- في الباب عن عائشة عند الشيخين ولفظ الدارقطني الذي ذكره المصنف قال الخطابي : إنه تفرد به معلى بن منصور عن ابن عيينة وذكر البيهقي أن الحاكم نظر في كتاب معلى بن منصور فلم يجد هذه اللفظة يعني هلكت وأهلكت وأخرجها من رواية الأوزاعي وذكر أنها أدخلت على بعض الرواة في حديثه وأن أصحابه [ ص 294 ] لم يذكروها . قال الحافظ : وقد رواها الدارقطني من رواية سلامة بن روح عن عقيل عن ابن شهاب .
قوله : ( جاء رجل ) قال عبد الغني في المبهمات : إن اسمه سلمان أو سلمة بن صخر البياضي . ويؤيده ما وقع عند ابن أبي شيبة عن سلمة بن صخر أنه ظاهر من امرأته وأخرج ابن عبد البر في التمهيد عن سعيد بن المسيب أنه سلمان ابن صخر .
قوله : ( هلكت ) استدل به على أنه كان عامدا لأن الهلاك مجاز عن العصيان المؤدي إلى ذلك فكأنه جعل المتوقع كالواقع مجازا فلا يكون في الحديث حجة على وجوب الكفارة على الناسي وبه قال الجمهور . وقال أحمد وبعض المالكية : إنها تجب على الناسي واستدلوا بتركه صلى الله عليه وآله وسلم للاستفصال وهو ينزل منزلة العموم .
قال في الفتح : والجواب أنه قد تبين حاله بقوله ( هلكت واحترقت ) وأيضا وقوع النسيان في الجماع في نهار رمضان في غاية البعد .
قوله : ( وقعت على امرأتي ) في رواية : ( أن رجلا أفطر في رمضان ) وبهذا استدلت المالكية على وجوب الكفارة على من أفطر في رمضان بجماع أو غيره والجمهور حملوا المطلق على المقيد وقالوا لا كفارة إلا في الجماع .
قوله : ( رقبة ) استدلت الحنفية بإطلاق الرقبة على جواز إخراج الرقبة الكافرة وأجيب عن ذلك بأنه يحمل المطلق على المقيد في كفارة القتل وبه قال الجمهور والخلاف في المسألة مبسوط في الأصول .
قوله : ( ستين مسكينا ) قال ابن دقيق العيد : أضاف الإطعام الذي هو مصدر أطعم إلى ستين فلا يكون ذلك موجودا في حق من أطعم ستة مساكين عشرة أيام مثلا وبه قال الجمهور . وقالت الحنفية : إنه لو أطعم الجميع مسكينا واحدا في ستين يوما كفى ويدل على قولهم قوله ( فأطعمه أهلك ) وفي ذلك دليل على أن الكفارة تجب بالجماع خلافا لمن شذ فقال لا تجب مستندا إلى أنها لو كانت واجبة لما سقطت بالإعسار وتعقب بمنع السقوط كما سيأتي وفيه أيضا دليل على أنه يجزئ التكفير بكل واحدة من الثلاث الخصال وروي عن مالك أنه لا يجزئ إلا الإطعام والحديث يرد عليه وظاهر الحديث أنه لا يجزئ التكفير بغير هذه الثلاث وروي عن سعيد بن المسيب أنه يجزئ إهداء البدنة كما في الموطأ عنه مرسلا .
وقد روى سعيد بن منصور عن سعيد بن المسيب أنه كذب من نقل عنه ذلك . وظاهر الحديث أيضا أن الكفارة بالخصال الثلاث على الترتيب قال ابن العربي : لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نقله من أمر بعد [ ص 295 ] عدمه إلى أمر آخر وليس هذا شأن التخيير ونازع عياض في ظهور دلالة الترتيب في السؤال عن ذلك فقال : إن مثل هذا السؤال قد يستعمل فيما هو على التخيير وقرره ابن المنير .
قال البيضاوي : إن ترتيب الثاني على الأول والثالث على الثاني بالفاء يدل على عدم التخيير مع كونها في معرض البيان وجواب السؤال فتنزل منزلة الشرط وإلى القول بالترتيب ذهب الجمهور . وقد وقع في الروايات ما يدل على الترتيب والتخيير والذين رووا الترتيب أكثر ومعهم الزيادة وجمع المهلب والقرطبي بين الروايات بتعدد الواقعة .
قال الحافظ : وهو بعيد لأن القصة واحدة والمخرج متحد والأصل عدم التعدد وجمع بعضهم بحمل الترتيب على الأولوية والتخيير على الجواز وعكسه بعضهم .
قوله : ( فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ) بضم الهمزة للأكثر على البناء للمجهول والرجل الآتي لم يسم . ووقع في رواية للبخاري : ( فجاء رجل من الأنصار ) وفي أخرى للدارقطني : ( رجل من ثقيف ) .
قوله : ( بعرق فيه تمر ) بفتح المهملة والراء بعدها قاف وفي رواية القابسي بإسكان الراء وقد أنكر ذلك عليه والصواب الفتح كما قال عياض .
