- هذه الأحاديث فيها دليل على مشروعية الاعتكاف وهو متفق عليه كما قال النووي وغيره . قال مالك : فكرت في الاعتكاف وترك الصحابة له مع شدة إتباعهم للأثر فوقع في نفسي أنه كالوصال وأراهم تركوه لشدته ولم يبلغني عن أحد من السلف أنه اعتكف إلا عن أبي بكر بن عبد الرحمن انتهى .
ومن كلام مالك هذا أخذ بعض أصحابه أن الاعتكاف جائز وأنكر ذلك عليهم ابن العربي وقال : إنه سنة مؤكدة وكذا قال ابن بطال في مواظبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يدل على تأكده . وقال أبو داود عن أحمد لا أعلم عن أحد من العلماء خلافا أنه مسنون وتعقب الحافظ في الفتح قول مالك أنه لم يعتكف من السلف إلا أبو بكر بن عبد الرحمن وقال لعله أراد صفة مخصوصة وإلا فقد حكي عن غير واحد من الصحابة أنه اعتكف .
( واعلم ) أنه لا خلاف في عدم وجوب الاعتكاف إلا إذا نذر به .
قوله : ( يعتكف ) الاعتكاف في اللغة هو الحبس واللزوم والمكث والاستقامة والاستدارة قال العجاج : .
فهن يعكفن به إذا حجا ... عكف النبيط يلعبون الفنزجا .
والنبيط قوم من العجم والفنزج بالفاء والنون والزاي والجيم لعبة للعجم يأخذ كل واحد منهم بيد صاحبه ويستديرون راقصين وقوله ( حجا ) أي أقام بالمكان . [ ص 355 ] وفي الشرع المكث في المسجد من شخص مخصوص بصفة مخصوصة .
قوله : ( العشر الأواخر من رمضان ) فيه دليل على استحباب مداومة الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان لتخصيصه صلى الله عليه وآله وسلم ذلك الوقت بالمداومة على اعتكافه .
قوله : ( اعتكف عشرين ) فيه دليل على أن من اعتاد اعتكاف أيام ثم لم يمكنه أن يعتكفها أنه يستحب له قضاؤها وسيأتي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعتكف لما لم يعتكف العشر الأواخر من رمضان العشر الأواخر من شوال