- قوله ( فجعلها في فيه ) زاد في رواية ( فلم يفطن له النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى قام ولعابه يسيل فضرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم شدقيه ) . قوله ( كخ كخ ) بفتح الكاف وكسرها وسكون المعجمة مثقلا ومخففا وبكسرها منونة وغير منونة فيخرج من ذلك ست لغات والثانية تأكيد للأولى وهي كلمة تقال لردع الصبي عند مناولة ما يستقذر قيل أنها عربية وقيل أعجمية وزعم الداودي أنها معربة وقد أوردها البخاري في باب من تكلم بالفارسية : .
قوله ( ارم بها ) في رواية لأحمد . ( ألقها يا بني ) وكأنه كلمه أولا بهذا فلما تمادى قال له كخ كخ إشارة إلى استقذار ذلك ويحتمل العكس . قوله ( لا تحل لنا الصدقة ) وفي رواية ( لا تحل لآل محمد الصدقة ) وكذا عند أحمد والطحاوي من حديث الحسن بن علي نفسه . قال الحافظ وإسناده قوي . وللطبراني والطحاوي من حديث أبي ليلى الأنصاري نحوه .
( والحديث يدل ) على تحريم الصدقة عليه صلى الله عليه وآله وسلم وعلى آله واختلف ما المراد بالآل هنا فقال الشافعي وجماعة من العلماء أنهم بنو هاشم وبنو المطلب واستدل الشافعي على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشرك بني المطلب مع بني هاشم في سهم ذوي القربى ولم يعط أحدا من قبائل قريش غيرهم وتلك العطية عوض عوضوه بدلا عما حرموه من الصدقة كما أخرج البخاري من حديث جبير بن مطعم : ( قال مشيت أنا وعثمان ابن عفان إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلنا يا رسول الله أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا ونحن وهم بمنزلة واحدة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد ) . وأجيب عن ذلك بأنه إنما أعطاهم ذلك لموالاتهم لا عوضا عن الصدقة وقال أبو حنيفة ومالك والهادوية هم بنو هاشم فقط وعن أحمد في بني المطلب روايتان .
وعن المالكية فيما بين هاشم وغالب بن فهر قولان فعن أصبغ منهم هم بنو قصي وعن غيره بنو غالب بن فهر كذا في الفتح . والمراد ببني هاشم آل علي وآل عقيل وآ جعفر وآل العباس وآل الحرث ولم يدخل في ذلك آل أبي لهب لما قيل من أنه لم يسلم أحد منهم في حياته صلى الله عليه وآله وسلم ويرده ما في جامع الأصول أنه أسلم عتبة ومعتب ابنا أبي لهب عام الفتح وسر صلى الله عليه وآله وسلم بإسلامهما ودعا لهما وشهدا معه حنينا والطائف ولهما عقب عند أهل النسب . قال ابن قدامة لا يعلم خلافا في أن بني هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضة وكذا قال أبو طالب من أهل البيت حكى ذلك عنه في البحر وكذا حكى الإجماع ابن رسلان وقد نقل الطبري الجواز عن أبي حنيفة وقيل عنه تجوز لهم إذا حرموا سهم ذوي القربى حكاه الطحاوي ونقله بعض المالكية عن الأبهري منهم . قال في الفتح وهو وجه لبعض الشافعية . وحكى فيه أيضا عن أبي يوسف أنها تحل من بعضهم لبعض لا من غيرهم وحكاه في البحر عن زيد بن علي والمرتضى وأبي العباس والإمامية . وحكاه في الشفاء عن ابني الهادي والقاسم العياني : قال الحافظ وعند المالكية في ذلك أربعة أقوال مشهورة الجواز . المنع . جواز التطوع دون الفرض عكسه . والأحاديث الدالة على التحريم على العموم ترد على الجميع . وقد قيل أنها متواترة توترا معنويا ويؤيد ذلك قوله تعالى { قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى } وقوله { قل ما أسألكم عليه من أجر } ولو أحلها لآله أو شك أن يطعنوا فيه . ولقوله تعالى { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } وثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم ( أن الصدقة أوساخ الناس ) كما رواه مسلم وأما ما استدل به القائلون بحلها للهاشمي من الهاشمي من حديث العباس الذي أخرجه الحاكم في النوع السابع والثلاثين من علوم الحديث بإسناد كله من بني هاشم ( أن العباس بن عبد المطلب قال قلت يا رسول الله إنك حرمت علينا صدقات الناس هل تحل لنا صدقات بعضنا لبعض قال نعم ) فهذا الحديث قد اتهم بعض رواته وقد أطال صاحب الميزان الكلام على ذلك فليس بصالح لتخصيص تلك العمومات الصحيحة .
