- قوله : ( فلا يرفث ) بضم الفاء وكسرها ويجوز في ماضيه التثليث والمراد به هنا الكلام الفاحش وهو بهذا المعنى بفتح الراء والفاء وقد يطلق على الجماع وعلى مقدماته وعلى ذكر ذلك مع النساء أو مطلقا .
قال في الفتح : ويحتمل أن يكون النهي لما هو أعم منها . وفي رواية : ولا يجهل أي لا يفعل شيئا من أفعال الجهل كالصياح والسفه ونحو ذلك : .
قوله : ( ولا يصخب ) الصخب هو الرجة واضطراب الأصوات للخصام . قال القرطبي : لا يفهم من هذا أن غير يوم الصوم يباح فيه ما ذكر وإنما المراد أن المنع من ذلك يتأكد بالصوم .
قوله : ( أو قاتله ) يمكن حمله على ظاهره ويمكن أن يراد بالقتل اللعن فيرجع إلى معنى الشتم ولا يمكن حمل قاتله وشاتمه على الفاعلة لأن الصائم مأمور بأن يكف نفسه عن ذلك فكيف يقع ذلك وإنما المعنى إذا جاء متعرضا لمقاتلته أو مشاتمته كأن يبدأه بقتل أو شتم اقتضت العادة أن يكافئه عليها فالمراد بالمفاعلة إرادة غير الصائم ذلك من الصائم وقد تطلق المفاعلة على وقوع الفعل من واحد كما يقال عالج الأمر وعاناه .
قال في الفتح : وأبعد من حمله على ظاهره فقال المراد إذا بدرت من الصائم مقابلة الشتم بالشتم على مقتضى الطبع فلينزجر عن ذلك ومما يبعد ذلك ما وقع في رواية فإن شتمه أحد .
قوله : ( إني امرؤ صائم ) في رواية لابن خزيمة بزيادة : ( وإن كنت قائما فاجلس ) ومن الرواة من ذكر قوله ( إني امرؤ صائم مرتين ) .
واختلف في المراد بقوله إني صائم هل يخاطب بها الذي [ ص 286 ] يشتمه ويقاتله أو يقولها في نفسه وبالثاني جزم المتولي ونقله الرافعي عن الأئمة ورجح النووي في الأذكار الأول وقال في شرح المهذب : كل منهما حسن والقول باللسان أقوى ولو جمعهما لكان حسنا وقال الروياني : إن كان رمضان فليقل بلسانه وإن كان غيره فليقله في نفسه . وادعى ابن العربي أن موضع الخلاف في التطوع وأما في الفرض فليقله بلسانه قطعا .
قوله : ( والذي نفس محمد بيده ) هذا القسم لقصد التأكيد .
قوله : ( لخلوف ) بضم المعجمة واللام وسكون الواو وبعدها فاء قال عياض : هذه الرواية الصحيحة وبعض الشيوخ يقول بفتح الخاء . قال الخطابي : وهو خطأ وحكى عن القابسي الوجهين وبالغ النووي في شرح المهذب فقال : لا يجوز فتح الخاء واحتج غيره لذلك بأن المصادر التي جاءت على فعول بفتح أوله قليلة ذكرها سيبويه وغيره وليس هذا منها والخلوف تغير رائحة الفم .
قوله : ( أطيب عند الله من ريح المسك ) اختلف في معناه فقال المازري : هو مجاز لأنها جرت العادة بتقريب الروائح الطيبة منا فاستعير ذلك لتقريب الصائم من الله فالمعنى أنه أطيب عند الله من ريح المسك عندكم أي يقرب إليه أكثر من تقريب المسك إليكم وإلى ذلك أشار ابن عبد البر وإنما جعل من باب المجاز لأن الله تعالى منزه عن استطابة الروائح لأن ذلك من صفات الحيوان والله يعلم الأشياء على ما هي عليه . وقيل المعنى أن حكم الخلوف والمسك عند الله على خلاف ما عندكم وقيل المراد " ن الله يجازيه في الآخرة فتكون نكهته أطيب من ريح المسك كما يأتي المكلوم وريح جرحه يفوح مسكا قاله القاضي عياض والمراد أن صاحبه ينال من الثواب ما هو أفضل من ريح المسك حكاه القاضي عياض أيضا .
وقال الداودي من المغاربة : المعنى أن الخلوف أكثر ثوابا من المسك حيث ندب إليه في الجمع والأعياد ومجالس الذكر ورجحه النووي وقد اختلف هل ذلك في الدنيا أو في الآخرة فقال بالأول ابن الصلاح وبالثاني ابن عبد السلام . واحتج ابن الصلاح بما أخرجه ابن حبان بلفظ : ( فم الصائم حين يخلف من الطعام ) وكذا أخرجه أحمد وبما أخرجه أيضا الحسن بن سفيان في مسنده والبيهقي في الشعب من حديث جابر بلفظ : ( فإن خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك ) قال المنذري : إسناده مقارب واحتج ابن الصلاح أيضا بأن ما قاله هو ما ذهب إليه الجمهور . واحتج ابن عبد السلام على ما قاله بما في مسلم وأحمد والنسائي : ( أطيب عند الله يوم القيامة ) وأخرج أحمد هذه الزيادة من وجه آخر ويترتب على هذا الخلاف القول بكراهة السواك للصائم وقد تقدم البحث عنه [ ص 287 ] في موضعه .
قوله : ( للصائم فرحتان إذا أفطر ) الخ قال القرطبي : معناه فرح بزوال جوعه وعطشه حيث أبيح له الفطر وهذا الفرح طبيعي وهو السابق إلى الفهم وقيل أن فرحه لفطره إنما هو من حيث أنه تمام صومه وخاتمة عبادته . قال في الفتح : ولا مانع من الحمل على ما هو أعم مما ذكر ففرح كل واحد بحسبه لاختلاف مقامات الناس في ذلك فمنهم من يكون فرحه مباحا وهو الطبيعي ومنهم من يكون مستحبا وهو أن يكون لتمام العبادة والمراد بالفرح إذا لقي ربه أنه يفرح بما يحصل له من الجزاء والثواب .
قوله : ( الزور والعمل به ) زاد البخاري في رواية والجهل . وأخرج الطبراني من حديث أنس : ( من لم يدع الخنى والكذب ) قال الحافظ : ورجاله ثقات والمراد بالزور الكذب .
قوله : ( فليس لله حاجة ) الخ قال ابن بطال : ليس معناه أنه يؤمر بأن يدع صيامه وإنما معناه التحذير من قول الزور وما ذكر معه قال في الفتح : ولا مفهوم لذلك فإن الله لا يحتاج إلى شيء وإنما معناه فليس لله إرادة في صيامه فوضع الحاجة موضع الإرادة . وقال ابن المنير في حاشيته على البخاري : بل هو كناية عن عدم القبول كما يقول المغضب لمن رد عليه شيئا طلبه منه فلم يقم به لا حاجة لي في كذا . وقال ابن العربي : مقتضى هذا الحديث أن لا يثاب على صيامه ومعناه أن ثواب الصيام لا يقوم في الموازنة بإثم الزور وما ذكر معه واستدل بهذا الحديث على أن هذه الأفعال تنقص ثواب الصوم وتعقب بأنها صغائر تكفر باجتناب الكبائر