- حديث معاذ قد اختلف في إسناده اختلافا كثيرا . قوله ( الآية التي بعدها ) هي الآية المذكورة في حديث معاذ الذي بعده : قوله ( فنسختها ) قد روى عن ابن عمر كما روى عن سلمة من النسخ ذكر ذلك البخاري عنه معلقا وموصولا وقد أخرج أبو نعيم في المستخرج والبيهقي : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة ولا عهد لهم بالصيام فكانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر حتى نزل رمضان فاستكثروا ذلك وشق عليهم فكان من يطعم مسكينا كل يوم ترك الصيام ممن يطيقه رخص لهم في ذلك ثم نسخه قوله تعالى { وأن تصوموا خير لكم } فأمروا بالصيام ) . وهذا الحديث أخرجه أيضا أبو داود من طريق شعبة والمسعودي عن الأعمش مطولا وقد اختلف في إسناده اختلافا كثيرا وإذا تقرر أن الإفطار والإطعام كان رخصة ثم نسخ لزم أن يصير الصيام حتما واجبا فكيف يصح الاستدلال على ذلك بقوله { وأن تصوموا خير لكم } والخيرية لا تدل على الوجوب لدلالة قوله خير لكم على المشاركة في أصل الخير .
وأجاب عن ذلك الكرماني جوابا متكلفا حاصله أن المراد أن الصوم خير من التطوع بالفدية والتطوع بها كان سنة والخير من السنة لا يكون واجبا أي لا يكون شيء خيرا من السنة إلا الواجب كذا قال ولا يخفى بعده وتكلفه فالأولى ما روى عن سلمة بن الأكوع وابن عمر أن الناسخ قوله تعالى { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } وإلى النسخ في حق غير الكبير ممن يطيق الصيام ذهب الجمهور قالوا وحكم الإطعام باق في حق من لم يطق الصيام وقال جماعة من السلف منهم مالك وأبو ثور وداود أن جميع الإطعام منسوخ وليس على الكبير إذا لم يطق الطعام وقال قتادة كانت الرخصة لكبير يقدر على الصوم ثم نسخ فيه وبقي فيمن لا يطيق وقال ابن عباس أنها محكمة لكنها مخصوصة بالشيخ الكبير كما وقع في الباب عنه .
وقال زيد بن أسلم والزهري ومالك هي محكمة نزلت في المريض يفطر ثم يبرأ فلا يقضي حتى يدخل رمضان آخر فيلزمه صومه ثم يقضي بعده ويطعم عن كل يوم مدا من حنطة فإن اتصل مرضه برمضان الثاني فليس عليه إطعام بل عليه القضاء فقط .
وقال الحسن البصري وغيره الضمير في يطيقونه عائد على الإطعام لا على الصوم ثم نسخ بعد ذلك قوله ( سمع ابن عباس يقرأ { وعلى الذين يطيقونه } ) هكذا في هذا الكتاب وهو لا يناسب قوله آخر الكلام هي للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما إلا أن يكون مرادا ابن عباس أن ذلك من مجاز الحذف كما روى عن بعض العلماء والأصل وعلى الذين لا يطيقونه وقد روى عن ابن عباس أنه كان يقرأ وعلى الذين يطوقونه أي يكلفونه ولا يطيقونه وهو المناسب لآخر الكلام .
وقد روي عن ابن عباس أنه قال رخص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم كل يوم مسكينا ولا قضاء عليه رواه الدارقطني والحاكم وصححاه وفيه مع ما في الباب عنه وعن معاذ دليل على أنه يجوز للشيخ الكبير العاجز عن الصوم أن يفطر ويكفر وقد اختلف في قدر إطعام المسكين فقيل نصف صاع عن كل يوم من أي قوت وبه قال أبو طالب وأبو العباس وغيرهما من الهادوية وقيل صاع من غير البر ونصف صاع منه وبه قال أبو حنيفة والمؤيد بالله . وقيل مد من بر أو نصف صاع من غيره وبه قال الشافعي وغيره وليس في المرفوع ما يدل على التقدير .
قوله ( أثبتت للحبلى والمرضع ) لفظ أبي داود أن ابن عباس قال في قوله { وعلى الذين يطيقونه } قد كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا والحبلى والمرضع إذا خافتا يعني على أولادهما أفطرتا وأطعمتا وأخرجه البزار كذلك وزاد في آخره وكان ابن عباس يقول لأم ولد له حبلى أنت بمنزلة الذي لا يطيقه فعليك الفداء ولا قضاء عليك وصحح الدارقطني إسناده