- قوله " حقلا " أي أهل مزارعة قال في القاموس المحاقل المزارع والمحاقلة بيع الزرع قبل بدو صلاحه أو بيعه في سنبله بالحنطة أو المزارعة بالثلث والربع أو أقل أو أكثر وإكراء الأرض بالحنطة اه قوله " فنهانا عن ذلك " أي عن كري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه " فيصلح التمسك بهذا المذهب من قال أن النهي عنه إنما هو هذا النوع ونحوه من المزارعة . وقد حكى في الفتح عن الجمهور أن النهي محمول على الوجه المفضي إلى الغرر والجهالة لا عن إكرائها مطلقا حتى بالذهب والفضة قال ثم اختلف الجمهور في جواز إكرائها بجزء مما يخرج منها فمن قال بالجواز حمل أحاديث النهي على التنزيه قال ومن لم يجز إجارتها بجزء مما يخرج قال النهي عن كرائها محمول علىما إذا اشترط صاحب الأرض ناحية منها أو شرط ما ينبت على النر لصاحب الأرض لما في كل ذلك من الغرر والجهالة اه : قوله " فأما الورقفلم ينهنا " لا منافاة بين هذه الرواية وبين الرواية الثانية أعني قوله فأما الذهب والورق فلم يكن يومئذ لأن عدم النهي عن الورق لا يستلزم وجوده ولا وجود المعاملة به وفي رواية عن نافع عند البخاري أنه قال ليس بها بأس بالدينار والدرهم . قال في الفتح يحتمل أن يكون رافع قال ذلك باجتهاده ويحتمل أن يكون علم ذلك بطريق التنصيص على جوازه أو علم أن النهي عن كري الأرض ليس على إطلاقه بل بما إذا كان بشيء مجهول ونحو ذلك فاستنبط من ذلك جواز الكري بالذهب والفضة ويرجح كونه مرفوعا بما أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح عنه قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المحاقلة والمزابنة وقال إنما يزرع ثلاثة رجل له ارض ورجل منح أرضا ورجل اكترى أرضا بذهب أو فضة " لكن بين النسائي كم وجه آخر أن المرفوع منه النهي عن المحاقلة والمزابنة وأن بقيته مدرج من كلام سعيد بن المسيب . وقد أخرج أبو داود والنسائي ما هو أظهر في الدلالة على الرفع من هذا وهو حديث سعد بن أبي وقاص الآتي : قوله " بما على الماذيانات " بذال معجمة مكسورة ثم مثناة تحتية ثم ألف ثم نون ثم ألف ثم مثناة فوقية هذا هو المشهور . وحكى القاضي عياض عن بعض الرواة فتح الذال في غير صحيح مسلم وهو ما ينبت على حافة النهر ومسايل الماء وليست عربية لكنها سوادية وهي في الأصل مسايل المياه فتسمية لنا بت عليها باسمها كما وقع في بعض الروايات بلفظ يؤاجرون على الماذيانات مجاز مرسل والعلاقة المجاورة أو الحالية والمحلية : قوله " وإقبال الجادول " بفتح الهمزة وسكون القاف وتخفيف الموحدة أي أوائل . والجداول السواقي جمع جدول وهو النهر الصغير : قوله " واشياء من الزرع " يعني مجهول المقدار ويدل على ذلك قوله في آخر الحديث فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به : قوله " فيهلك " بكسر اللام أي فربما يهلك . قوله " زجر عنه " على البناء للمجهول أي نهى عنه وذلك لما فيه من الغرر المؤدي إلى التشاجر وأكل أموال الناس بالباطل : قوله " على الأربعاء " جمع ربع وهو النهر الصغير كنبي وأنبياء ويجمه أيضا ربعان كصبي وصبيان .
