- للحديث طرق منها ما ذكره المصنف ومنها عند ابن عدي بزيادة ( فليرقه ) وقال : إنها زيادة منكرة . ومنها عند ابن خزيمة وابن حبان والبيهقي بزيادة ( أين باتت يده منه ) قال ابن منده : هذه الزيادة رواها ثقات ولا أراها محفوظة .
وفي الباب عن جابر عند الدارقطني وابن ماجه وابن عمر رواه ابن ماجه وابن خزيمة بزيادة لفظ : " منه " . وعائشة رواه ابن أبي حاتم في العلل وحكى عن أبيه أنه وهم .
قوله ( من نومه ) أخذ بعمومه الشافعي والجمهور فاستحبوه عقب كل نوم وخصه أحمد وداود بنوم الليل لقوله في آخر الحديث ( باتت يده ) لأن حقيقة المبيت تكون بالليل . ويؤيده ما ذكره المصنف C في رواية الترمذي وابن ماجه وأخرجها أيضا أبو داود وساق مسلم إسنادها وما في رواية لأبي عوانة ساق مسلم إسنادها أيضا ( إذا قام أحدكم للوضوء حين يصبح ) لكن التعليل بقوله ( فإنه لا يدري أين باتت يده ) يقضي بإلحاق نوم النهار بنوم الليل وإنما خص نوم الليل بالذكر للغلبة . قال النووي : وحكي عن أحمد في رواية أنه إن قام من [ ص 170 ] نوم الليل كره له كراهية تحريم وإن قام من نوم النهار كره له كراهة تنزيه قال : ومذهبنا ومذهب المحققين أن هذا الحكم ليس مخصوصا بالقيام من النوم بل المعتبر الشك في نجاسة اليد فمتى شك في نجاستها كره له غمسها في الإناء قبل غسلها سواء كان قام من نوم الليل أو النهار أو شك انتهى .
والحديث يدل على المنع من إدخال اليد إلى إناء الوضوء عند الاستيقاظ وقد اختلف في ذلك فالأمر عند الجمهور على الندب وحمله أحمد على الوجوب في نوم الليل واعتذر عن الوجوب بأن التعليل بأمر يقتضي الشك قرينة صارفة عن الوجوب إلى الندب وقد دفع بأن التشكيك في العلة لا يستلزم التشكيك في الحكم وفيه أن قوله ( لا يدري أين باتت يده ) ليس تشكيكا في العلة بل تعليلا بالشك وأنه يستلزم ما ذكر .
ومن جملة ما اعتذر به الجمهور عن الوجوب حديث أنه A توضأ من الشن المعلق بعد قيامه من النوم ولم يرو أنه غسل يده كما ثبت في حديث ابن عباس .
وتعقب بأن قوله ( أحدكم ) يقتضي اختصاص الأمر بالغسل بغيره فلا يعارضه ما ذكر ورد بأنه صح عنه A غسل يديه قبل إدخالهما في الإناء حال اليقظة فاستحبابه بعد النوم أولى ويكون تركه لبيان الجواز .
ومن الأعذار للجمهور أن التقييد بالثلاث في غير النجاسة العينية يدل على الندبية وهذه الأمور إذا ضمت إليها البراءة الأصلية لم يبق الحديث منتهضا للوجوب ولا لتحريم الترك ولا يصح الاحتجاج به على غسل اليدين قبل الوضوء فإن هذا ورد في غسل النجاسة وذاك سنة أخرى .
ويدل على هذا ما ذكره الشافعي وغيره من العلماء أن السبب في الحديث أن أهل الحجاز كانوا يستنجون بالأحجار وبلادهم حارة فإذا نام أحدهم عرق فلا يأمن النائم أن تطوف يده على ذلك الموضع النجس أو على قذر غير ذلك فإذا كان هذا سبب الحديث عرفت أن الاستدلال به على وجوب غسل اليدين قبل الوضوء ليس على ما ينبغي ( فإن قلت : ) هذا قصر على السبب وهو مذهب مرجوح . قلت : سلمنا عدم القصر على السبب فليس في الحديث إلا نهي المستيقظ عن نوم الليل أو مطلق النوم فهو أخص من الدعوى أعني مشروعية غسل اليدين قبل الوضوء مطلقا فلا يصلح للاستدلال به على ذلك ونحن لا ننكر أن غسل اليدين قبل الوضوء من السنن الثابتة بالأحاديث الصحيحة كما في حديث عثمان الآتي وغيره وكما في الحديث الذي في أول الباب ولا منازعة في سنيته إنما النزاع في دعوى وجوبه والاستدلال عليها بحديث الاستيقاظ . وقد سبق ذكر الخلاف في [ ص 171 ] ذلك في الحديث الذي قبل هذا .
قوله ( فلا يدخل يده في الإناء ) في رواية للبخاري " في وضوئه " وفي رواية لابن خزيمة " في إنائه أو وضوئه " والظاهر اختصاص ذلك بإناء الوضوء ويلحق به الغسل بجامع أن كل واحد منهما يراد التطهر به . وخرج بذكر الإناء البرك والحياض التي لا تفسد بغمس اليد فيها على تقدير نجاستها فلا يتناولها النهي .
وفي الحديث أيضا دلالة على أن الغسل سبعا ليس عاما لجميع النجاسات كما زعمه البعض بل خاصا بنجاسة الكلب باعتبار ريقه والجمهور من المتقدمين والمتأخرين على أنه لا ينجس الماء إذا غمس يده فيه وحكي عن الحسن البصري أنه ينجس إن قام من نوم الليل وحكي أيضا عن إسحاق بن راهويه ومحمد بن جرير الطبري . قال النووي : وهو ضعيف جدا فإن الأصل في اليد والماء الطهارة فلا ينجس بالشك وقواعد الشريعة متظاهرة على هذا .
قال المصنف C : وأكثر العلماء حملوا هذا على الاستحباب مثل ما روى أبو هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرات فإن الشيطان يبيت على خياشيمه ) متفق عليه انتهى .
وإنما مثل المصنف محل النزاع بهذا الحديث لأنه قد وقع الاتفاق على عدم وجوب الاستنثار عند الاستيقاظ ولم يذهب إلى وجوبه أحد وإنما شرع لأنه يذهب ما يلصق بمجرى النفس من الأوساخ وينظفه فيكون سببا لنشاط القارئ وطرد الشيطان . والخيشوم أعلى الأنف وقيل هو الأنف كله وقيل هو عظام رقاق لينة في أقصى الأنف بينه وبين الدماغ . وقد وقع في البخاري في بدئ الخلق بلفظ : ( إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاثا فإن الشيطان يبيت على خيشومه ) فيحمل المطلق على المقيد ويكون الأمر بالاستنثار باعتبار إرادة الوضوء وفي وجوبه خلاف سيأتي