- قوله ( لما بعث معاذا ) كان بعثه سنة عشر قبل حج النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما ذكره البخاري في أواخر المغازي . وقيل كان ذلك في سنة تسع عند منصرفه من تبوك رواه الواقدي بإسناده إلى كعب بن مالك وقد أخرجه ابن سعد في الطبقات عنه ثم حكى ابن سعد أنه كان ربيع الآخر سنة عشر وقيل بعثه عام الفتح سنة ثمان واتفقوا على أنه لم يزل باليمن إلى أن قدم في عهد أبي بكر ثم توجه إلى الشام فمات بها واختلف هل كان واليا أو قاضيا فجزم ابن عبد البر بالثاني والغساني بالأول : قوله ( تأتي قوما من أهل الكتاب ) هذا كالتوطئة للوصية لتستجمع همته عليها لكون أهل الكتاب أهل علم في الجملة فلا يكون في مخاطبتهم كمخاطبته الجهال من عبدة الأوثان قوله ( فادعهم ) الخ إنما وقعت البداة بالشهادتين لأنهما أصل الدين الذي لا يصح بشيء غيرهما فمن كان منهم موحد فالمطالبة متوجهة إليه بكل واحدة من الشهادتين على التعيين ومن كان موحد فالمطالبة له بالجمع بينهما ؟ قوله ( فإن هم أطاعوك ) الخ استدل به على أن الكفار غير مخاطبين بالفروع حيث دعوا أولا إلى الأيمان فقط ثم دعوا إلى العمل وتب ذلك عليه بالفاء وتعقب بأن مفهوم الشرط مختلف في الأحتجاج به وبأن الترتيب في الدعوة لا يستلزم الترتيب في الوجوب كما أن الصلاة والزكاة لا ترتيب بينهما في الوجوب وقد قدمت احداهما على الأخرى في هذا الحديث ورتبت الأخرى عليها بالفاء : قوله ( خمس صلوات ) استدل به على أن الوتر ليس بفرض وكذلك تحية المسجد وصلاة العيد وقد تقدم البحث عن ذلك : قوله ( فإن هم أطاعوك لذلك ) قال ابن دقيق العيد يحتمل وجهين أحدهما أن يكون المراد إن هم أطاعوك بالأقرار بوجوبها عليهم والتزامهم بها والثاني أن يكون المراد الطاعة بالفعل وقد رجح الأول بأن المذكور هو الأخبار بالفريضة فتعود الأشارة إليها ويرجح الثاني لو أخبروا بالفريضة فبادروا إلى الأمتثال بالفعل لكفى ولم يشترط التلفظ بخلاف الشهادتين فالشرط عدم الأنكار والأذعان للوجوب . وقال الحافظ المراد القدر المشترك بين الأمرين فمن امتثل بالأقرار وبالفعل كفاه أو بهما فأولى وقد وقع في رواية الفضل بن العلاء بعد ذكر الصلاة فإذا صلوا وبعد ذكر الزكاة فإذا أقروا بذلك فخذ منهم قوله صدقة زاد البخاري في رواية في أموالهم وفي رواية له أخرى افترض عليهم زكاة في أموالهم : قوله ( تؤخذ من أغنيائهم ) استدل به على أن الإمام هو الذي يتولى قبض الزكاة وصرفها أما بنفسه وأما بنائبه فمن امتنع منهم أخذت منه قهرا : قوله ( على فقرائهم ) استدل به لقول مالك وغيره أنه يكفي إخراج الزكاة في صنف واحد وفيه بحث كما قال ابن دقيق العيد لاحتمال أن يكون ذكر الفقراء لكونهم الغالب في ذلك وللمطابقة بينهم وبين الأغنياء . قال الخطابي وقد يستدل به من لا يرى على المديون زكاة إذا لم يفضل من الدين الذي عليه قدر نصاب لأنه ليس بغني إذا اخراج ماله مستحق لغرمائه : قوله ( فاياك وكرائم أموالهم ) كرائم منصوب بفعل مضمر لا يجوز اظهاره والكرائم جمع كريمة أي نفيسة ( وفيه دليل ) على أنه لا يجوز للمصدق أخذ خيار المال لأن الزكاة لمواساة الفقراء فلا يناسب ذلك الاجحاف بالمالك إلا برضاه : قوله ( واتق دعوة المظلوم ) فيه تنبيه على المنع من جميع أنواع الظلم والنكتة في ذكره عقب المنع من أخذ كرائم الأموال الإشارة إلى أن أخذها ظلم قوله حجاب أي ليس لها صارف يصرفها ولا مانع والمراد أنها مقبولة وإن كان عاصيا كما جاء في حديث أبي هريرة عند أحمد مرفوعا ( دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجر اففجره على نفسه ) قال الحافظ وإسناده حسن وليس المراد إن لله تعالى حجابا يحجبه عن الناس . قال المصنف C بعد أن ساق الحديث وقد احتج به على وجوب صرف الزكاة في بلدها واشتراط إسلام الفقير وأنها تجب في مال الطفل الغني عملا بعمومه كما تصرف فيه مع الفقر انتهى . وفيه أيضا دليل على بعث السعاة وتوصية الامام عامله فيما يحتاج إليه من الأحكام وقبول خبر الواحد ووجوب العمل به وايجاب الزكاة في مال المجنون للعموم أيضا وان من ملك نصابا لا يعطى من الزكاة من حيث أنه جعل ان المأخوذ منه غنى وقابله بالفقير وإن المال إذا تلف قبل التمكن من الأداء سعطت الزكاة لاضافة الصدقة إلى المال . وقد استشكل عدم ذكر الصوم والحج في الحديث مع ان بعث معاذ كان في آخر الأمر كما تقدم وأجاب ابن الصلاح بأن ذلك تقصير من بعض الرواة وتعقب بأنه يفضي إلى ارتفاع الوثوق بكتير من الأحاديث النبوية لاحتمال الزيادة والنقصان وأجاب الكرماني بان اهتمام الشارع بالصلاة والزكاة أكثر ولهذا كررا في القرآن فمن ثم لم يذكر الصوم والحج في هذا الحديث مع أنهما من أركان الإسلام وقيل إذا كان الكلام في بيان الأركان لم يخل الشارع منه بشيء كحديث ( بني الإسلام على خمس ) فإذا كان في الدعاء على الإسلام اكتفى بالاركان الثلاثة الشهادة والصلاة والزكاة ولو كان بعد وجود فرض الحج والصوم لقوله تعالى { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة } مع أن نزولها بعد فرض الصوم والحج