- قوله " حاضر لباد " الحاضر ساكن الحضر والبادي ساكن البادية قال في القاموس الحضر والحاضرة والحضارة وتفتح خلاف البادية والحضارة الأقامة في الحضر ثم قال والحاضر خلاف البادي . وقال البدو والبادية والبادات والبداوة خلاف الحضر وتبدي أقام بها وتبادي تشبه بأهلها والنسبة بداوى وبدوي وبدا القوم خرجوا إلى البادية انتهى . قوله " دعوا الناس " الخ في مسند أحمد من طريق عطاء بن السائب عن حكيم بن أبي يزيد عن أبيه حدثني أبي قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض فإذا استنصح الرجل فلينصح له " ورواه البيهقي من حديث جابر مثله . قوله " لاتلقوا الركبان " سيأتي الكلام عليه . قوله " سمسارا " بسينين مهملتين قال في الفتح وهو في الأصل القيم بالأمر والحافظ ثم استعمل في متولى البيع والشراء لغيره ( وأحاديث الباب ) تدل على أنه لا يجوز للحاضر أن يبيع للبادي من غير فرق بين أن يكون البادي قريبا له أو أجنبيا وسواء كان في زمن الغلاء أولا وسواء كان يحتاج إليه أهل البلد أم لا وسواء باعه له على التدريج أم دفعة واحدة . قالت الحنفية انه يختص المنع من ذلك بزمن الغلاء وبما يحتاج إليه أهل لمصر وقالت الشافعية والحنابلة أن الممنوع إنما هو أن يجيء البلد بسلعة يريد بيعها بسعر الوقت في الحال فيأتيه الحاضر فيقول ضعه عندي لأبيعه لك على التدريج بأغلى من هذا السعر قال في الفتح فجعلوا الحكم منوطا بالبادي ومن شاركه في معناه قالوا وإنما ذكر البادي في الحديث لكونه الغالب فألحق من شاركه في عدم معرفة السعر من الحاضرين وجعلت المالكية البداوة قيدا . وعن مالك لا يلتحق بالبدوي في ذلك إلى من كان يشبهه فأما أهل القرى الذين يعرفون أثمان السلع والأسواق فليسوا داخلين في ذلك . وحكى ابن المنذر عن الجمهور ان النهي للتحريم إذا كان البائع عالما والمبتاع مما تعم الحاجة إليه ولم يعضه البدوي على الحضري ولا يخفى أن تخصيص العموم بمثل هذه الأمور من التخصيص بمجرد الاستنباط وقد ذكر ابن دقيق العيد فيه تفصيلا حاصله أنه يجوز التخصيص به حيث يظهر المعنى لا حيث يكون خفيا فاتباع اللفظ أولى ولكنه لا يطميئن الخاطر إلى التخصيص به مطلقا فالبقاء على ظواهر النصوص هو الأولى فيكون بيع الحاضر للبادي محرما على العموم وسواء كان بأجرة أم لا . وروى عن البخاري أنه حمل النهي على البيع بأجة لا بغير أجرة فإنه من باب النصيحة . وروى عن عطاء ومجاهد وأبي حنيفة أنه يجوز بيع الحاضر للبادي مطلقا وتمسكوا بأحاديث النصيحة . وروى مثل ذلك عن الهادي وقالوا إن أحاديث الباب منسوخة واستظهروا على الجواز بالقياس على توكيل البادي للحاضر فإنه جائز ويجاب عن تمسكهم بأحاديث النصيحة بأنها عامة مخصصة بأحاديث الباب ( فإن قيل ) إن أحاديث النصيحة وأحاديث الباب بينها عموم وخصوص من وجه لأن بيع الحاضر للبادي قد يكون على غير وجه النصيحة فيحتاج فيحتاج حينئذ إلى الترجيح من خارج كما هو شأن الترجيح بين العمومين المتعارضين فيقال المراد بيع الحاضر للبادي الذي جعلناه أخص مطلقا هو البيع الشرعي بيع المسلم للمسلم الذي بينه الشارع للأمة وليس بيع الغش والخداع داخلا في مسمى هذا البيع الشرعي كما أنه لا يدخل فيه بيع الربا وغيره مما لا يحل شرعا فلا يكون البيع باعتبار ما ليس بيعا شرعيا أعم من وجه حتى يحتاج إلى طلب مرجح بين العمومين لأن ذلك ليس هو البيع الشرعي ويجاب عن دعوى النسخ بأنها إنما تصح عند العلم بتأخر الناسخ ولم ينقل ذلك . وعن القياس بأنه فاسدا لاعتبار لمصادمته النص على أن أحاديث الباب أخص من الأدلة القاضية بجواز التوكيل مطلقا فيبني العام على الخاص ( واعلم ) أنه كما لا يجوز أن يبيع الحاضر للبادي كذلك لا يجوز أن يشتري له وبه قال ابن سيرين والنخعي . وعن مالك روايتان ويدل لذلك ما أخرجه أبو داود عن أنس بن مالك أنه قال كان يقال لا يبع حاضر لباد وهي كلمة جامعة لا يبيع له شيئا ولا يبتاع له شيئا ولكن في إسناده أبو هلال محمد بن سليم الراسبي وقد تكلم فيه غير واحد . وأخرج أبو عوانة في صحيحه عن ابن سيرين قال لقيت أنس بن مالك فقلت لا يبع حاضر لباد أنهيتم أن تبيعوا أو تبتاعوا لهم قال نعم قال محمد صدق أنها كلمة جامعة ويقوى ذلك العلة التي نبه عليها صلى الله عليه وآله وسلم بقوله دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض فإن ذلك يحصل بشراء من لا خبرة له بالأثمان كما يحصل ببيعه وعلى فرض عدم ورود نص يقضي بأن الشراء حكمه البيع فقد تقرر إن لفظ البيع يطلق على الشراء وأنه مشترك بينهما كما أن لفظ البيع يطلق على الشراء وأنه مشترك بينهما كما أن لفظ الشراء يطلق على البيع لكونه مشتركا بينهما والخلاف في جواز استعمال المشترك في معنيه أو معانييه معروف في الأصول والحق الجواز إن لم يتناقضا