- حديث ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ورجاله ثقات لأن أبا داود رواه من طريق عبيد الله بن عمرو الواقي وهو من رجال الجماعة عن عبد الكريم بن مالك الجزري وهو كذلك عن قيس بن حبتر بفتح الحاء المهملة واسكان الموحدة وفتح الفوقية وهو من ثقات التابعين كم قال ابن حبان . وحديث جابر هو في مسلم بلفظ " سألت جابرا عن ثمن الكلب والسنور فقال زجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك " وقد أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه بلفظ " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ثمن الهر " وقال الترمذي غريب وقال النسائي هذا حديث منكر اه وفي إسناده عمر بن زيد الصنعاني قال ابن حبان يتفرد بالمناكير عن المشاهير حتى خرج عن حد الأحتجاج به . وقال الخطابي قد تكلم بعض العلماء في إسناد هذا الحديث وزعم أنه غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وقال ابن عبد البر حديث بيع السنور لا يثبت رفعه . وقال النووي الحديث صحيح رواه مسلم وغيره انتهى . ولم يخرجه مسلم من طريق عمر بن زيد المذكور بل رواه من حديث معقل بن عبد الله الجزري عن أبي الزبير قال " سألت جابرا " وقد أخرج الحديث أيضا أبو داود والترمذي من طريق أخرى ليس فيها عمر ابن زيد الصنعاني باللفظ الذي ذكره المصنف ولكن في إسناده اضطراب كما قال الترمذي : قوله " حرم ثمن الدم " اختلف في المراد به فقيل أجرة الحجامة فيكون دليلا لمن قال بأنها غير حلال وسيأتي الكلام على ذلك في باب ما جاء في كسب الحجام من أبواب الأجارة . وقيل المراد به ثمن الدم نفسه فيدل على تحريم بيعه وهو حرام اجماعا كم في الفتح . قوله " وثمن الكلب " فيه دليل على تحريم بيع الكلب ( 1 ) وظاهره عدم الفرق بين العلم وغيره سواء كان مما يجوز اقتناؤه أو مما لا يجوز وإليه ذهب الجمهور . وقال أبو حنيفة يجوز وقال عطاء والنخعي يجوز بيع كلب الصيد دون غيره .
ويدل عليه ما أخرجه النسائي من حديث جابر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ثمن الكلب إلاكلب صيد " قال في الفتح ورجال إسناده ثقات إلا أنه طعن في صحته وأخرج نحوه الترمذي من حديث أبي هريرة لكن من رواية أبي المهزم وهو ضعيف فينبغي حمل المطلق على المقيد ويكون المحرم بيع ما عدا كلب الصيد ان صلح المقيد للاحتجاج به وقد اختلفوا أيضا هل تجب القيمة على متلفه فمن قال بتحريم بيعه قال بعدم الوجوب ومن قال بجوازه قال بالوجوب ومن فصل في البيع فصل في لزوم القيمة وروى عن مالك أنه لا يجوم بيعه وتجب القيمة وروى عنه أن بيعه مكروه فقط . قوله " وكسب البغي " في الرواية الثانية ومهر البغي ( 2 ) والمراد ما تأخذه الزانية على الزنا وهو مجمع على تحريمه والبغي بفتح الموحدة وكسر المعجمة تشديد التحتانية .
وأصل البغي الطلب غير أنه أكثر ما يستعمل في الفساد واستدل به على أن الأمة إذا أكرهت على الزنا فلا مهرها وفي وجه للشافعية يجب للسيد الحكم . قوله " ولعن الواشمة والمستوشمة " سيأتي الكلام على هذا في باب ما يكرهه من تزين النساء من كتاب الوليمة إن شاء الله . قوله " وآكل الربا وموكله يأتي إن شاء الله الكلام على هذا في باب التشديد في الربا من أبواب الربا قوله " ولعن المصورين " فيه أن المصور من أشد المحرمات لأن اللعن لا يكون إلا على ما هو كذلك وقد تقدم ما يحرم من التصوير ومالا يحرم في أبواب اللباس . قوله " وحلوان الكاهن " الحلوان بضم الحاء المهملة ومصدر حلوته إذا أعطيته . قال في الفتح وأصله من الحلاوة شبه بالشي الحلو من حيث أنه يؤخذ سهلا بلا كلفة ولا مشقة الحلوان أيضا الرشوة والحلوان أيضا ما يأخذه الرجل من مهر ابنته لنفسه . والكاهن قال الخطابي هو الذي يدعى مطالعة علم الغيب ويخبر الناس عن الكوائن قال في الفتح حلوان الكاهن حرام بالإجماع لما فيه من أخذ العوض على أمر باطل وفي معناه التنجيم والضرب بالحصى وغير ذلك مما يتعاناه العرافون من استطلاع الغيب . قوله " فاملأ كفه ترابا " كناية عن منعه من الثمن كما يقال للطالب الخائب لم يحصل في كفه غير التراب وقيل المراد التراب خاصة حملا للتحديث على ظاهره وهذا جمود لا ينبغي التعويل عليه ومثله حمل من حمل حديث " احثوا التراب في وجوه المداحين " على معناه الحقيقي . قوله " والسنور " بكسر السين المهملة وفتح النون المشددة وسكون الواو بعدها راء وهو الهر وفيه دليل على تحريم بيع الهروبه قال أبو هريرة ومجاهد وجابر وابن زيد حكى ذلك عنهم ابن المنذر وحكاه المنذري أيضا عن طاوس وذهب الجمهور إلى جواز بيعه وأجابوا عن هذا الحديث بما تقدم من تضعيفه وقد عرفت دفع ذلك وقيل إنه يحمل النهي على كراهة التنزيه وأن بيعه ليس من مكارم الأخلاق ولامن المروآت ولا يخفى أن هذا إخراج للنهي عن معناه الحقيقي بلا مقتض .
_________ .
( 1 ) أقول ما ذكره الشارح من أن قوله في الحديث " وثمن الكلب " يدل على تحريم بيعه إنما هو باللزوم لا بالنص لأن الحديث دل على تحريم ثمن الكلب بالنص وعلى تحريم بيعه باللزوم أفهم .
( 2 ) وسمي مهرا مجازا في حكمه تفاصيل ترجع إلى كيفية أخذه والذي اختاره العلامة ابن القيم C تعالى أنه في جميع كيفياته يجب التصدق به ولا يرد إلى الدافع لأنه دفعه باختياره في مقابل عوض ولا يمكن صاحب العوض استرجاعه فهو كسب خبيث يجب التصدق به ولا يعان صاحب المعصية بحصول غرضه ورجوع ماله إليه : والله أعلم