وقال الحافظ : الإسكان ليس بمنكر وهو الزنبيل والزنبيل هو المكتل قال في الصحاح : المكتل يشبه الزنبيل يسع خمسة عشر صاعا ووقع عند الطبراني في الأوسط أنه أتى بمكتل فيه عشرون صاعا فقال تصدق بهذا وفي إسناده ليث ابن أبي سليم ووقع مثل ذلك عند ابن خزيمة من حديث عائشة وفي مسلم عنها فجاءه عرقان فيهما طعام .
قال في الفتح : ووجهه أن التمر كان في عرق لكنه كان في عرقين في حال التحميل على الدابة ليكون أسهل فيحتمل أن الآتي به لما وصل أفرغ أحدهما في الآخر فمن قال عرقان أراد ابتداء الحال ومن قال عرق أراد ما آل إليه وقد ورد في تقدير الإطعام حديث علي عند الدارقطني بلفظ : ( يطعم ستين مسكينا لكل مسكين مد ) وفيه : ( فأتى بخمسة عشر صاعا فقال أطعمه ستين مسكينا ) وكذا عند الدارقطني من حديث أبي هريرة . قال الحافظ : من قال عشرون أراد أصل ما كان عليه ومن قال خمسة عشر أراد قدر ما يقع به الكفارة .
قوله : ( تصدق بهذا ) استدل به وبما قبله من قال أن الكفارة تجب على الرجل فقط وبه قال الأوزاعي وهو الأصح من قولي الشافعي . وقال الجمهور تجب على المرأة على اختلاف بينهم في الحرة والأمة والمطاوعة والمكرهة وهل هي عليها أو على الرجل واستدل الشافعي بسكوته عن [ ص 296 ] إعلام المرأة في وقت الحاجة وتأخير البيان عنها لا يجوز ورد بأنها لم تعترف ولم تسأل فلا حاجة ولا سيما مع احتمال أن تكون مكرهة كما يرشد إلى ذلك قوله في رواية الدارقطني : ( هلكت وأهلكت ) .
قوله : ( فهل على أفقر منا ) هذا يدل على أنه فهم من الأمر له بالتصدق أن يكون المتصدق عليه فقيرا .
قوله : ( فما بين لابتيها ) بالتخفيف تثنية لابة وهي الحرة والحرة الأرض التي فيها حجارة سود يقال لابة ولوبة ونوبة بالنون حكاهن الجوهري وجماعة من أهل اللغة والضمير عائد إلى المدينة أي ما بين حرتي المدينة .
قوله : ( فضحك النبي صلى الله عليه وآله وسلم ) قيل سبب ضحكه ما شاهده من حال الرجل حيث جاء خائفا على نفسه راغبا في فدائها مهما أمكنه فلما وجد الرخصة طمع في أن يأكل ما أعطيه في الكفارة . وقيل ضحك من بيان الرجل في مقاطع كلامه وحسن بيانه وتوسله إلى مقصوده .
وظاهر هذا أنه وقع منه ضحك يزيد على التبسم فيحمل ما ورد في صفته صلى الله عليه وآله وسلم أن ضحكه كان التبسم على غالب أحواله .
قوله : ( فأطعمه أهلك ) استدل به على سقوط الكفارة بالإعسار لما تقرر من أنها لا تصرف في النفس والعيال ولم يبين له صلى الله عليه وآله وسلم استقرارها في ذمته إلى حين يساره وهو أحد قولي الشافعي وجزم به عيسى بن دينار من المالكية وقال الجمهور لا تسقط بالإعسار قالوا وليس في الخبر ما يدل على سقوطها عن المعسر بل فيه ما يدل على استقرارها عليه قالوا أيضا والذي أذن له في التصرف فيه ليس على سبيل الكفارة وقيل المراد بالأهل المذكورين من لا تلزمه نفقتهم وبه قال بعض الشافعية ورد بما وقع من التصريح في رواية بالعيال وفي أخرى من الأذن له بالأكل وقيل لما كان عاجزا عن نفقة أهله جاز له أن يفرق الكفارة فيهم . وقيل غير ذلك وقد طول الكلام عليه في الفتح .
قوله : ( وصم يوما مكانه ) يعني مكان اليوم الذي جامع فيه قال الحافظ : وقد ورد الأمر بالقضاء في رواية أبي أويس وعبد الجبار وهشام بن سعد كلهم عن الزهري وأخرجه البيهقي من طريق إبراهيم بن سعد عن الليث عن الزهري . وحديث إبراهيم بن سعد في الصحيح عن الزهري نفسه بغير هذه الزيادة . وحديث الليث عن الزهري في الصحيحين بدونها ووقعت الزيادة أيضا في مرسل سعيد بن المسيب ونافع بن جبير والحسن ومحمد بن كعب . وبمجموع هذه الطرق الأربع يعرف أن [ ص 297 ] لهذه الزيادة أصلا وقد حكى عن الشافعي أنه لا يجب عليه القضاء واستدل له بأنه لم يقع التصريح في الصحيحين بالقضاء ويجاب بأن عدم الذكر له في الصحيحين لا يستلزم العدم وقد ثبت عند غيرهما كما تقدم . وظاهر إطلاق اليوم عدم اشتراط الفورية