- حديث أبي موسى أخرجه أيضا ابن حبان وابن خزيمة والبيهقي وابن أبي شيبة . ولفظ ابن حبان : ( ضيقت عليه جهنم هكذا وعقد تسعين ) وأخرجه أيضا البزار والطبراني قال في مجمع الزوائد : ورجاله رجال الصحيح .
( وفي الباب ) عن عبد الله بن الشخير عند أحمد وابن حبان بلفظ : ( من صام الأبد فلا صام ولا أفطر ) وعن عمران بن حصين أشار إليه الترمذي .
قوله : ( فإنه أفضل الصيام ) مقتضاه أن الزيادة على ذلك من الصوم مفضولة وسيأتي البحث عن ذلك .
قوله : ( لا صام من صام الأبد ) استدل بذلك على كراهية صوم الدهر . قال ابن التين : استدل على الكراهة من وجوه نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن الزيادة وأمره بأن يصوم ويفطر . وقوله ( لا أفضل من ذلك ) ودعاؤه على من صام الأبد . وقيل معنى قوله لا صام النفي أي ما صام كقوله تعالى { فلا صدق ولا صلى } ويدل على ذلك ما عند مسلم من حديث أبي قتادة بلفظ : ( ما صام وما أفطر ) وما عند الترمذي بلفظ : ( لم يصم ولم يفطر ) قال في الفتح : أي لم يحصل أجر الصوم لمخالفته ولم يفطر لأنه أمسك . وإلى كراهة صوم الدهر مطلقا ذهب إسحاق وأهل الظاهر وهي رواية عن أحمد . وقال ابن حزم : يحرم ويدل للتحريم حديث أبي موسى المذكور في الباب لما فيه من الوعيد الشديد .
( وذهب الجمهور ) كما في الفتح إلى استحباب صومه وأجابوا عن حديث ابن عمرو وحديث أبي قتادة بأنه محمول على من كان يدخل على نفسه مشقة أو يفوت حقا قالوا ولذلك لم ينه صلى الله عليه وآله وسلم حمزة بن عمرو الأسلمي وقد قال له يا رسول الله إني أسرد الصوم ويجاب عن هذا بأن سرد الصوم لا يستلزم صوم الدهر بل المراد أنه كان كثير الصوم كما وقع ذلك في رواية الجماعة المتقدمة في باب الفطر والصوم في السفر . ويؤيد عدم الاستلزام ما أخرجه أحمد من حديث أسامة : ( أن النبي صلى الله [ ص 344 ] عليه وآله وسلم كان يسرد الصوم ) .
مع ما ثبت أنه لم يصم شهرا كاملا إلا رمضان وأجابوا عن حديث أبي موسى بحمله على من صامه جميعا ولم يفطر في الأيام المنهي عنها كالعيدين وأيام التشريق وهذا هو اختيار ابن المنذر وطائفة . وأجيب عنه بأن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا صام ولا أفطر لمن سأله عن صوم الدهر أن معناه أنه لا أجر له ولا إثم عليه ومن صام الأيام المحرمة لا يقال فيه ذلك لأنه أثم بصومها بالإجماع .
وحكى الأثرم عن مسدد أنه قال : معنى حديث أبي موسى ضيقت عليه جهنم فلا يدخلها وحكى مثله ابن خزيمة عن المزني ورجحه الغزالي . والملجئ إلى هذا التأويل أن من ازداد الله عملا صالحا ازداد عنده رفعة وكرامة . قال في الفتح : وتعقب بأن ليس كل عمل صالح إذا ازداد العبد منه ازداد من الله تقربا بل رب عمل صالح إذا ازداد منه ازداد بعدا كالصلاة في الأوقات المكروهة انتهى .
وأيضا لو كان المراد ما ذكروه لقال ضيقت عليه واستدلوا على الاستحباب بما وقع في بعض طرق حديث عبد الله بن عمرو بلفظ : ( فإن الحسنة بعشرة أمثالها وذلك مثل صيام الدهر ) وبما تقدم في حديث : ( من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر ) وبما تقدم في صيام أيام البيض أنه مثل صوم الدهر . قالوا : والمشبه به أفضل من المشبه فكان صيام الدهر أفضل من هذه المشبهات فيكون مستحبا وهو المطلوب . قال الحافظ : وتعقب بأن التشبيه في الأمر المقدر لا يقتضي جواز المشبه به فضلا عن استحبابه وإنما المراد حصول الثواب على تقدير مشروعية صيام ثلاثمائة وستين يوما .
ومن المعلوم أن المكلف لا يجوز له صيام جميع السنة فلا يدل التشبيه على أفضلية المشبه به من كل وجه واختلف المجوزون لصيام الدهر هل هو الأفضل أو صيام يوم وإفطار يوم فذهب جماعة منهم إلى أن صوم الدهر أفضل واستدلوا على ذلك بأنه أكثر عملا فيكون أكثر أجرا وتعقبه ابن دقيق العيد بأن زيادة الأجر بزيادة العمل ههنا معارضة باقتضاء العادة التقصير في حقوق أخرى فالأولى التفويض إلى حكم الشارع وقد حكم بأن صوم يوم وإفطار يوم أفضل الصيام هذا معنى كلامه ومما يرشد إلى أن صوم الدهر من جملة الصيام المفضل عليه صوم يوم وإفطار يوم أن ابن عمرو طلب أن يصوم زيادة على ذلك المقدار فأخبره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه أفضل الصيام [ ص 345 ]