- أما حديث بلال بن الحرث ففيه ما نقله المصنف عن أحمد . وقال المنذري إن الحرث يشبه المجهول . وقال الحافظ الحرث بن بلال من ثقات التابعين وقال ابن القيم نحن نشهد بالله إن حديث بلال بن الحرث هذا لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو غلط عليه قال ثم كيف يكون هذا ثابتا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابن عباس يفتي بخلافه ويناظر عليه طول عمره بمشهد من الخاص والعام واصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متوافرون ولا يقول له رجل واحد منهم هذا كان مختصا بنا ليس لغيرنا انتهى . وقد روى عن عثمان مثل قول أبي ذر في اختصاص ذلك بالصحابة ولكنهما جميعا مخالفان للمروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن ذلك للأبد بمحض الرأي وقدحمل ما قالاه على محامل . أحدها أنهما أرادا اختصاص وجوب ذلك بالصحابة وهو قول ابن تيمية حفيد المصنف لا مجرد الجواز والاستحباب فهو للأمة إلى يوم القيامة . وثانيهما أنه ليس لأحد بعد الصحابة أن يبتدئ حجا قارنا أو مفردا بلا هدى يحتاج معه إلى الفسخ ولكن فرض عليه أن يفعل ما أمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو التمتع لمن لم يسق الهدى والقران لمن ساقه وليس لأحد بعدهم أن يحرم بحجة مفردة ثم يفسخها أو يجعلها متعة وإنما ذلك خاص بالصحابة وهذان المحملان يعارضان ما حمل المانعون كلامهما عليه من أن المراد أن الجواز مختص بالصحابة إذا لم يكن الثاني منهما مرادا لهم راجحان عليه وأقل الأحوال أن يكون مساويين له فتسقط معارضة الأحاديث الصحيحة به . وأما ما في صحيح مسلم عن أبي ذر من أن المتعة في الحج كانت لهم خاصة فيرده اجماع المسلمين على جوازها إلى يوم القيامة فإن أراد بذلك متعة الفسخ ففيه تلك الاحتمالات ( ومن جملة ) ما احتج به المانعون من الفسخ أن مثل ما قاله عثمان وأبو ذر لا يقال بالرأي ويجاب بأن هذا من مواطن الأجتهاد ومما للرأي فيه مدخل على أنه قد ثبت في الصحيحين عن عمران بن حصين أنه قال " تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونزل القرآن فقال رجل برأية ما شاء " فهذا تصريح من عمران أن المنع من التمتع بالعمرة إلى الحج من بعض الصحابة إنما هو من محض الرأي فكما أن المنع من التمتع على العموم من قبيل الرأي كذلك دعوى اختصاص التمتع الخاص أعني به الفسخ بجماعة مخصوصة .
( ومن جملة ) ماتمسك به المانعون من الفسخ حديث عائشة المتقدم حيث قالت " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج حتى قدمنا مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أحرم بعمرة ولم يهد فليحل ومن أحرم بعمرة وأهدى فلا يحل حتى ينحر هديه ومن أهل بحج فليتم حجه " وهذا لفظ مسلم وظاهر أنه لم يأمر من حج مفردا بالفسخ بل أمره باتمام حجه . وأجيب عن ذلك بأن هذا الحديث غلط فيه عبد الملك ابن شعيب وأبوه شعيب أو جده الليث أو سيخه عقيل فإن الحديث رواه مالك ومعمر والناس عن الزهري عنها وبينوا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر من لم يكن معه هدى إذا طاف وسعى أن يحل وقد خالف عبد الملك جماعة من الحفاظ فرووه على خلاف ما رواه قال في الهدى بعد أن ساق الروايات المخالفة لرواية عبد الملك فإن كان محفوظا يعني حديث عبد الملك فيتعين أن يكون قبل الأمر بالاحلال وجعله عمرة ويكون هذا أمرا زائدا قد طرأ على الأمر بالاتمام كما طرأ على التخيير بين الأفراد والتمتع والقران ويتعين هذا ولابد وإذا كان هذا ناسخا للأمر بالفسخ والأمر بالفسخ ناسخا للأذن في الأفراد فهذا محال قطعا فإنه بعد أن أمرهم بالحل لم يأمرهم بنقيضه والبقاء على الأحرام الأول وهذا باطل قطعا فيتعين ان كان محفوظا أن يكون قبل الأمر لهم بالفسخ لا يجوز غيره هذا البتة انتهى ( ومن متمسكاتهم ) ما في لفظ لمسلم من حديث عائشة أنها قالت " فأما من أهل بعمرة فحل وأما من أهل بحج أو جمع بين الحج والعمرة فلم يحل حتى كان يوم النحر " وأجيب بأن هذا من حديث أبي الأسود عن عروة عنها وقد أنكره عليه الحفاظ قال أحمد بن حنبل بعد أن ساقه أيش في هذا الحديث من العجب هذا خطأ فقلت له الزهري عن عروة عن عائشة بخلافه قال نعم وهشام بن عروة وقد أنكره ابن حزم وأنكر حديث يحيى بن عبد الرحمن ابن حاطب عن عائشة بنحوه عند مسلم وقال لإخفاء في نكرة حديث أبي الأسود ووهنه وبطلانه والعجب كيف جاز علي من رواه قال وأسلم الوجوه للحديثين المذكورين عن عائشة أن تخرج روايتهما على أن المراد بقولها إن الذين أهلوا بحج أو بحج وعمرة لم يحلوا أنها عنت بذلك من كانت معه الهدى لأن الزهري قد خالفهما وهو أحفظ منهما وكذلك خالفهما غيره ممن له مزيد اختصاص بعائشة ثم أن حديثيهما موقوفان غير مسندين لأنهما إنما ذكرا عنها فعل من فعل ما ذكرت دون أن تذكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرهم أن لا يحلوا ولا حجة في أحد دون النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلو صح ما ذكراه وقد صح أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من لا هدي معه بالفسخ فتمادى المأمورون بذلك ولم يحلوا لكانوا عصاة لله وقد أعاذهم الله من ذلك وبأهم منه قال فثبت يقيينا أن حديث أبي الأسود ويحيى إنما عني فيه من كان معه هدى وهكذا جاءت الأحاديث الصحاح بأنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر من معه الهدي بأن يجمع حجا مع العمرة ثم لا يحل حتى بحل منها جميعا .
( ومن جملة ) ما تمسك به المانعون من الفسخ أنه إذا اختلف الصحابة ومن بعدهم في جواز الفسخ فالاحتياط يقتضي المنع منه صيانة للعبادة وأجيب بأن الاحتياط إنما يشرع إذا لم تتبين السنة فإذا ثبت فالاحتياط هوإتباعها وترك ما خالفها فإن الاحتياط نوعان احتياط للخروج من خلاف العلماء واحتياط للخروج من خلاف السنة ولا يخفى رجحان الثاني على الأول . قال في الهدي وأيضا فإن الاحتياط ممتنع فإن للناس في الفسخ ثلاثة أقوال على ثلاثة أنواع . أحدها أنه محرم . الثاني أنه واجب وهو قول جماعة من السلف والخلف . الثالث أنه مستحب فليس الاحتياط بالخروج من خلاف من حرمة أولى بالاحتياط من الخروج من خلاف من أوجبه وإذا تعذر الاحتياط بالخروج من الخلاف تعين الاحتياط بالخروج من خلاف السنة انتهى ومن متمسكاتهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرهم بالفسخ ليبين لهم جواز العمرة في أشهر الحج لمخالفته الجاهلية وأجيب بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد اعتمر قبل ذلك ثلاث عمر في أشهر الحج كما سلف وبأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد بين لهم جواز الاعتمار عند المبقات فقال من شاء أن يهل بعمرة فليفعل الحديث . في الصحيحين فقد علموا جوازها بهذا القول قبل الأمر بالفسخ ولو سلم أن الأمر بالفسخ لتلك العلة لكان أفضل لأجلها فيحصل المطلوب لأن ما فعله صلى الله عليه وآله وسلم في المناسك لمخالفة أهل الشرك مشروع إلى يوم القيامة ولا سيما وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم أن عمرة الفسخ للأبد كما تقدم . وقد أطال ابن القيم في الهدي الكلام على الفسخ ورجح وجوبه وبين بطلان ما احتج به المانعون منه فمن أحب الوقوف على جميع ذيول هذه المسألة فليراجعه وإذا كان الموقع في مثل هذا المضيق هو إفراد الحج فالحازم المتحري لدينه الوقت الواقف عند مشتبهات الشريعة ينبغي له أن يجعل حجة من الابتداء تمتعا أو قرانا فرارا مما هو مظة البأس إلى مالا بأس به فإنه وقع في ذلك فالسنة أحق بالإتباع . وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل