- حديث ابن عباس ورد على أربعة أوجه كما حكاه في التلخيص عن بعض الحفاظ الأول احتجم وهو محرم . الثاني احتجم وهو صائم . الثالث كالرواية الأولى التي ذكرها المصنف . الرابع كالرواية الثانية التي ذكرها المصنف . وقد أخرج اللفظ الأول من الأربعة الشيخان من حديث عبد الله بن بحينة وله طرق شتى عند النسائي وغيره من حديث أنس وجابر والثاني رواه أصحاب السنن من طريق الحكم عن مقسم عن ابن عباس لكن أعل بأنه ليس من مسموع الحكم عن مقسم وله طرق أخرى . والثالث أخرجه من ذكر المصنف وكذلك الرابع وأعله أحمد وعلي بن المديني وغيرهما فقال أحمد : ليس فيه صائم إنما هو محرم عند أصحاب ابن عباس . وقال أبو حاتم : هذا خطأ أخطأ فيه شريك وقال الحميدي : إنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن محرما صائما لأنه خرج في رمضان في غزاة الفتح ولم يكن محرما انتهى .
وإذا صح فينبغي أن يحمل على أن كل واحد من الصوم والإحرام وقع في حالة مستقلة وهذا لا مانع منه وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صام في رمضان وهو مسافر وزاد الشافعي وابن عبد البر وغير واحد أن ذلك في حجة الوداع . قال الحافظ : وفيه نظر لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان مفطرا كما صح أن أم الفضل أرسلت إليه بقدح لبن فشربه وهو واقف بعرفة وعلى تقدير وقوع ذلك فقد قال ابن خزيمة : هذا الخبر لا يدل على أن الحجامة لا تفطر الصائم لأنه إنما احتجم وهو صائم محرم في سفر لا في حضر لأنه لم يكن قط محرما مقيما ببلد قال : وللمسافر أن يفطر ولو نوى الصوم ومضى عليه بعض النهار خلافا لمن أبى ذلك ثم احتج له لكن تعقب عليه الخطابي بأن قوله وهو صائم دال على بقاء الصوم .
قال الحافظ : قلت ولا مانع من إطلاق ذلك باعتبار ما كان عليه حالة الاحتجام لأنه على هذا التأويل إنما أفطر بالاحتجام انتهى .
وحديث أنس الأول اعترض على البخاري فيه بأنه سقط من إسناده حميد ما بين شعبة وثابت البناني . وقال الحافظ : إن الخلل وقع فيه من غير البخاري وبين وجه ذلك .
وحديث عبد الرحمن بن أبي ليلى أخرجه أيضا عبد الرزاق . قال في الفتح : وإسناده صحيح والجهالة بالصحابي لا تضر . وقوله إبقاء على أصحابه متعلق [ ص 279 ] بقوله نهى . وقد رواه ابن أبي شيبة عن وكيع عن الثوري بإسناده هذا ولفظه عن أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم قالوا إنما نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الحجامة للصائم وكرهها للضعيف أي لئلا يضعف . وحديث أنس الآخر قال في الفتح : رواته كلهم من رجال البخاري .
( وفي الباب ) عن أبي سعيد الخدري قال : رخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحجامة أخرجه النسائي وابن خزيمة والدارقطني قال الحافظ : إسناده صحيح ورجاله ثقات لكن اختلف في رفعه ووقفه واستشهد له بحديث أنس المذكور .
وله حديث آخر عند الترمذي والبيهقي : ( أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال : ثلاث لا يفطرن القيء والحجامة والاحتلام ) وفي إسناده عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف .
وقال الترمذي : هذا الحديث غير محفوظ . وقد رواه الداروردي وغير واحد عن زيد بن أسلم مرسلا ورواه أبو داود عن زيد بن أسلم عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورجحه أبو حاتم وأبو زرعة وقال : إنه أصح وأشبه بالصواب وتبعهما البيهقي . وقال الدارقطني : رواه كامل بن طلحة عن مالك بن زيد موصولا ثم رجع عنه وليس هو من حديث مالك قال : ورواه هشام بن سعد عن زيد موصولا ولا يصح وأخرجه في السنن .
( وفي الباب ) عن ابن عباس عند البزار وهو معلول وعن ثوبان عند الطبراني وسنده ضعيف . وقد استدل الجمهور بالأحاديث المذكورة على أن الحجامة لا تفطر ولكن حديث ابن عباس لا يصلح لنسخ الأحاديث السابقة أما أولا فلأنه لم يعلم تأخره لما عرفت من عدم انتهاض تلك الزيادة أعني قوله في حجة الوداع وأما ثانيا فغاية فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الواقع بعد عموم يشمله أن يكون مخصصا له من العموم لا رافعا لحكم العام نعم حديث ابن أبي ليلى وأنس وأبي سعيد يدل على أن الحجامة غير محرمة ولا موجبة لإفطار الحاجم ولا المحجوم فيجمع بين الأحاديث بأن الحجامة مكروهة في حق من كان يضعف بها وتزداد الكراهة إذا كان الضعف يبلغ إلى حد يكون سببا للإفطار ولا تكره في حق من كان لا يضعف بها وعلى كل حال تجنب الحجامة للصائم أولى فيتعين حمل قوله أفطر الحاجم والمحجوم على المجاز لهذه الأدلة الصارفة له عن معناه الحقيقي [ ص 280 ]