- قوله ( أورا ليلة القدر ) بضم أوله على البناء للمجهول أي قيل لهم في المنام أنها في السبع الأواخر . قال في الفتح والظاهر أن المراد به أواخر الشهر وقيل المراد به السبع التي أولها ليلة الثاني والعشرين وآخرها ليلة الثامن والعشرين فعلى الأول لا تدخل ليلة إحدى وعشرين ولا ثلاث وعشرين وعلى الثاني تدخل الثانية فقط ولا تدخل ليلة التاسع والعشرين . ويدل على الأول ما في البخاري في كتاب التعبير من صحيحه ( أن ناسا أروا ليلة القدر في السبع الأواخر وأن ناسا رأوا أنها في العشر الأواخر فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم التمسوها في السبع الأواخر ) وكأنه صلى الله عليه وآله وسلم نظر إلى المتفق عليه من الروايتين فأمر به .
وقد رواه أحمد عن ابن عيينة عن الزهري بلفظ ( رأى رجل أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين أو كذا وكذا فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم التمسوها في العشر البواقي في الوتر منها ) . ورواه أحمد من حديث علي مرفوعا ( إن غلبتم فلا تغلبوا في التسع البواقي ) قوله ( أري بفتحتين ) أي أعلم : قوله ( رؤياكم ) قال عياض كذا جاء بإفراد الرؤيا والمراد مرائيكم لأنها لم تكن رؤيا واحدة وإنما أراد الجنس . قال ابن التين كذا روى بتوحيد الرؤيا وهو جائز لأنها مصدر : قوله ( تواطأت ) بالهمزة أي توافقت وزنا ومعنى . وقال ابن التين بغير همزة والصواب بالهمز وأصله أن يطأ الرجل برجله مكان وطء صاحبه .
( وفي الحديث ) دلالة على عظم قدر الرؤيا وجواز الاستناد إليها في الاستدلال على الأمور الوجودية بشرط أن لا يخالف القواعد الشرعية هكذا في الفتح : قوله ( تحروا ليلة القدر ) في رواية للبخاري ( التمسوا ) وفي حديث عائشة دليل على أن ليلة القدر في أوتار العشر الأواخر وقد تقدم أنه القول الراجح .
( فائدة ) قال الطبري في إخفاء ليلة القدر دليل على كذب من زعم أنه يظهر في تلك الليلة للعيون ما لا يظهر في سائر السنة إذ لو كان حقا لم يخف على كل من قام ليالي السنة فضلا عن ليالي رمضان وتعقبه ابن المنير بأنه لا ينبغي إطلاق القول بالتكذيب لذلك بل يجوز أن يكون ذلك على سبيل الكرامة لمن شاء الله من عباده فيختص بها قوم دون قوم والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحصر العلامة ولم ينف الكرامة قال ومع ذلك فلا يعتقد أن ليلة القدر لا ينالها إلا من رأى الخوارق بل فضل الله تعالى واسع ورب قائم تلك الليلة لم يحصل منها إلا على العبادة من غير رؤية خارق وآخر رأى الخوارق من غير عبادة والذي حصل على العبادة أفضل والعبرة إنما هي بالاستقامة بخلاف الخارق فقد يقع كرامة وقد يقع فتنة . وقيل أن المطلع على ليلة القدر يرى كل شيء ساجدا وقيل يرى الأنوار ساطعة في كل مكان حتى في المواضع المظلمة وقيل يسمع سلاما أو خطابا من الملائكة وقيل من علاماتها استجابة دعاء من وفق لها