- حديث أبي هريرة سكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص وفي إسناده أبو العنبس الحرث بن عبيد سكتوا عنه وقال في التقريب مقبول وقد أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عباس ولم يصرح برفعه والبيهقي من حديث عائشة مرفوعا وأخرج نحوه أحمد من حديث عبد الله بن عمرو : .
قوله ( كان يقبلها ) فيه دليل على أنه يجوز التقبيل للصائم ولا يفسد به الصوم . قال النووي ولا خلاف أنها لا تبطل الصوم إلا إن أنزل بها ولكنه متعقب بأن ابن شبرمة أفتى بإفطار من قبل . ونقله الطحاوي عن قوم ولم يسمهم وقد قال بكراهة التقبيل والمباشرة على الإطلاق قوم وهو المشهور عند المالكية . وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يكره القبلة والمباشرة .
ونقل ابن المنذر وغيره عن قوم تحريمهما وأباح القبلة مطلقا قوم . قال في الفتح وهو المنقول صحيحا عن أبي هريرة قال سعيد وسعد بن أبي وقاص وطائفة وبالغ بعض الظاهرية فقال إنها مستحبة وفرق آخرون بين الشاب والشيخ فأباحوها للشيخ دون الشاب تمسكا بحديث أبي هريرة المذكور في الباب وما ورد في معناه وبه قال ابن عباس أخرجه مالك وسعيد بن منصور وغيرهما وفرق آخرون بين من يملك نفسه ومن لا يملك . واستدلوا بحديث عائشة المذكور في الباب وبه قال سفيان والشافعي ولكنه ليس إلا قولا لعائشة نعم نهيه صلى الله عليه وآله وسلم للشاب وإذنه للشيخ يدل على أنه لا يجوز التقبيل لمن خشي أن تغلبه الشهوة وظن أنه لا يملك نفسه عند التقبيل ولذلك ذهب قوم إلى تحريم التقبيل على من كان تتحرك به شهوته والشاب مظنة لذلك ويعارض حديث أبي هريرة ما أخرجه النسائي عن عائشة قالت : ( أهوى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليقبلني فقلت إني صائمة فقال وأنا صائم فقبلني ) . وعائشة كانت شابة حينئذ إلا أن يكون حديث أبي هريرة مختصا بالرجال ولكنه بعيد لأن الرجال والنساء سواء في هذا الحكم . ويمكن أن يقال أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علم من حال عائشة أنها لا تتحرك شهوتها بالتقبيل .
وقد أخرج ابن حبان في صحيحه أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يمس شيئا من وجهها وهي صائمة فدل على أنه كان يجنبها ذلك إذا صامت تنزيها لها عن تحرك الشهوة لكونها ليست مثله . وقد دل حديث عمرو بن أبي سلمة المذكور على جواز التقبيل للصائم من غير فرق بين الشاب وغيره . وحديث أبي هريرة أخص منه فيبني العام على الخاص .
( واحتج ) من قال بتحريم التقبيل والمباشرة مطلقا بقوله تعالى { فالآن باشروهن } قالوا فمنع من المباشرة في هذه الآية نهارا . وأجيب عن ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو المبين عن الله تعالى وقد أباح المباشرة نهارا فدل على أن المراد بالمباشرة في الآية الجماع لا ما دونه من قبلة ونحوها وغاية ما في الآية أن تكون عامة في كل مباشرة مخصصة بما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم وما أذن به والمراد بالمباشرة المذكورة في الحديث ما هو أعم من التقبيل ما لم يبلغ إلى حد الجماع فيكون قوله كان يقبل ويباشر من ذكر العام بعد الخاص لأن المباشرة في الأصل التقاء البشرتين ووقع الخلاف فيما إذا باشر الصائم أو قبل أو نظر فأنزل أو أمذى فقال الكوفيون والشافعي يقضي إذا أنزل في غير النظر ولا قضاء في الإمذاء .
وقال مالك وإسحاق يقضي في كل ذلك ويكفر إلا في الإمذاء فيقضي فقط واحتج له بأن الإنزال أقصى ما يطلب في الجماع من الالتذاذ في كل ذلك . وتعقب بأن الأحكام علقت بالجماع فقط وروى ابن القاسم عن مالك أنه يجب القضاء على من باشرا وقبل فانعظ أنزل أو لم ينزل أمذى أو لم يمذ وأنكره غيره عن مالك وروى عبد الرزاق عن حذيفة أن من تأمل خلق امرأة وهو صائم بطل صومه قال في الفتح وإسناده ضعيف : قال وقال ابن قدامة إن قبل فأنزل أفطر بلا خلاف كذا قال وفيه نظر فقد حكى ابن حزم أنه لا يفطر ولو أنزل وقوى ذلك وذهب إليه قوله : ( لأربه ) بفتح الهمزة والراء بالموحدة أي حاجته ويروى بكسر الهمزة وسكون الراء أي عضوه .
قال في الفتح والأول أشهر وإلى ترجيحه أشار البخاري وبما أورده من التفسير انتهى .
( وفي الباب ) عن عائشة عند أبي داود : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقبلها ويمص لسانها ) . قال الحافظ وإسناده ضعيف ولو صح فهو محمول على أنه لم يبتلع ريقه الذي خالطه ريقها .
وعن رجل من الأنصار عند عبد الرزاق بإسناد صحيح : ( أنه قبل امرأته وهو صائم فأمر امرأته فسألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك فقال إني أفعل ذلك فقال زوجها ترخص الله لنبيه في أشياء فرجعت فقال أنا أعلمكم بحدود الله وأتقاكم ) . وأخرجه مالك لكنه أرسله