- الحديث الأول قال الترمذي هذا الحديث غريب من هذا الوجه وقال المطلب بن عبد الله بن حنطب يقال أنه لم يسمع من جابر . وقال أبو حاتم الرازي يشبه أن يكون أدركه . والحديث الثاني سكت عنه الحافظ في التلخيص وأخرجه أيضا الطبراني في الكبير والبزار قال في مجمع الزوائد وإسناد أحمد والبزار حسن . وأخرج نحوه أحمد أيضا وابن ماجه والحاكم والبيهقي من حديث أبو هريرة وسيأتي في باب التضحية بالخصى : قوله " أملحين " الأملح هو الأبيض الخالص قال ابن الأعرابي وقال الأصمعي هو الأبيض المشوب بشيء من السواد وقال أبو حاتم هو الذي يخالط بياضه حمرة وقيل الأسود الذي يعلوه حمرة . وقال الكسائي هو الذي فيه بياض وسواد والبياض أكثر وقال الخطابي هو الأبيض الذي في خلل صوفه طبقات سود : قوله " أقرنين " قال النووي أي لكل واحد منهما قرنان حسنان وفيه دليل على استحباب التضحية بالأملح الأقرن . قال النووي وأجمع العلماء على جواز التضحية بالأجم وهو الذي لم يخلق الله له قرنين وأما المكسور فسيأتي الكلام فيه ( والحديثان ) يدلان على أنه يجوز للرجل أن يضحي عنه وعن أتباعه وأهله ويشركهم معه في الثواب وبه قال الجمهور وكرهه الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والحديثان يردان عليهم . وقد أخرج مسلم من حديث انس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " كان يقول اللهم تقبل من محمد وآل محمد وعن أمة محمد " وسيأتي في باب الذبح بالمصلى . وأخرج وأيضا ابن ماجه والترمذي وصححه من حديث أبي أيوب ان الرجل كان يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيأتي في باب الاجتزاء بالشاة . وقد تمسك بحديثي الباب وما ورد في معناها من قال أن الأضحية غير واجبة بل سنة وهم الجمهور قال النووي وممن قال بهذا أبو بكر وعمر وبلال وأبو مسعود البدري وسعيد بن المسيب وعلقمة والأسود وعطاء ومالك وأحمد وأبو يوسف وإسحاق وأبو ثور والمزني وابن المنذر وداود وغيرهم انتهى . وحكاه في البحر أيضا عمن ذكر من الصحابة . وعن ابن مسعود وابن عباس وحكاه أيضا عن العترة الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال ربيعة والأوزاعي وأبو حنيفة والليث وبعض المالكية أنها واجبة على الموسر وحكاه في البحر عن مالك وقال النخعي واجبة على الموسر إلا الحاج بمنى وقال محمد بن الحسن واجب على المقيم بالأمصار والمشهور عن أبي حنيفة أنه قال إنما توجيهها على مقيم يملك نصابا كذا قال النووي قال ابن حزم لا يصح على أحد من الصحابة أنها واجبة وصح أنها غير واجبة عن الجمهور ولا خلاف في كونها من شرائع الدين .
( ووجه ) دلالة الحديثين وما في معناهما على عدم الوجوب أن الظاهر إن تضحيته صلى الله عليه وآله وسلم عن أمته وعن أهله تجزأ كل من لم يضح سواء كان متمكنا من الأضحية أو غير متمكن ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن حديث " على أهل كل بيت أضحية " وسيأتي في باب ما جاء في الفرع العتيرة ما يدل على وجوبها على أهل كل بيت يجدونها فيكون قرينة على أن تضحية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن غير الواجدين من أمته ولو سلم الظهور المدعي فلا دلالة له على عدم الوجوب لأن محل النزاع من لم يضح عن نفسه ولا ضحى عنه غيره فلا يكون عدم وجوبها على من كان في عصره من الأمة مستلزما لعدم وجوبها على من كان في غير عصره منهم ( فإن قيل ) هذا يستلزم أن تجزأ الشاة الواحدة عن جميع الأمة قلنا هذه المسألة أخرى خارجة عن محل النزاع سيأتي بيانها .
ومن أدلة القائلين بعد الوجوب ما أخرجه أحمد عن ابن عباس مرفوعا " أمرت بركعتي الضحى ولم تؤمروا بها وأمرت بالأضحى ولم تكتب عليكم " وأخرجه ايضا البزار وابن عدي والحاكم عنه بلفظ " ثلاث هن على فرائض ولكم تطوع النحر والوتر وركعتا الضحى " وأخرجه أيضا أبو يعلى عنه بلفظ " كتب علي النحر ولم يكتب عليكم وأمرت بصلاة الضحى ولم تؤمروا بها " ويجاب عنه بأن في إسناد أحمد وأبو يعلي جابر الجعفى وهو ضعيف جدا في إسناد البزار وابن عدي والحاكم أن جناب الكلبي وقد صرح الحافظ ضعيف من جميع طرقه : وقد أخرجه الدارقطني بلفظ " ثلاث هن على فريضة وهن لكم تطوع الوتر وركعتا الفجر وركعتا الضحى " وأخرجه البزار بلفظ " أمرت بركعتي الفجر والوتر وليس عليكم " ورواه الدارقطني أيضا وابن شاهين في ناسخه عن أنس مرفوعا " أمرت بالوتر والأضحى ولم يعزم على " وفي إسناده عبد الله بن محرر وهو متروك واستدلوا أيضا بما أخرجه البيهقي عن أبي بكر وعمر أنهما كانا لا يضحيان كراهة أن يظن من رآهما أنها واجبة وكذلك أخرج عن ابن عباس وبلال وأبي مسعود وابن عمر ولا حجة في شيء من ذلك واستدل من قال بالوجوب بقول الله تعالى { فصل لربك وانحر } والأمر للوجوب وأجيب بأن المراد تخصيص الرب بالنحر له لا للأصنام فالأمر متوجه إلى ذلك لأنه القيد الذي يتوجه إليه الكلام ولا شك في وجوب تخصيص الله بالصلاة والنحر على أنه قد روي أن المراد بالنحر وضع اليدين حال الصلاة على الصدر كما سلف في الصلاة واستدلوا أيضا بحديث " من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا " وقد تقدم ووجه الاستدلال به انه لما نهى من كان ذا سعة عن قربان المصلى إذا لم يضح دل على أنه قد ترك واجبا فكأنه لا فائدة في التقرب مع ترك هذا الواجب قال في الفتح وليس صريحا في الإيجاب واستدلوا أيضا بحديث مخنث بن سليم أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال بعرفات " يا أيها الناس على أهل كل بيت أضحية في كل عام وعتيرة " أخرجه أبو داود وأحمد وابن ماجه والترمذي وحسنه وسيأتي ما عليه من الكلام وأجيب عنه بأنه منسوخ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا فرع ولاعتيرة " ولا يخفى أن نسخ العتيرة على فرض صحته لا يستلزم نسخ الأضحية . واستدلوا أيضا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " من كان ذبح قبل أن يصلي فليذح مكانها أخرى ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح باسم الله " وهو متفق عليه من حديث جندب بن سفيان البجلي . وبما روى من حديث جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من كان ذبح قبل الصلاة فليعد " وسيأتي هو وحديث جندب في باب بيان وقت الذبح والأمر ظاهر في الوجوب ولم يأت من قال بعدم الوجوب بما يصلح للصرف كما عرفت نعم حديث أم سلمة الآتي قريبا ربما كان صالحا للصرف لقوله " وأراد أحدكم أن يضحي " لأن التفويض إلى الأرادة يشعر بعدم الوجوب