابع قالوا المحفوظ في حديث النعمان " قاربوا بين أولادكم " لا سووا وتعقب بأنكم لا توجبون المقاربة كما لا توجبون التسوية .
الثامن في التشبيه الواقع بينهم في التسوية بينهم بالتسوية منهم في البر قرينة تدل على أن الأمر للندب ورد بأن إطلاق الجور على عدم التسوية والنهي عن التفضيل يدلان على الوجوب فلا تصلح تلك القرينة لصرفهما وإن صلحت لصرف الأمر .
التاسع ما تقدم عن أبي بكر من نحلته لعائشة . وقوله لها فلو كنت احترثته كما تقدم في أول كتاب الهبة وكذلك ما رواه الطحاوي عن عمر أنه نحل ابنه عاصما دون سائر ولده ولو كان التفضيل غير جائز لما وقع من الخليفتين . قال في الفتح وقد أجاب عروة عن قصة لعائشة بأن اخوتها كانوا راضين ويجاب بمثل ذلك عن قصة عاصم اه على أنه لا حجة في فعلهما لا سيما إذا عارض المرفوع .
العاشر ان الإجماع انعقد على جواز عطية الرجل ماله لغير ولده فإذا جاز له أن يخرج جميع ولده من ماله لتمليك الغير جاز له أن يخرج بعض أولاده بالتمليك لبعضهم ذكره ابن عبد البر . قال الحافظ ولا يخفى ضعفه لأنه قياس مع وجود النص اه .
فالحق أن التسوية واجبة وان التفضيل محرم .
واختلف الموجبون في كيفية التسوية فقال محمد بن الحسن وأحمد وإسحاق وبعض الشافعية والمالكية العدل أن يعطي الذكر حظين كالميراث واحتجوا بأن ذلك حظه من المال لو مات عنه الواهب وقال غيرهم لا فرق بين الذكر والأنثى وظاهر الأمر بالتسوية معهم ويؤيده حديث ابن عباس المتقدم . قوله " وعن النعمان بن بشير أن أباه " الخ قد روى هذا الحديث عن النعمان عدد كثير من التابعين منهم عروة بن الزبير عند مسلم والنسائي وأبي داود وأبو الضحى عند النسائي وابن حبان وأحمد والطحاوي والمفضل بن المهلب عند أحمد وأبي داود والنسائي وعبد الله بن عتبة بن مسعود عند أحمد وعون بن عبد الله عند أبي عوانة والشعبي عند الشيخين وأبي داود وأحمد والنسائي وابن ماجه وابن حابن وغيرهم وقد رواه النسائي من مسند بشيء والد النعمان فشذ بذلك : قوله " نحلت ابني هذا " بفتح النون والحاء المهملة أي أعطيت والنحلة بكسر النون وسكون المهملة العطية بغير عوض . قوله " غلاما " في رواية لابن حبان والطبراني عن الشعبي أن النعمان خطب بالكوفة فقال ان والدي بشير بن سعد أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال ان عمرة بنت رواحة نفست بغلام وأني سميته النعمان وأنها أبت أن تربيه حتى جعلت له حديثة من أفضل مال هو لي وأنها قالت أشهد على ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفيه قوله لا أشهد على جور وجمع ابن حبان بين الروايتين بالحمل على واقعتين احداهما عند ولادة النعمان وكانت العطية حديقة والأخرى بعد أن كبر النعمان وكانت العطية عبدا قال في الفتح وهو جمع لا بأس به الا أنه يعكر عليه أنه يبعد أن ينسى بشير بن سعد مع جلالته الحكم في المسألة حتى يعود إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيستشهده على العطية الثانية بعد أن قال له في الأولى لا أشهد على جور وجوز ابن حبان أن يكون بشير ظن نسخ الحكم وقال غيره يحتمل أن يكون حمل الأمر الأول على كراهة التنزيه أو ظن أنه لا يلزم من الامتناع في الحديقة الامتناع في العبد لأن ثمن الحديقة في الأغلب أكثر من ثمن العبد . قال الحافظ ثم ظهر وجه آخر من الجمع يسلم من هذا الخدش ولا يحتاج إلى جوابه وهو أن عمرة لما امتنعت من تربيته الا أن يهب له شيئا يخصه به وهبه الحديثة المذكورة تطيبا لخاطرها ثم بدا له فارتجعها لأنه لم يقبضها منه غيره فعاودته عمرة في ذلك فمطلها سنة أو سنتين ثم طابت نفسه أن يهب له بدل الحديقة غلاما ورضيت عمرة بذلك الا أنها خشيت ان يرتجعه أيضا فقالت له أشهد على ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تريد بذلك تثبيت العطية وان تأمن رجوعه فيها ويكون مجيئه للاشهاد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرة واحدة وهي الأخيرة وغاية ما فيه ان بعض الرواة حفظ مالم يحفظ غيره أو كان النعمان يقص بعض القصة تارة وبعضها أخرى فسمع كل ما رواه فاقتصر عليه اه ولا يخفى ما في هذا الجمع من التكلف وقد وقع في رواية عند ابن حبان عن النعمان قال سألت أمي أبي بعض الموهبة لي من ماله زاد مسلم والنسائي من هذا الوجه فالتوى بها سنة أي مطلها وفي رواية لابن حبان أيضا بعد حولين ويجمع بينهما بأن المدة كانت سنة وشيئا فجبر الكسر تارة وألغاه أخرى .
وفي رواية له قال فأخذ بيدي وأنا غلام ولمسلم انطلق بن أبي يحملني إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويجمع بينهما بأنه أخذ بيده فمشي معه بعض الطريق وحمله في بعضها لصغر سنه : قوله " فقال ارجعه " لفظ مسلم أردده وله أيضا النسائي فرجع فرد عطيته . ولمسلم أيضا فرد تلك الصدقة زاد في رواية لابن حبان لا تشهدني على جور ومثله لمسلم وقد تقدم لابن حبان أيضا والطبراني مثل ذلك وذكر هذا اللفظ البخاري تعليقا في الشهادات . وفي رواية لابن حبان من طريق أخرى لا تشهدني أذن فأني لا أشهد على جور . وله في طريق أخرى أيضا فأني لا أشهد على جور أشهد على هذا غيري وله وللنسائي من طريق أخرى فأشهد على هذا غيري ولعبد الرزاق عن طاوس مرسلا لا أشهد لا على الحق لا أشهد بهذه . وللنسائي فكره أن يشهد له . وفي رواية لمسلم اعدلوا بين أولادكم في النحل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر . ولأحمد أيسرك أن يكونوا اليك في البر سواء قال بلى قال فلا أذن . ولأبي داود ان لهم عليك من الحق أن تعدل بينهم كما لك عليهم أن يبروك . وللنسائي ألا سويت بينهم . وله ولابن حبان سو بينهم . قال الحافظ واختلاف الألفاظ في هذه القصة الواحدة يرجع إلى معنى واحد . قوله " أفعلت هذا بولدك كلهم : قال مسلم أما معمل ويونس فقالا أكل بينك وأما الليث وان عيينة فقالا أكل ولدك قال الحافظ ولا منافاة بينهما لأن لفظ الولد يشمل الذكور والإناث وأما لفظ البنين فإن كانوا ذكورا فظاهر وإن كانوا إناثا وذكورا فعلى سبيل التغليب