وأما قول العلامة محمد بن إبراهيم الوزير بعد أن ساق الحديث ما لفظه وأحسب له متابعا لشهرة القول به قال والقول به قول الجماعة وافرة من أئمة العترة وأولادهم وأتباعهم بل ادعى بعضهم أنه إجماعهم ولعل توارث هذا بينهم يقوي الحديث انتهى .
فكلام ليس على قانون الاستدلال لأن مجرد الحسبان أن له متابعا وذهاب جماعة من أهل البيت إليه لا يدل على صحته وأما دعوى أنهم أجمعوا عليه فباطل باطل ومطولات مؤلفاتهم ومختصرات شاهدة لذلك . وأما قول الأمير في النحة أنها سكنت نفسه إلى هذا الحديث بعد وجدان سنده وما عضده مندعوى الإجماع فقد عرفت بطلان دعوى الإجماع وكيف يصح إجماع لأهل البيت والقاسم والهادي والناصر والمؤيد بالله وجماعة من أكابرهم بل جمهورهم خارجون عنه . وأما مجرد وجدان السند للحديث بدون كشف عنه فليس مما يوجب سكون النفس .
( والحاصل ) أن تحريم الزكاة على بني هاشم معلوم من غير فرق بين أن يكون المزكي هاشميا أو غيره فلا ينفق من المعاذير عن هذا المحرم المعلوم إلا ما صح عن الشارع لا ما لفقه الواقعون في هذه الورطة من الأعذار الواهية التي لا تخلص ولا ما لم يصح من الأحاديث المروية في التخصيص ولكثرة أكلة الزكاة من آل هاشم في بلاد اليمن خصوصا أرباب الرياسة قام بعض العلماء منهم في الذب عنهم وتحليل ما حرم الله عليهم مقاما لا يرضاه الله ولإنقاذ العلماء فألف في ذلك رسالة هي في الحقيقة كالسراب الذي يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاء لم يجده شيئا وصار يتسلى بها أرباب النباهة منهم .
وقد يتعلل بعضهم بما قاله البعض منهم إن أرض اليمن خراجية وهو لا يشعر أن هذه المقالة مع كونها من أبطل الباطلات ليست مما يجوز التقليد فيه على مقتضى أصولهم فالله المستعان ما أسرع الناس إلى متابعة الهوى وإن خالف ما هو معلوم من الشريعة المطهرة .
( واعلم ) أن ظاهر قوله لا تحل لنا الصدقة عدم حل صدقة الفرض والتطوع وقد نقل جماعة منهم الخطابي الإجماع على تحريمها عليه صلى الله عليه وآله وسلم وتعقب بأنه قد حكى غير واحد عن الشافعي في التطوع قولا . وكذا في رواية عن أحمد .
وقال ابن قدامة ليس ما نقل عنه من ذلك بواضح الدلالة وأما آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أكثر الحنفية وهو المصحح عن الشافعية والحنابلة وكثير من الزيدية أنها تجوز لهم صدقة التطوع دون الفرض قالوا لأن المحرم عليهم إنما هو أوساخ لناس وذلك هو الزكاة لا صدقة التطوع وقال في البحر أنه خصص صدقة التطوع لقياس على الهبة والهدية والوقف وقال أبو يوسف وأبو العباس إنها تحرم عليهم كصدقة الفرض لأن الدليل لم يفصل