- في الباب عن ابن عمر عند الشيخين وعن ابن عباس عندهما أيضا : قوله " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن تلقي البيوع " فيه دليل على أن التلقي محرم وقد اختلف في هذا النهي هل يقتضي الفساد أم لا فقيل يقتضي الفساد وقيل لا وهو الظاهر لأن النهي ههنا لأمر خارج وهو لا يقتضيه كما تقرر في الأصول وقد قال بالفساد المرادف للبطلان بعض المالكية وبعض الحنابلة وقال غيرهم بعدم الفساد لما سلف . ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم " فصاحب السلعة فيها بالخيار " فإنه يدل على انعقاد البيع ولو كان فاسدا لم ينعقد وقد ذهب إلى الأخذ بظاهر الحديث الجمهور فقالوا لا يجوز تلقي الركبان واختلفوا هل هو محرم أو مكروه فقط حكى ابن المنذر عن أبي حنيفة أنه أجاز التلقي وتعقبه الحافظ بأن الذي في كتب الحنفية أنه يكره التلقي في حالتين أن يضر بأهل البلد وأن يلبس السعر على الواردين اه . والتنصيص على الركبان في بعض الروايات خرج مخرج الغالب في أن من يجلب الطعام يكون في الغالب راكبا وحكم الجالب الماشي حكم الراكب ويدل على ذلك حديث أبي هريرة المذكور فإن فيه النهي عن تلقي الجلب من غير فرق . وكذلك حديث ابن مسعود المذكور فإن فيه النهي عن تلقي البيوع قوله " الجلب " بفتح اللام مصدر بمعنى اسم المفعول يقال جلب الشيء جاء به من بلد إلى بلد للتجارة . قوله " بالخيار " اختلفوا هل يثبت له الخيار مطلقا أو بشرط أن يقع له في البيع عين . ذهبت الحنابلة إلى الأول وهو الأصح عند الشافعية وهو الظاهر وظاهره أن النهي لأجل صنعة البائع وازالة الضرر عنه وصيانته ممن يخدعه . قال ابن المنذر وحمله مالك على نفع أهل السوق لا على نفع رب السلعة وإلى ذلك جنح الكوفيون والأوزاعي قال والحديث حجة للشافعي لأنه أثبت الخيار للبائع لا لأهل السوق اه . وقد احتج مالك ومن معه بما وقع في رواية من النهي عن تلقي السلع حتى تهبط الأسواق وهذا لا يكون دليلا لمدعاهم لأنه يمكن أن يكون ذلك رعاية لمنفعة البائع لأنها إذا هبطت الأسواق عرف مقدار السعر فلا يخدع ولا مانع من أن يقال العلة في النهي مرعاة نفع البائع ونفع أهل السوق ( واعلم ) أنه لا يجوز تلقيهم للبيع منهم كما لا يجوز للشراء منهم لأن العلة التي هي مراعاة نفع الجالب أو أهل السوق أو الجميع حاصلة في ذلك ويدل على ذلك ما في رواية للبخاري بلفظ " لا بيع " فإنه يتناول البيع لهم والبيع منهم وظاهر النهي المذكور في الباب عدم الفرق بين أن يبتدئ المتلقي الجالب بطلب الشراء أو البيع أو العكس وشرط بعض الشافعية في النهي أن يكون المتلقي هو الطالب وبعضهم اشترط أن يكون المتلقي قاصدا لذلك فلو خرج للسلام على الجالب أو للفرجة أو لحاجة أخرى فوجدهم فبايعهم لم يتناوله النهي ومن نظر إلى المعنى لم يفرق وهو الأصح عند الشافعي وشرط الجويني في النهي أن يكذب المتلقي في سعر البلد ويشتري منهم باقل من ثمن المثل . وشرط المتولى من أصحاب الشافعي أن يخبرهم بكثرة المؤنة عليهم في الدخول وشرط أبو إسحاق الشيرازي أن يخبرهم بكساد ما معهم والكل من هذه الشروط لا دليل عليه والظاهر من النهي أيضا أنه يتناول المسافة القصيرة والطويلة وهو ظاهر إطلاق الشافعية . وقال بعض المالكية ميل . وقال بعضهم أيضا فرسخان . وقال بعضهم يومان . وقال بعضهم مسافة قصر وبه قال الثوري وأما ابتداء التلقي فقيل الخروج من السوق وإن كان في البلد وقيل الخروج من البلد وهو قول الشافعية وبالأول قال أحمد وإسحاق والليث والمالكية