- الحديث أعله غير واحد بأنه من رواية إسماعيل بن عياش عن ابن جريج وهو حجازي . ورواية إسماعيل عن الحجازيين ضعيفة وقد خالفه الحفاظ من أصحاب ابن جريج فرووه مرسلا كما قال المصنف وصحح هذه الطريقة المرسلة الذهلي والدارقطني في العلل وأبو حاتم وقال : رواية إسماعيل خطأ . وقال ابن معين : حديث ضعيف وقال أحمد : الصواب عن ابن جريج عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم . ورواه الدارقطني من حديث إسماعيل بن عياش أيضا عن عطاء بن عجلان وعباد بن كثير عن ابن أبي مليكة عن عائشة وقال بعده : عطاء وعباد ضعيفان . وقال البيهقي : الصواب إرساله وقد رفعه أيضا سليمان بن أرقم وهو متروك .
وفي الباب عن ابن عباس عند الدارقطني وابن عدي والطبراني بلفظ : ( إذا رعف أحدكم في صلاته فلينصرف فليغسل عنه الدم ثم ليعد وضوءه وليستقبل صلاته ) قال الحافظ : وفيه سليمان بن أرقم وهو متروك .
وعن أبي سعيد عند الدارقطني بلفظ : ( إذا قاء أحدكم أو رعف وهو في الصلاة أو أحدث فلينصرف فليتوضأ ثم ليجيء فليبن على ما مضى ) وفيه أبو بكر الزاهري وهو متروك . ورواه عبد الرزاق في مصنفه موقوفا على علي وإسناده حسن قاله الحافظ . وعن سلمان نحوه . وعن ابن عمر عند مالك في الموطأ : ( أنه كان إذا رعف رجع فتوضأ ولم يتكلم ثم يرجع ويبني ) وروى الشافعي من قوله نحوه .
قوله ( قلس ) هو بفتح القاف واللام ويروى بسكونها قال الخليل : هو ما خرج من الحلق ملء الفم أو دونه وليس بقيء وإن [ ص 237 ] عاد فهو القيء . وفي النهاية القلس ما خرج من الجوف ثم ذكر مثل كلام الخليل .
والحديث استدل به على أن القيء والرعاف والقلس والمذي نواقض للوضوء وقد تقدم ذكر الخلاف في القيء والخلاف في القلس مثله .
وأما الرعاف فهو ناقض للوضوء وقد ذهب إلى أن الدم من نواقض الوضوء القاسمية وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وأحمد بن حنبل وإسحاق وقيدوه بالسيلان وذهب ابن عباس والناصر ومالك والشافعي وابن أبي أوفى وأبو هريرة وجابر بن زيد وابن المسيب ومكحول وربيعة إلى أنه غير ناقض .
استدل الأولون بحديث الباب ورد بأن فيه المقال المذكور واستدلوا بحديث ( بل من سبع ) الذي ذكرناه في الحديث الذي قبل هذا ورد بأنه لم يثبت عند أحد من أئمة الحديث المعتبرين . وبالمعارضة بحديث أنس الذي سيأتي . وأجيب بأن حديث أنس حكاية فعل لا يعارض القول ولكن هذا يتوقف على صحة القول ولم يصح .
وقد أخرج أحمد والترمذي وصححه وابن ماجه والبيهقي من حديث أبي هريرة ( لا وضوء إلا من صوت أو ريح ) قال البيهقي : هذا حديث ثابت . وقد اتفق الشيخان على إخراج معناه من حديث عبد الله بن زيد ورواه أحمد والطبراني من حديث السائب بن خباب بلفظ : ( لا وضوء إلا من ريح أو سماع ) وقال ابن أبي حاتم : سمعت أبي وذكر حديث شعبة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا : ( لا وضوء إلا من صوت أو ريح ) فقال أبي : هذا وهم اختصر شعبة متن الحديث وقال : ( لا وضوء إلا من صوت أو ريح ) ورواه أصحاب سهيل بلفظ : ( إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد ريحا من نفسه فلا يخرج حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ) وشعبة إمام حافظ واسع الرواية وقد روى هذا اللفظ بهذه الصيغة المشتملة على الحصر ودينه وإمامته ومعرفته بلسان العرب يرد ما ذكره أبو حاتم فالواجب البقاء على البراءة الأصلية المعتضدة بهذه الكلية المستفادة من هذا الحديث فلا يصار إلى القول بأن الدم أو القيء ناقض إلا لدليل ناهض والجزم بالوجوب قبل صحة المستند كالجزم بالتحريم قبل صحة النقل والكل من التقول على الله بما لم يقل .
ومن المؤيدات لما ذكرنا حديث ( إن عباد بن بشر أصيب بسهام وهو يصلي فاستمر في صلاته ) عند البخاري تعليقا وأبي داود وابن خزيمة ويبعد أن لا يطلع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على مثل هذه الواقعة العظيمة ولم ينقل أنه أخبره بأن صلاته قد بطلت .
وأما المذي فقد صحت الأدلة في إيجابه للوضوء وقد أسلفنا [ ص 238 ] الكلام على ذلك في باب ما جاء في المذي من أبواب تطهير النجاسة .
وفي الحديث دلالة على أن الصلاة لا تفسد على المصلي إذا سبقه الحدث ولم يتعمد خروجه . وقد ذهب إلى ذلك أبو حنيفة وصاحباه ومالك . وروي عن زيد بن علي وقديم قولي الشافعي والخلاف في ذلك للهادي والناصر والشافعي في أحد قوليه . فإن تعمد خروجه فإجماع على أنه ناقض . واستدل على النقض بحديث ( إذا فسا أحدكم فلينصرف وليتوضأ وليستأنف الصلاة ) أخرجه أبو داود ولعله يأتي في الصلاة إن شاء الله تمام تحقيق البحث