- الحديث أخرجه أيضا الشافعي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني والبيهقي وقال الحاكم : صحيح على شرطهما . وقد احتجا بجميع رواته واللفظ الآخر من حديث الباب أخرجه أيضا الحاكم وأخرجه أبو داود بلفظ : ( لا ينجس ) وكذا أخرجه ابن حبان وقال ابن منده : إسناد حديث القلتين على شرط مسلم انتهى .
ومداره على الوليد بن كثير فقيل عنه عن محمد بن جعفر بن الزبير وقيل عنه عن محمد بن عباد بن جعفر وقيل عنه عن عبيد الله بن عمر وقيل عنه عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر . وهذا اضطراب في الإسناد وقد روي أيضا بلفظ : ( إذا كان الماء قدر قلتين أو ثلاث لم ينجس ) كما في رواية لأحمد والدارقطني وبلفظ : ( إذا بلغ الماء قلة فإنه لا يحمل الخبث ) كما في رواية للدارقطني وابن عدي والعقيلي وبلفظ ( أربعين قلة ) عند الدارقطني وهذا اضطراب في المتن وقد أجيب عن دعوى الاضطراب في الإسناد بأنه على تقدير أن يكون محفوظا من جميع تلك الطرق لا يعد اضطرابا لأنه انتقال من ثقة إلى ثقة قال الحافظ : وعند [ ص 38 ] التحقيق إنه عن الوليد بن كثير عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبد الله بن عمر المكبر وعن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر المصغر . ومن رواه على غير هذا الوجه فقد وهم . وله طريق ثالثة عند الحاكم جود إسنادها ابن معين .
وعن دعوى الاضطراب في المتن بأن رواية أو ثلاث شاذة ورواية أربعين قلة مضطربة وقيل أنهما موضوعتان ذكر معناه في البدر المنير . ورواية أربعين ضعفها الدارقطني بالقاسم بن عبد الله العمري قال ابن عبد البر في التمهيد : ما ذهب إليه الشافعي من حديث القلتين مذهب ضعيف من جهة النظر غير ثابت من جهة الأثر لأنه حديث تكلم فيه جماعة من أهل العلم ولأن القلتين لم يوقف على حقيقة مبلغهما في أثر ثابت ولا إجماع . وقال في الاستذكار : حديث معلول رده إسماعيل القاضي وتكلم فيه وقال الطحاوي : إنما لم نقل به لأن مقدار القلتين لم يثبت . وقال ابن دقيق العيد : هذا الحديث قد صححه بعضهم وهو صحيح على طريقة الفقهاء ثم أجاب عن الاضطراب .
وأما التقييد بقلال هجر فلم يثبت مرفوعا إلا من رواية المغيرة بن صقلاب عند ابن عدي وهو منكر الحديث قال النفيلي : لم يكن مؤتمنا على الحديث وقال ابن عدي : لا يتابع على عامة حديثه ولكن أصحاب الشافعي قووا كون المراد قلال هجر بكثرة استعمال العرب لها في أشعارهم كما قال أبو عبيد في كتاب الطهور . وكذلك ورد التقيد بها في الحديث الصحيح قال البيهقي : قلال هجر كانت مشهورة عندهم ولهذا شبه رسول الله A ما رأى ليلة المعراج من نبق سدرة المنتهى بقلال هجر . قال الخطابي : قلال هجر مشهورة الصنعة معلومة المقدار . والقلة لفظ مشترك وبعد صرفها إلى أحد معلوماتها وهي الأواني تبقى مترددة بين الكبار والصغار والدليل على أنها من الكبار جعل الشارع الحد مقدرا بعدد فدل على أنه أشار إلى أكبرها لأنه لا فائدة في تقديره بقلتين صغيرتين مع القدرة على التقدير بواحدة كبيرة ولا يخفى ما في هذا الكلام من التكلف والتعسف .
قوله ( ما ينوبه ) هو بالنون أي يرد عليه نوبة بعد أخرى . وحكى الدارقطني أن ابن المبارك صحفه فقال يثوبه بالثاء المثلثة .
قوله ( لم يحمل الخبث ) هو بفتحتين النجس كما وقع تفسير ذلك بالنجس في الروايات المتقدمة والتقدير لم يقبل النجاسة بل يدفعها عن نفسه ولو كان المعنى أنه يضعف عن حملها ( 1 ) لم يكن للتقييد بالقلتين معنى فإن ما دونهما أولى بذلك وقيل [ ص 39 ] معناه لا يقبل حكم النجاسة . وللخبث معان أخرى ذكرها في النهاية والمراد ههنا ما ذكرنا .
والحديث يدل على أن قدر القلتين لا ينجس بملاقاة النجاسة وكذا ما هو أكثر من ذلك بالأولى ولكنه مخصص أو مقيد بحديث إلا ما غير ريحه أو لونه أو طعمه وهو وإن كان ضعيفا فقد وقع الإجماع على معناه وقد تقدم تحقيق الكلام والجمع بين الأحاديث .
_________ .
( 1 ) بين النووي في شرح المهذب معنى الحمل وأنه على ضربين قال : إن الحمل ضربان حمل جسم وحمل معنى فإذا قيل في حمل الجسم فلان لا يحمل الخشبة مثلا فمعناه لا يطيق ذلك لثقله . وإذا قيل في حمل المعنى فلان لا يحمل الضيم فمعناه لا يقبله ولا يلتزمه ولا يصبر عليه قال تعالى : { مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها } معناه لم يقبلوا أحكامها ولم يلتزموها . والماء من هذا الضرب لا يتشكك في هذا من له أدنى فهم ومعرفة . والله أعلم