- الحديث الأول في إسناده ليث بن أبي سليم وفيه مقال . قال الحافظ : والصحيح عن عائشة من فعلها أخرجه مسلم وغيره وقال صح ذلك عن علي عليه السلام .
والحديث الثاني أخرجه أيضا النسائي وليس فيه قالت السنة . وأخرجه أيضا من حديث مالك وليس فيه ذلك . قال أبو داود : غير عبد الرحمن بن إسحاق لا يقول [ ص 358 ] فيه قالت السنة . وجزم الدارقطني بأن القدر الذي من حديث عائشة قولها لا يخرج وما عداه ممن دونها انتهى . وكذلك رجح البيهقي ذكره ابن كثير في الإرشاد . وعبد الرحمن بن إسحاق هذا هو القرشي المدني يقال له عباد قد أخرج له مسلم في صحيحه ووثقه يحيى بن معين وأثنى عليه غيره وتكلم فيه بعضهم .
( الحديثان ) استدل بهما على أنه لا يجوز للمعتكف أن يخرج من معتكفه لعيادة المريض ولا لما يماثلها من القرب كتشييع الجنازة وصلاة الجمعة . قال في الفتح : وروينا عن علي عليه السلام والنخعي والحسن البصري إن شهد المعتكف جنازة أو عاد مريضا أو خرج للجمعة بطل اعتكافه وبه قال الكوفيون وابن المنذر في الجمعة . وقال الثوري والشافعي وإسحاق : إن شرط شيئا من ذلك في ابتداء اعتكافه لم يبطل اعتكافه بفعله وهو رواية عن أحمد انتهى .
وعند الهادوية أنه يجوز الخروج لتلك الأمور ونحوها ولكن في وسط النهار قياسا على الحاجة المذكورة في حديث عائشة المتقدم وهو فاسد الاعتبار لأنه في مقابلة النص .
قوله : ( ولا يمس امرأة ولا يباشرها ) المراد بالمباشرة هنا الجماع بقرينة ذكر المس قبلها . وقد نقل ابن المنذر الإجماع على ذلك ويؤيده ما روى الطبري وغيره من طريق قتادة في سبب نزول الآية يعني قوله تعالى { ولا تباشرهن وأنتم عاكفون في المساجد } أنهم كانوا إذا اعتكفوا فخرج رجل لحاجته فلقي امرأته جامعها إن شاء فنزلت .
قوله : ( ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه ) فيه دليل على المنع من الخروج لكل حاجة من غير فرق بين ما كان مباحا أو قربة أو غيرهما إلا الذي لا بد منه كالخروج لقضاء الحاجة وما في حكمها .
قوله : ( ولا اعتكاف إلا بصوم ) فيه دليل على أنه لا يصح الاعتكاف إلا بصوم وأنه شرط حكاه في البحر عن العترة جميعا وابن عباس وابن عمر ومالك والأوزاعي والثوري وأبي حنيفة وحكى في البحر أيضا عن ابن مسعود والحسن البصري والشافعي وأحمد وإسحاق أنه ليس بشرط قالوا يصح اعتكاف ساعة واحدة ولحظة واحدة واستدلوا بما تقدم من أنه صلى الله عليه وآله وسلم اعتكف العشر الأول من شوال ومن جملتها يوم الفطر .
وبحديث عمر الآتي وأجابوا عن حديث عائشة المذكور في الباب بما تقدم من الكلام عليه وهذا هو الحق لا كما قال ابن القيم أن الراجح الذي عليه جمهور السلف أن الصوم شرط في الاعتكاف . وقد روي عن علي وابن مسعود أنه ليس على المعتكف صوم إلا أن يوجبه على نفسه ويدل على ذلك [ ص 359 ] حديث ابن عباس الآتي ويؤيد قول من قال بجواز الاعتكاف ساعة أو لحظة حديث : ( من اعتكف فواق ناقة فكأنما أعتق نسمة ) رواه العقيلي في الضعفاء من حديث عائشة وأنس . قال في البدر المنير : هذا حديث غريب لا أعرفه بعد البحث الشديد عنه . وقال الحافظ : هو منكر ولكنه أخرجه الطبراني في الأوسط قال الحافظ : لم أر في إسناده ضعفا إلا أن فيه وجادة وفي المتن نكارة شديدة وذهبت العترة وأبو حنيفة إلى أن أقل مدة الاعتكاف يوم .
قوله : ( ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع ) فيه دليل على أن المسجد شرط للاعتكاف . قال في الفتح : واتفق العلماء على مشروطية المسجد للاعتكاف إلا محمد بن عمر بن لبابة المالكي فأجازه في كل مكان وأجاز الحنفية للمرأة أن تعتكف في مسجد بيتها وهو المكان المعد للصلاة . وفيه قول للشافعي قديم وفي وجه لأصحابه وللمالكية يجوز للرجال والنساء لأن التطوع في البيوت أفضل وذهب أبو حنيفة وأحمد إلى اختصاصه بالمساجد التي تقام فيها الصلوات وخصه أبو يوسف بالواجب منه وأما النفل ففي كل مسجد وقال الجمهور بعمومه في كل مسجد انتهى كلام الفتح . وسيأتي قول من قال أنه يختص بالمساجد الثلاثة