- حديث ابن عباس هو مثل حديث أبي هريرة المتقدم وفي إسناده الحسين بن عبد الله بن عبيد الله وثقه ابن معين وضعفه الأئمة . وحديث جنادة الأزدي هو [ ص 337 ] مثل حديث جويرية وأخرجه أيضا الحاكم وأخرجه أيضا النسائي بإسناد رجاله رجال الصحيح إلا حذيفة البارقي وهو مقبول .
قوله : ( قال نعم ) زاد مسلم وأحمد وغيرهما : ( قال نعم ورب هذا البيت ) وفي رواية النسائي : ( ورب الكعبة ) وهم صاحب العمدة فعزاها إلى مسلم .
قوله : ( أن يفرد بصوم ) فيه دليل على أن النهي المطلق في الرواية الأولى مقيد بالإفراد لا إذا لم يفرد الجمعة بالصوم كما يأتي في بقية الروايات .
قوله : ( إلا وقبله يوم أو بعده يوم ) أي لا تصوموا قبله يوما أو تصوموا بعده يوما وكذا وقع في رواية الإسماعيلي فقال : ( إلا أن تصوموا قبله أو بعده ) وفي رواية لمسلم : ( إلا أن تصوموا قبله يوما أو بعده يوما ) وهذه الروايات تقيد مطلق النهي أيضا .
قوله : ( ولا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ) فيه دليل على عدم جواز تخصيص ليلة الجمعة بقيام أو صلاة من بين الليالي .
قال النووي في شرح مسلم : وهذا متفق على كراهته قال : واحتج به العلماء على كراهة هذه الصلاة المبتدعة التي تسمى الرغائب قاتل الله واضعها ومخترعها فإنها بدعة منكرة من البدع التي هي ضلالة وجهالة وفيها منكرات ظاهرة . وقد صنف جماعة من الأئمة مصنفات نفيسة في تقبيحها وتضليل مصليها ومبتدعها ودلائل قبحها وبطلانها وتضليل فاعلها أكثر من أن تحصر والله أعلم انتهى .
واستدل بأحاديث الباب على منع إفراد يوم الجمعة بالصيام وقد حكاه ابن المنذر وابن حزم عن علي عليه السلام وأبي هريرة وسلمان وأبي ذر . قال ابن حزم : ولا نعلم لهم مخالفا في الصحابة ونقله أبو الطيب الطبري عن أحمد وابن المنذر وبعض الشافعية .
وقال ابن المنذر : ثبت النهي عن صوم يوم الجمعة كما ثبت عن صوم يوم العيد وهذا يشعر بأنه يرى تحريمه . وقال أبو جعفر الطبري : يفرق بين العيد والجمعة بأن الإجماع منعقد على تحريم صوم يوم العيد ولو صام قبله أو بعده وذهب الجمهور إلى أن النهي فيه للتنزيه . وقال مالك وأبو حنيفة : لا يكره واستدلا بحديث ابن مسعود الآتي : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قل ما كان يفطر يوم الجمعة ) قال في الفتح : وليس فيه حجة لأنه يحتمل أنه كان لا يتعمد فطره إذا وقع في الأيام التي كان يصومها ولا يضاد ذلك كراهة إفراده بالصوم جمعا بين الخبرين قال : ومنهم من عده من الخصائص وليس بجيد لأنها لا تثبت بالاحتمال انتهى .
ويمكن أن يقال بل دعوى اختصاص صومه به صلى الله عليه وآله وسلم جيدة لما تقرر في الأصول من أن [ ص 338 ] فعله صلى الله عليه وآله وسلم لما نهي عنه نهيا يشمله يكون مخصصا له وحده من العموم ونهيا يختص بالأمة لا يكون فعله معارضا له إذا لم يقم دليل يدل على التأسي به في ذلك الفعل لخصوصه لا مجرد أدلة التأسي العامة فإنها مخصصة بالنهي للأمة لأنه أخص منها مطلقا .
ومن غرائب المقام ما احتج له بعض المالكية على عدم كراهة صوم يوم الجمعة يقال يوم لا يكره صومه مع غيره فلا يكره وحده وهذا قياس فاسد الاعتبار لأنه منصوب في مقابلة النصوص الصحيحة وأغرب من ذلك قول مالك في الموطأ لم أسمع أحدا من أهل العلم والفقه ومن يقتدى به ينهى عن صيام يوم الجمعة وصيامه حسن وقد رأيت بعضهم يصومه وأراه كان يتحراه قال النووي : والسنة مقدمة على ما رآه هو وغيره وقد ثبت النهي عن صوم الجمعة فيتعين القول به ومالك معذور فإنه لم يبلغه . قال الداودي من أصحاب مالك : لم يبلغ مالكا هذا الحديث ولو بلغه لم يخالفه .
( وقد اختلف ) في سبب كراهة إفراد يوم الجمعة بالصيام على أقوال ذكرها صاحب الفتح منها لكونه عيدا ويدل على ذلك رواية أحمد المذكورة في الباب واستشكل التعليل بذلك بوقوع الإذن من الشارع بصومه مع غيره وأجاب ابن القيم وغيره بأن شبهه بالعيد لا يستلزم الاستواء من كل وجه ومن صام معه غيره انتفت عنه صورة التحري بالصوم ومنها لئلا يضعف عن العبادة ورجحه النووي .
قال في الفتح : وتعقب ببقاء المعنى المذكور مع صوم غيره معه وأجاب النووي بأنه يحصل بفضيلة اليوم الذي قبله أو بعده جبر ما يحصل به يوم صومه من فتور أو تقصير . قال الحافظ : وفيه نظر فإن الجبر لا ينحصر في الصوم بل يحصل بجميع أفعال الجبر فيلزم منه جواز إفراده لمن عمل فيه خيرا كثيرا يقوم مقام صيام يوم قبله أو بعده كمن أعتق فيه رقبة مثلا ولا قائل بذلك وأيضا فكأن النهي يختص بمن يخشى عليه الضعف لا من يتحقق منه القوة ويمكن الجواب عن هذا بأن المظنة أقيمت مقام المئنة كما في جواز الفطر في السفر لمن لم يشق عليه .
ومنها خوف المبالغة في تعظيمه فيفتتن به كما افتتن اليهود بالسبت . قال في الفتح : وهو منتقض بثبوت تعظيمه بغير الصيام وخوف اعتقاد وجوبه قال في الفتح أيضا : وهو منتقض بصوم الاثنين والخميس . ومنها خشية أن يفرض عليهم كما خشي صلى الله عليه وآله وسلم من قيام الليل ذلك قاله المهلب . قال في الفتح : وهو منتقض بإجازة صومه مع غيره وبأنه لو كان السبب ذلك لجاز صومه بعده صلى الله عليه وآله وسلم لارتفاع الخشية ومنها مخالفة النصارى لأنه يجب عليهم صومه ونحن مأمورون بمخالفتهم . [ ص 339 ] قال في الفتح : وهو ضعيف .
وأقوى الأقوال وأولاها بالصواب الأول لما تقدم من حديث أبي هريرة وقد أخرجه الحاكم أيضا ولما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد حسن عن علي عليه السلام قال : ( من كان منكم متطوعا من الشهر فليصم يوم الخميس ولا يصم يوم الجمعة فإنه يوم طعام وشراب وذكر )