- حديث أبي ذر الأول أخرجه أيضا ابن حبان وصححه . ولفظه عند النسائي [ ص 341 ] والترمذي قال : ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة ) وأخرجه أيضا النسائي وابن حبان وصححه من حديث أبي هريرة ورواه النسائي من حديث جرير مرفوعا قال الحافظ : وإسناده صحيح ورواه ابن أبي حاتم في العلل عن جرير موقوفا وصحح عن أبي زرعة وقفه وأخرجه أبو داود والنسائي من طريق ابن ملحان القيسي عن أبيه . وأخرجه البزار من طريق ابن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر . وحديث عائشة روي موقوفا قال في الفتح : وهو أشبه . وحديث أبي ذر الآخر حسنه الترمذي .
( وفي الباب ) عن ابن مسعود عند أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من غرة كل شهر ) وعن حفصة عند أبي داود والنسائي : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام الاثنين والخميس والاثنين من الجمعة الأخرى ) .
وعن عائشة غير حديث الباب عند مسلم قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام لا يبالي من أي الشهر صام ) .
وعن أبي هريرة غير حديثه الأول عند الشيخين بلفظ : ( أوصاني خليلي بصيام ثلاثة أيام ) .
وعن ابن عباس عند النسائي بلفظ : ( كان صلى الله عليه وآله وسلم لا يفطر أيام البيض في حضر ولا سفر ) وسيأتي . وعن قرة بن إياس المزني وأبي عقرب وعثمان بن أبي العاص أشار إلى ذلك الترمذي .
قوله : ( فصم ثلاث عشرة ) الخ فيه دليل على استحباب صوم أيام البيض وهي الثلاثة المعينة في الحديث وقد وقع الاتفاق بين العلماء على أنه يستحب أن تكون الثلاث المذكورة في وسط الشهر كما حكاه النووي واختلفوا في تعيينها فذهب الجمهور إلى أنها ثالث عشر ورابع عشر وخامس عشر . وقيل هي الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر . وحديث أبي ذر المذكور في الباب وما ذكرنا من الأحاديث الواردة في معناه يرد ذلك .
قوله : ( ثلاث من كل شهر ) الخ اختلفوا في تعيين هذه الثلاثة الأيام المستحبة من كل شهر ففسرها عمر بن الخطاب وابن مسعود وأبو ذر وغيرهم من الصحابة وجماعة من التابعين وأصحاب الشافعي بأيام البيض . ويشكل على هذا قول عائشة المتقدم : ( لا يبالي من أي الشهر صام ) وأجيب عن ذلك بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعله كان يعرض له ما يشغله من مراعاة ذلك أو كان يفعل ذلك لبيان الجواز وكل ذلك في حقه أفضل [ ص 342 ] والذي أمر به قد أخبر به أمته ووصاهم به وعينه لهم فيحمل مطلق الثلاث على الثلاث المقيدة بالأيام المعينة واختار النخعي وآخرون أنها آخر الشهر واختار الحسن البصري وجماعة أنها من أوله واختارت عائشة وآخرون صيام السبت والأحد والاثنين من عدة شهر ثم الثلاثاء والأربعاء والخميس من الشهر الذي بعده للحديث المذكور في الباب عنها . وقال البيهقي : ( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام لا يبالي من أي الشهر صام ) كما في حديث عائشة قال : فكل من رآه فعل نوعا ذكره وعائشة رأت جميع ذلك فأطلقت . وقال الروياني : صيام ثلاثة أيام من كل شهر مستحب فإن اتفقت أيام البيض كان أحب .
وفي حديث رفعه ابن عمر : ( أول اثنين في الشهر وخميسان بعده ) وروي عن مالك أنه يكره تعيين الثلاث . قال في الفتح : وفي كلام غير واحد من العلماء أن استحباب صيام أيام البيض غير استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر انتهى .
وهذا هو الحق لأن حمل المطلق على المقيد ههنا متعذر وكذلك استحباب السبت والأحد والاثنين من شهر والثلاثاء والأربعاء والخميس من شهر غير استحباب ثلاثة أيام من كل شهر وقد حكى الحافظ في الفتح في تعيين الثلاثة الأيام المطلقة عشرة أقوال وقد ذكرنا أكثرها والحق أنها تبقى على إطلاقها فيكون الصائم مخيرا وفي أي وقت صامها فقد فعل المشروع لكن لا يفعلها في أيام البيض .
( فالحاصل ) من أحاديث الباب استحباب صيام تسعة أيام من كل شهر ثلاثة مطلقة وأيام البيض والسبت والأحد والاثنين في شهر والثلاثاء والأربعاء والخميس في شهر .
قوله : ( فذلك صيام الدهر ) وذلك لأن الحسنة بعشرة أمثالها فيعدل صيام الثلاثة الأيام من كل شهر صيام الشهر كله فيكون كمن صام الدهر