- الرواية الأخرى حسنها الترمذي . قوله " فقال من أراد منكم أن يهل " الخ فيه الأذن منه صلى الله عليه وآله وسلم بالحج إفرادا وقرانا تمتعا . والأفراد هو الاهلال بالحج وحده والاعتمار بعد الفراغ من أعمال الحج لمن شاء ولا خلاف في جوازه والقرآن هو الاهلال بالحج والعمرة معا وهو أيضا متفق على جوازه أو الأهلال بالعمرة ثم يدخل عليها الحج أو عكسه وهذا مختلف فيه والتمتع هو الأعتمال في أشهر الحج ثم التحلل من تلك العمرة والأهلال بالحج في تلك السنة ويطلقة التمتع في عرف السلف على القرآن . قال ابن عبد البر ومن التمتع أيضا القرآن ومن التمتع أيضا فسخ الحج إلى العمرة انتهى . وقد حكى النووي في شرح مسلم الإجماع على جواز الأنواع الثلاثة وتأويل ما ورد من النهي عن التمتع من بعض الصحابة . قوله " وأهل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحج " احتج به من قال كان حجه صلى الله عليه وآله وسلم مفردا وأجيب بأنه لا يلزم من أهلاله بالحج أن لا يكون أدخل عليه العمرة ( واعلم ) أنه قد اختلف في حجه صلى الله عليه وآله وسلم هل كان قرانا أو تمتعا أو أفرادا وقد اختلفت الأحاديث في ذلك فروى أنه حج قرانا من جهة جماعة من الصحابة منهم ابن عمر عند الشيخين وعنه عند مسلم وعائشة عندهما أيضا وعنها عند أبي داود وعنها عند مالك في الموطأ وجابر عند الترمذي وابن عباس عند أبي داود وعمر بن الخطاب عند البخاري وسيأتي والبراء بن عازب عند أبي داود وسيأتي وعلى عند النسائي وعنه عند الشيخين وسيأتي . وعمران بن حصين عند مسلم . وأبو قتادة عند الدارقطني . قال ابن القيم وله طرق صحيحة وسراقة بن مالك عند أحمد وسيأتي ورجال إسناده ثقات . وأبو طلحة الأنصاري عند أحمد وابن ماجه في إسناده الحجاج بن ارطأة والهرماس بن زياد الباهلي عند أحمد أيضا وابن أبي أوفى عند البزار بإسناد صحيح . وأبو سعيد عند البزار . وجابر بن عبد الله عند أحمد وفيه الحجاج بن أرطأة وأم سلمة عنده أيضا . وحفصة عند الشيخين وسعد ابن أبي وقاص عند النسائي والترمذي صححه . وأنس عند الشيخين وسيأتي وأما حجة تمتعا فروى عن عائشة وابن عمر عند الشيخين وسيأتي وعلي وعثمان عند مسلم وأحمد كما في الباب وابن عباس عند أحمد والترمذي كما في الباب أيضا . وسعد بن أبي وقاص كما سيأتي وأما حجة افرادا فروي عن عائشة كما في حديث الباب وعنها عند البخاري كما سيأتي . وعن ابن عمر عند أحمد ومسلم كما سيأتي أيضا وابن عباس عند مسلم . وجابر عند ابن ماجه وعنه عند مسلم .
( وقد اختلفت ) الأنظار واضطربت الأقوال لاختلاف هذه الأحاديث فمن أهل العلم من جمع بين الروايات كالخطابي فقال ان كلا أضاف إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أمر به اتساعا ثم رجح أنه صلى الله عليه وآله وسلم أفرد الحج وكذا قال عياض وزاد فقال وأما احرامه فقد تظافرت الروايات الصحيحة بأنه كان مفردا وأما رواية من روى التمتع فمعناه أنه أمر به لأنه صرح بقوله " ولولا أن معي الهدى لاحللت " فصح أنه لم يتحلل . وأما رواية من روى القران فهو أخبار عن آخر أحواله لأنه أدخل العمرة على الحج لما جاء إلى الوادي وقيل قل عمرة في حجة . قال الحافظ وهذا الجمع هو المعتمد وقد سبق إليه قديما ابن المنذر وبينه ابن حزم في حجة الوداع بيانا شافيا ومهده المحب الطبري تمهيدا بالغا يطول ذكره ومحصله ان كل من روى عنه الافراد حمل على ما أهل به في أول الحال كل من روى عنه التمتع أراد ما أمر به وكل من روى عنه القران أراد ما أستقر عليه الأمر وجمع شيخ الإسلام ابن تيمية جمعا حسنا فقال ما حاصله أن التمتع عند الصحابة يتناول القران فتحمل عليه رواية من روى أنه حج تمتعا وكل من روى الأفراذ قد روى أنه حج صلى الله عليه وآله وسلم تمتعا وقرانا فيتعين الحمل على القران وأنه أفرد أعمال الحج ثم فرغ منا وأتى بالعمرة . ومن أهل العلم من صار إلى التعارض فرجح نوعا وأجاب عن الأحاديث القاضية بما يخالفه وهي جوابات طويلة أكثرها متسفة وأورد كل منهم لما اختاره مرجحات أقواها وأولاها مرجحات القران فإنه لا يقاومها شيء من مرجحات غيره . منها أن أحاديثه مشتملة على زيادة على من روى الأفراد وغيره والزيادة مقبولة إذا خرجت مخرج صحيح فكيف إذا ثبتت من طرق كثيرة عن جمع من الصحابة . ومنها أن من روى الأفراد والتمتع اختلف عليه في ذلك لأنهم جميعا روى عنهم أنه صلى الله عليه وآله وسلم حج قرانا . ومنها أن روايات القرآن لا تحتمل التأويل بخلاف روايات الأفراد والتمتع فإنها تحتمله كما تقدم .
