[ ص 208 ] - في الباب أحاديث غير ما ذكره المصنف في هذا الكتاب . منها عن عائشة عند مسلم وعن معيقيب عند أحمد وقد علل . وقيل : ليس بشيء . وعن خالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة . وعمرو بن العاص عند ابن ماجه بلفظ : ( أتموا الوضوء ويل للأعقاب من النار ) وعن عبد الله بن عمر عند ابن أبي شيبة . وعن أبي أمامة عن ابن أبي شيبة أيضا . وقد روي من حديث أبي أمامة . ومن حديث أخيه . ومن حديثهما معا . ومن حديث أحدهما على الشك قاله ابن سيد الناس : وعن عمر بن الخطاب عند مسلم . وعن أبي ذر الغفاري وفيه أبو أمية وهو ضعيف . وعن خالد بن معدان عند أحمد .
قوله ( في سفرة ) وقع في صحيح مسلم أنها كانت من مكة إلى المدينة .
قوله ( أرهقنا ) قال الحافظ : بفتح الهاء والقاف والعصر مرفوع بالفاعلية كذا لأبي ذر .
وفي رواية كريمة بإسكان القاف والعصر منصوب بالمفعولية .
ويقوي الأول رواية الأصيلي أرهقتنا بفتح القاف بعدها مثناة ساكنة ومعنى الإرهاق الإدراك والغشيان قال ابن بطال : كأن الصحابة أخروا الصلاة في أول الوقت طمعا أن يلحقهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيصلوا معه فلما ضاق الوقت بادروا إلى الوضوء ولعجلتهم لم يسبغوه فأدركهم على ذلك فأنكر عليهم .
قوله ( ونمسح على أرجلنا ) انتزع منه البخاري أن الإنكار عليهم كان بسبب المسح لا بسبب الاقتصار على غسل بعض الرجل قال الحافظ : وهذا ظاهر الرواية المتفق عليها .
وفي أفراد مسلم ( فانتهينا إليهم وأعقابهم بيض تلوح لم يمسها الماء ) فتمسك بهذا من يقول بإجزاء المسح ويحمل الإنكار على ترك التعميم لكن الرواية المتفق عليها أرجح فتحمل هذه الرواية عليها بالتأويل وهو أن معنى قوله ( لم يمسها الماء ) أي ماء الغسل جمعا بين الروايتين .
وأصرح من ذلك رواية مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى رجلا لم يغسل عقبه فقال ذلك .
قوله ( ويل ) جاز الابتداء بالنكرة لأنها دعاء والويل واد في جهنم رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي سعيد مرفوعا والعقب مؤخر القدم وهي مؤنثة ويكسر القاف ويسكن وخص العقب بالعذاب لأنها التي لم تغسل أو أراد صاحب العقب فحذف المضاف .
والحديث يدل على وجوب غسل الرجلين وإلى ذلك ذهب الجمهور . قال النووي : اختلف الناس على مذاهب فذهب جميع الفقهاء من أهل الفتوى في الأعصار والأمصار إلى أن الواجب غسل القدمين مع الكعبين ولا يجزئ مسحهما ولا يجب المسح مع الغسل ولم يثبت خلاف هذا عن أحد [ ص 209 ] يعتد به في الإجماع قال الحافظ في الفتح : ولم يثبت عن أحد من الصحابة خلاف ذلك إلا عن علي وابن عباس وأنس وقد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك .
قال عبد الرحمن ابن أبي ليلى : أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على غسل القدمين رواه سعيد بن منصور وادعى الطحاوي وابن حزم أن المسح منسوخ وقالت الإمامية : الواجب مسحهما وقال محمد بن جرير الطبري والجبائي والحسن البصري : إنه مخير بين الغسل والمسح . وقال بعض أهل الظاهر : يجب الجمع بين الغسل والمسح .
واحتج من لم يوجب غسل الرجلين بقراءة الجر في قوله { وأرجلكم } وهو عطف على قوله { برؤوسكم } قالوا : وهي قراءة صحيحة سبعية مستفيضة والقول بالعطف على غسل الوجوه وإنما قرئ بالجر للجواز وقد حكم بجوازه جماعة من أئمة الأعراب كسيبويه والأخفش لا شك أنه قليل نادر مخالف للظاهر لا يجوز حمل المتنازع فيه عليه .
قلنا أوجب الحمل عليه مداومته صلى الله عليه وآله وسلم على غسل الرجلين وعدم ثبوت المسح عنه من وجه صحيح وتوعده على المسح بقوله ( ويل للأعقاب من النار ) ولأمره بالغسل كما ثبت في حديث جابر عند الدارقطني بلفظ : ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا توضأنا للصلاة أن نغسل أرجلنا ) ولثبوت ذلك من قوله صلى الله عليه وآله وسلم كما في حديث عمرو بن عبسة وأبي هريرة وقد سلف ذكر طرف من ذلك في باب غسل المسترسل من اللحية . ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن توضأ وضوءا غسل فيه قدميه ( فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم ) أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة من طرق صحيحة وصححه ابن خزيمة . ولا شك أن المسح بالنسبة إلى الغسل نقص وبقوله للأعرابي ( توضأ كما أمرك الله ) ثم ذكر له صفة الوضوء وفيها غسل الرجلين وبإجماع الصحابة على الغسل فكانت هذه الأمور موجبة لحمل تلك القراءة على ذلك الوجه النادر قالوا أخرج أبو داود من حديث أوس بن أبي أوس الثقفي : ( أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتى كظامة قوم فتوضأ ومسح على نعليه وقدميه ) .
قلنا في رجال إسناده يعلى بن عطاء عن أبيه وقد أعله ابن القطان بالجهالة في عطاء وبأن في الرواة من يرويه عن أوس بن أبي أوس عن أبيه فزيادة عن أبيه توجب كون أوس من التابعين فيحتاج إلى النظر في حاله وأيضا في رجال إسناده هشيم عن يعلى قال أحمد : لم يسمع هشيم هذا من يعلى مع ما عرف من تدليس هشيم . ويمكن الجواب عن هذه بأنه قد وثق عطاء [ ص 210 ] هذا أبو حاتم وذكر أوس بن أبي أوس أبو عمر ابن عبد البر في الصحابة وبأن هشيما قد صرح بالتحديث عن يعلى في رواية سعيد بن منصور فأزال إشكال عنعنة هشيم ولكن قال أبو عمر في ترجمة أوس بن أبي أوس : وله أحاديث منها في المسح على القدمين وفي إسناده ضعف فلا يكون الحديث مع هذا حجة لا سيما بعد تصريح أحمد بعدم سماع هشيم من يعلى .
قالوا : أخرج الطبراني عن عباد بن تميم عن أبيه قال : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتوضأ ويمسح على رجليه ) قلنا : قال أبو عمر : في صحبة تميم هذا نظر وضعف حديثه المذكور .
قالوا : أخرج الدارقطني عن رفاعة بن رافع مرفوعا بلفظ : ( لا تتم صلاة أحدكم ) وفيه ( ويمسح برأسه ورجليه ) قلنا : إن صح فلا ينتهض لمعارضة ما أسلفنا فوجب تأويله لمثل ما ذكرنا في الآية قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي : قال الحازمي بعد ذكره حديث أوس بن أبي أوس المتقدم من طريق يحيى بن سعيد : لا يعرف هذا الحديث مجودا متصلا إلا من حديث يعلى .
وفيه اختلاف وعلى تقدير ثبوته ذهب بعضهم إلى نسخه ثم أورده من طريق هشيم وفي آخره قال هشيم : كان هذا في أول الإسلام .
وأما الموجبون للمسح وهم الإمامية فلم يأتوا مع مخالفتهم للكتاب والسنة المتواترة قولا وفعلا بحجة نيرة وجعلوا قراءة النصب عطفا على محل قوله { برؤوسكم } ومنهم من يجعل الباء الداخلة على الرؤوس زائدة والأصل امسحوا رؤوسكم وأرجلكم وما أدري بماذا يجيبون عن الأحاديث المتواترة .
( فائدة ) قد صرح العلامة الزمخشري في كشافه بالنكتة المقتضية لذكر الغسل والمسح في الأرجل فقال : هي توقى الإسراف لأن الأرجل مظنة لذلك وذكر غيره غيرها فليطلب ذلك في مظانه ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) قال القاضي أبو بكر ابن العربي في تفسير آيات الأحكام : وطريق النظر البديع أن القراءتين محتملتان وأن اللغة تقتضي بأنهما جائزتان فردهما الصحابة إلى الرأس مسحا فلما قطع بنا حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ووقف في وجوهنا وعيده قلنا جاءت السنة قاضية بأن النصب يوجب العطف على الوجه واليدين ودخل بينهما مسح الرأس وإن لم تكن وظيفته كوظيفتهما لأنه مفعول قبل الرجلين لا بعدهما فذكر لبيان الترتيب لا ليشتركا في صفة التطهير وجاء الخفض ليبين أن الرجلين يمسحان حال الاختيار على حائل وهما الخفان بخلاف سائر الأعضاء فعطف بالنصب مغسولا على مغسول وعطف بالخفض ممسوحا على ممسوح وصح المعنى فيه والله أعلم