- هذه القصة مشهورة أخرجها أيضا البيهقي بإسناد جيد . وقد أخرج ابن خزيمة والحاكم من طريق عروة عن أسماء بنت أبي بكر أمه أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمد الذي يقتات به أهل المدينة . وللبخاري عن مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يعطي زكاة رمضان عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمد الأول ولم يختلف أهل المدينة في الصاع وقدره من لدن الصحابة إلى يومنا هذا إنه كما قال أهل الحجاز خمسة أرطال وثلث بالعراقي . وقال العراقيون منهم أبو حنيفة أنه ثمانية أرطال وهو قول مردود وتدفعه هذه القصة المسندة إلى صيعان الصحابة التي قررها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد رجع أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم صاحب أبي حنيفة بعد هذه الواقعة إلى قول مالك وترك قول أبي حنيفة .
قوله ( أنا حزرته ) بالحاء المهملة المفتوحة بعدها زاي مفتوحة ثم راء ساكنة أي قدرته قوله ( آصع ) جمع صاع قال في البحر والصاع أربعة أمداد إجماعا .
( فائدة ) وقد اختلف في القدر الذي يعتبر ملكه لمن يلزمه الفطرة فقال الهادي والقاسم وأحد قولي المؤيد بالله أنه يعتبر أن يملك قوت عشرة أيام فاضل عما استثنى للفقير وغير الفطرة لما أخرجه أبو داود في حديث ابن أبي صعير عن أبيه في رواية بزيادة غني أو فقير بعد حر أو عبد .
ويجاب عن هذا الدليل بأنه وإن أفاد عدم اعتبار الغنى الشرعي فلا يفيد اعتبار ملك قوت عشر .
وقال زيد بن علي وأبو حنيفة وأصحابه إنه يعتبر أن يكون المخرج غنيا غنى شرعيا واستدل لهم في البحر بقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( إنما الصدقة ما كانت عن ظهر غنى ) وبالقياس على زكاة المال ويجاب بأن الحديث لا يفيد المطلوب لأنه بلفظ ( خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ) كما أخرجه أبو داود ومعارض أيضا بما أخرجه أبو داود والحاكم من حديث أبي هريرة مرفوعا ( أفضل الصدقة جهد المقل ) وما أخرجه الطبراني من حديث أبي أمامة مرفوعا ( أفضل الصدقة سر إلى الفقير وجهد من مقل ) وفسره في النهاية بقدر ما يحتمل حال قليل المال . وما أخرجه النسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحه واللفظ له والحاكم وقال على شرط مسلم من حديث أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبق درهم مائة ألف درهم فقال رجل وكيف ذاك يا رسول الله قال رجل له مال كثير أخذ من عرضه مائة ألف درهم فتصدق بها ورجل ليس له إلا درهمان فأخذ أحدهما فتصدق به فهذا تصدق بنصف ماله ) الحديث .
وأما الاستدلال بالقياس فغير صحيح لأنه قياس مع الفارق إذ وجوب الفطرة متعلق بالأبدان والزكاة بالأموال وقال مالك والشافعي وعطاء وأحمد بن حنبل وإسحاق والمؤيد بالله في أحد قوليه إنه يعتبر أن يكون مخرج الفطرة مالكا لقوت يوم وليلة لما تقدم من أنها طهرة للصائم ولا فرق بين الغني والفقير في ذلك ويؤيد ذلك ما تقدم من تفسيره صلى الله عليه وآله وسلم من لا يحل له السؤال بمن يملك ما يغديه ويعشيه وهذا هو الحق لأن النصوص أطلقت ولم تخص غنيا ولا فقيرا ولا مجال للاجتهاد في تعيين المقدار الذي يعتبر أن يكون مخرج الفطرة مالكا له ولاسيما والعلة التي شرعت لها الفطرة موجودة في الغني والفقير وهي التطهرة من اللغو والرفث واعتبار كونه واجدا لقوت يوم وليلة أمر لابد منه لأن المقصود من شرع الفطرة إغناء الفقراء في ذلك اليوم كما أخرجه البيهقي والدارقطني عن ابن عمر قال : ( فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زكاة الفطر وقال أغنوهم في هذا اليوم ) . وفي رواية للبيهقي ( أغنوهم عن طواف هذا اليوم ) . وأخرجه أيضا ابن سعد في الطبقات من حديث عائشة وأبي سعيد فلم لم يعتبر في حق المخرج ذلك لكان ممن أمرنا بإغنائه في ذلك اليوم لا من المأمورين بإخراج الفطرة وإغناء غيره وبهذا يندفع ما اعترض به صاحب البحر عن أهل هذه المقالة من أنه يلزمهم إيجاب الفطرة على من لم يملك إلا دون قوت اليوم ولا قائل به