ومنها أن رواة القران أكثر كما تقدم . ومنها أن فيهم من أخبر عن سماعه لفظا صريحا وفيهم من أخبر عن اخباره صلى الله عليه وآله وسلم بأنه فعل ذلك وفيهم من أخبر عن أمر ربه بذلك . ومنها أنه النسك الذي أمر به كل من ساق الهدى فلم يكن ليأمرهم به إذا ساقوا الهدى ثم يسوق هو الهدى ويخالفه وقد ذكر صاحب الهدى مرجحات غيره هذه ولكنها مرجحات باعتبار أفضلية القران على التمتع والأفراد لا باعتبار أنه صلى الله عليه وآله وسلم حج قرانا وهو بحث آخر قد اختلفت فيه المذاهب اختلافا كثيرا فذهب جمع من الصحابة والتابعين وأبو حنيفة وإسحاق ورجحه جماعة من الشافعية منهم النووي والمزني وابن المنذر وأبو إسحاق المروزي وتقي الدين السبكي إلى أن القران أفضل . وذهب جمع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم كمالك وأحمد والباقر والصادق والناصر وأحمد بن عيسى وإسماعيل بن جعفر الصادق وأخيه موسى والأمامية إلى أن التمتع أفضل . وذهب جماعة من الصحابة وجماعة من بعدهم وجماعة من الشافعية وغيرهم ومن أهل البيت الهادي والقاسم والأمام يحيى وغيرهم من متأخريهم إلى أن الأفراذ أفضل وحكى القاضي عياض عن بعض العلماء أن الأنواع الثلاثة الفضل سواء قال في الفتح وهو مقتضى تصرف ابن خزيمة في صحيحه . وقال أبو يوسف القران والتمتع في الفضل سواء وهما أفضل من الافراد . وعن أحمد من ساق الهدى فالقران أفضل له ليوافق فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن لم يسق الهدى فالتمتع أفضل له ليوافق ما تمناه وأمر به أصحابه زاد بعض أتباعه ومن أراد أن ينشئ لعمرته من بلد سفره فالأفراد أفضل له قال وهذا أعدل المذاهب وأشبهها بموافقة الأحاديث الصحيحة ولكن المشهور عن أحمد أن التمتع أفضل مطلقا وقد احتج القائلون بأن القران أفضل بحجج منها أن الله اختاره لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم . ومنها أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم دخلت العمرة في الحج إلىيوم القيامة يقتضى أنها قد صارت جزأ منه أو كالجزء الداخل فيه بحيث لا يفصل بينها وبينه ولا يكون ذلك إلا مع القران . ومنها أن النسك الذي اشتمل على سوق الهدى افضل واستدل من قال بأن التمتع أفضل بما اتفق عليه من حديث جابر وغير أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدى ولجعلتها عمرة " قالوا و رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يتمنى إلا الأفضل واستمراره في القران إنما كان لاضطرار السوق إليه وهذا هو الحق فإنه لا يظن أن نسكا أفضل من نسك اختاره صلى الله عليه وآله وسلم لافضل الخلق وخير القرون وأما ما قيل من أنه صلى الله عليه وآله وسلم إنما قال كذلك تطبيبا لقلوب أصحابه لحزنهم على فوات موافقته ففاسد لان المقام مقام تشريع للعبادة وهو لا يجوز عليه صلى الله عليه وآله وسلم أن يخبر بما يدل على أن ما فعلوه من التمتع أفضل مما استمر عليه من القران والأمر على خلاف ذلك وهو هذا الا تغرير يتعالى مقام النبوة بالجملة لم يوجد في شيء من الأحاديث ما يدل على أن بعض الأنواع أفضل من بعض غيره هذا الحديث فالتمسك به متعين ولا ينبغي أن يلتفت إلى غيره من الرجحات فإنها في مقابلته ضائعة .
( واحتج ) من قال بأن الأفراد أفضل أن الخلفاء الراشدين Bهم أفردوا الحج وواظبوا على إفراده فلولم يكن أفضل لم يواظبوا عليه وبأن الافراد لا يجب فيه دم قال النووي بالإجماع وذلك لكماله ويجب الدم في التمتع والقران وهو دم جبران لفوات الميقات وغيره فكان مالا يحتاج إلى جبران أفضل . ومنها أن الأمة أجمعت على جواز الافراد من غير كراهة وكره عمر وعثمان وغيرهما التمتع وبعضهم ويجاب عن هذا كله بأن الافراد لو كان أفضل لفعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو تمنى فعله بعد أن صار ممنوعا بالسوق والكل ممنوع والسند ما سلف من أنه صلى الله عليه وآله وسلم حج قرانا وأظهر أنه كان يود أن يكون حجه تمتعا وهذان البحثان أعني تعيين ما حجه صلى الله عليه وآله وسلم من الأنواع وبيان ما هو الأفضل منها من المضايق ومواطن البسط وفيما حررناه مع كونه في غاية الإيجاز ما يغني اللبيب