قوله يستثنيه " من الاستثناء كأنه يشير إلى استثناء الثلث والربع كذا قال في الفتح واستدل على أن هذا هو المراد برواية أخرى ذكرها البخاري ولكنه ينافي هذا التفسير قوله في الرواية الأولى " فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به " وهذا الحديث يدل على تحريم المزارعة على ما يفضي إلى الغرر والجهالة ويوجب المشاجرة وعليه تحمل الأحاديث الواردة في النهي عن المخابرة كما هو شأن حمل المطلق على المقيد ولا يصح حملها على المخابرة التي فعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خيبر لما ثبت من أنه صلى الله عليه وآله وسلم استمر عليها إلى موته واستمر على مثل ذلك جماعة من الصحابة ويؤيد هذا تصريح رافع في هذا الحديث بجواز المزارعة على شيء معلوم مضمون ولا يشكل على جواز المزارعة بجزء معلوم حديث أسيد بن ظهير الآتي فإن النهي فيه ليس بمتوجه إلى المزارعة بالنصف والثلث والربع فقط بل إلى ذلك مع اشتراط ثلاث جداول والقصارة وما يسقى الربيع ولا شك أن مجموع ذلك غير المخابرة التي أجازها صلى الله عليه وآله وسلم وفعلها في خيبر نعم حديث رافع عند أبي داود والنسائي وابن ماجه بلفظ " من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها ولا يكارها بثلث ولا ربع ولا بطعام مسمي " وكذلك حديثه أيضا عند أبي داود بإسناد فيه بكر بن عامر البجلي الكوفي وهو متكلم فيه " قال أنه زرع أرضا فمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يسقيها فسأله لمن الزرع ولمن الأرض فقال زرعي ببذري وعملي ولي الشطر ولبنى فلان الشطر فقال أربيتما فرد الأرض على أهلها وخذ نفقتك " ومثله حديث زيد بن ثابت عند أبي داود قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المخابرة قلت وما المخابرة قال أن يأخذ الأرض بنصف أو ثلث أو ربع " فيها دليل على المنع من المخابرة بجزء معلوم ومثل هذه الأحاديث حديث أسيد الآتي على فرض أنه نهى عن المزارعة بجزء معلوم وعدم تقييده بما فيه من كلام أسيد كما سيأتي ولكنه لا سبيل إلى جعلها ناسخة لما فعله صلى الله عليه وآله وسلم في خيبر لموته وهو مستمر على ذلك وتقريره لجماعة من الصحابة عليه ولا سبيل إلى جعل هذه الأحاديث المشتملة على النهي منسوخة بفعله صلى الله عليه وآله وسلم لصدور النهي عنه في أثناء مدة معاملته ورجوع جماعة من الصحابة إلى رواية من روى النهي والجمع ما أمكن هو الواجب وقد أمكن هنا بحمل النهي على معناه المجازي وهو الكراثة ولا يشكل على هذا قوله صلى الله عليه وآله وسلم " أربيتما " في حديث رافع المذكور وذلك بأن يقال قد وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه المعاملة بأنها ربا والربا حرام بالإجماع فلا يمكن الجمع بالكراهة لانا نقول الحديث لا ينتهض للاحتجاج به للمقال الذي فيه ولا سيما مع معارضته للأحاديث الصحيحة الثابتة من طرق متعددة الواردة بجواز المعاملة بجزء معلوم وكيف يصح أن يكون ذلك ربا وقد مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومات عليه جماعة من أجلاء الصحابة بل يبعد أن يعامل النبي صلى الله عليه وآله وسلم المعاملة المكروهة وبموت عليها ولكنه ألجأنا إلى القول بذلك الجمع بين الأحاديث وهذا ما نرجحه في هذه المسألة ولا يصح الأعتذار عن الأحاديث القاضية بالجواز بأنها مختصة به صلى الله عليه وآله وسلم لما تقرر من أنه صلى الله عليه وآله وسلم إذا نهى عن شيء نهيا مختصا بالأمة وفعل ما يخالفه كان ذلك الفعل مختصا به لانا نقول أولا النهي غير مختص بالأمة وثانيا أنه صلى الله عليه وآله وسلم قرر جماعة من الصحابة على مثل معاملته في خيبر إلى عند موته . وثالثا أنه قد استمر على ذلك بعد موته صلى الله عليه وآله وسلم جماعة من أجلاء الصحابة ويبعد كل البعد أن يخفى عليهم مثل هذا ومن أوضح ما استدل به على كراهة المزارعة بجزء معلوم حديث ابن عباس الآتي