- قوله " بالحزورة " بالحزورة بفتح الحاء المهملة والزاي وفتح الواو المشددة بعدها راء ثم هاء هي الرابية الصغيرة . وفي القاموس الحزورة كقسورة الناقة المقتلة المذللة والرابية الصغيرة انتهى : قوله " إنك لخير أرض الله " فيه دليل على أن مكة خير أرض الله على الإطلاق وأحبها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبذلك استدل من قال انها أفضل من المدينة قال القاضي عياض إن موضع قبره صلى الله عليه وآله وسلم أفضل بقاع الأرض وإن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض واختلفوا في أفضلها ما عدا موضع قبره صلى الله عليه وآله وسلم فقال أهل مكة والكوفة والشافعي وابن وهب وابن حبيب المالكيان إن مكة أفضل واليه مال الجمهور وذهب عمر وبعض الصحابة ومالك وأكثر المدنيين إلى أن المدينة أفضل واستدل الأولون بحديث عبد الله بن عدي المذكور في الباب . وقد أخرجه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهم . قال ابن عبد البر هذا نص في محل الخلافة فلا ينبغي العدول عنه وقد إدعى القاضي عياض الاتفاق على استثناء البقعة التي قبر فيها صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أنها أفضل البقاع قيل لأنه قد روى أن المرء يدفن في البقعة التي أخذ منها ترابه عندما يخلق كما روى ذلك ابن عبد البر في تمهيده من طريق عطاء الخراساني موقوفا . ويجاب عن هذا بأن أفضلية البقعة التي خلق منها صلى الله عليه وآله وسلم إنما كان بطريق الاستنباط ونصبه في مقابلة النص الصريح الصحيح غير لائ ق على أنه معارض بما رواه الزبري بن بكار أن جبريل أخذ التراب الذي منه خلق صلى الله عليه وآله وسلم من تراب الكعبة فالبقعة التي خلق منها من بقاع مكة وهذا لا يقصر عن الصلاحية لمعارضة ذلك الموقوف لا سيما وفي إسناده عطاء الخراساني نعم إن صح الاتفاق الذي حكاه عياض كان هو الحجة عند من يرى أن الإجماع حجة ( وقد استدل ) القائلون بأفضلية المدينة بأدلة منها حديث " ما بين قبري ومنبري روض من رياض الجنة " كما في البخاري وغيره مع قوله صلى الله عليه وآله وسلم " موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها " وهذا أيضا مع كونه لا ينتهض لمعارضة ذلك الحديث المصرح بالأفضلية هو أخص من الدعوة لأن غاية ما فيه أن ذلك الموضع بخصوصه من المدينة فاضل وأنه غير محل النزاع . وقد أجاب ابن حزم عن هذا الحديث بأن قوله أنها من الحنة مجاز إذ لو كن حقيقة لكانت كما وصف الله الجنة { إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى } وإنما المراد أن الصلاة فيها تؤدي إلى الجنة كما يقال في يوم الطيب هذا من أيام الجنة وكما قال صلى الله عليه وآله وسلم " الجنة تحت ظلال السيوف " قال ثم لو ثبت أنه على الحقيقة لما كان الفضل إلا لتلك البقعة خاصة ( فإن قيل ) إن ماقرب منها أفضل مما بعد لزمهم أن يقولوا إن الجحفة أفضل من مكة ولا قائل به ومن جملة أدلة القائلين بافضلية مكة على المدينة حديث ابن الزبير عند أحمد وعبد بن حميد وابن زنجويه وابن خزيمة والطحاوي والطبراني والبيهقي وابن حبان وصححه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي بمائة صلاة " وقد روى من طريق خمسة عشر من الصحابة . ووجه الاستدلال بهذا الحديث أن أفضلية المسجد لأفضلية المحل الذي هو فيه ( ومن جملة ) ما استدلوا به حديث " اللهم أنهم أخرجوني من أحب البلاد إلي فأسكني في أحب البلاد إليك " أخرجه الحاكم في المستدرك ويجاب بأن النزاع في الأفضل لا فيما هو أحب والمحبة لا تستلزم الأفضلية والاستنباط لا يقاوم النص ( واعلم ) إن الاشتغال ببيان الفاضل من هذين الموضعين الشريفين كالاشتغال ببيان الأفضل من القرآن والنبي صلى الله عليه وآله وسلم والكل من فضول الكلام التي لا تتعلق به فائدة غير الجدال والخصام وقد أفضى النزاع في ذلك وأشباهه إلى فتن وتلفيق حجج واهية كاستدلال المهلب على أفضلية المدينة بأنها هي التي أدخلت مكة وغيرها من القرى في الأسلام فصار الجميع في صحائف أهلها وبأنها تنفي الخبث كما ثبت في الحديث الصحيح واجيب عن الأول بأن أهل المدينة الذين فتحوا مكة معظمهم من أهل مكة فالفضل ثابت للفريقين ولا يلزم من ذلك تفضيل إحدى البقعتين وعن الثاني بأن ذلك إنما هو في خاص من الناس ومن الزمان بدليل قوله تعالى { من أهل المدينة مردوا على النفاق } والمنافق خبيث بلا شك وقد خرج من المدينة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم معاذ وأبو عبيدة وابن مسعود وطائفة ثم علي وطلحة والزبير وعمار وآخرون وهم من أطيب الخلق فدل على إن المراد بالحديث تخصيص ناس دون ناس ووقت دون وقت على أنه إنما يدل ذلك على أنها فضيلة لا إنها فاضلة