- حديثه الأول من كونه في صحيح مسلم قد أعله قوم بتردد وقع في رواية عمرو بن دينار حيث قال : وعلمي والذي يخطر على بالي أن أبا الشعثاء أخبرني فذكر الحديث . وقد [ ص 33 ] ورد من طريق أخرى بلا تردد . وأعل أيضا بعدم ضبط الراوي ومخالفته والمحفوظ ما أخرجه الشيخان بلفظ : ( أن النبي A وميمونة كانا يغتسلان من إناء واحد ) . وحديثه الآخر أخرجه أيضا الدارقطني وصححه ابن خزيمة وغيره كذا قال الحافظ في الفتح . وقال الدارقطني قد أعله قوم بسماك بن حرب راويه عن عكرمة لأنه كان يقبل التلقين لكن قد رواه شعبة وهو لا يحمل عن مشايخه إلا صحيح حديثهم .
قوله ( لا يجنب ) في نسخة بفتح الياء التحتية وفي أخرى بضمها فالأولى من جنب بضم النون وفتحها والثانية من أجنب : قال في القاموس : وقد أجنب وجنب وجنب واستجنب وهو جنب يستوي للواحد والجمع اه .
وظاهر حديثي ابن عباس وميمونة معارض لحديث الحكم السابق وحديث الرجل الذي من الصحابة فيتعين الجمع بما سلف ( لا يقال ) إن فعل النبي A لا يعارض قوله الخاص بالأمة لأنا نقول إن تعليله الجواز بأن الماء لا يجنب مشعر بعدم اختصاص ذلك به . وأيضا النهي غير مختص بالأمة لأن صيغة الرجل تشمله A بطريق الظهور وقد تقرر دخول المخاطب في خطاب نفسه نعم لو لم يرد ذلك التعليل كان فعله A مخصصا له من عموم الحديثين السابقين .
وقد نقل النووي الاتفاق على جواز وضوء المرأة بفضل الرجل دون العكس وتعقبه الحافظ بأن الطحاوي قد أثبت فيه الخلاف . قال المصنف C تعالى : قلت وأكثر أهل العلم على الرخصة للرجل من فضل طهور المرأة والإخبار بذلك أصح وكرهه أحمد وإسحاق إذا خلت به وهو قول عبد الله بن سرجس وحملوا حديث ميمونة على أنها لم تخل به جمعا بينه وبين حديث الحكم . فأما غسل الرجل والمرأة ووضوءهما جميعا فلا اختلاف فيه . قالت أم سلمة : ( كنت أغتسل أنا ورسول الله A من إناء واحد من الجنابة ) متفق عليه . وعن عائشة قالت : ( كنت أغتسل أنا ورسول الله A من إناء واحد تختلف أيدينا فيه من الجنابة ) متفق عليه . وفي لفظ للبخاري : ( من إناء واحد نغترف منه جميعا ) . ولمسلم : ( من إناء بيني وبينه واحد فيبادرني حتى أقول دع لي دع لي ) وفي لفظ النسائي : ( من إناء واحد يبادرني وأبادره حتى يقول دعي لي وأنا أقول دع لي ) اه .
وقد وافق المصنف في نقل الاتفاق على جواز اغتسال الرجل والمرأة من الإناء الواحد جميعا الطحاوي والقرطبي والنووي وفيه نظر لما حكاه ابن المنذر عن أبي هريرة أنه كان ينهى عنه وحكاه ابن عبد البر عن قوم .
ومن جملة ما يدل على جواز الاغتسال [ ص 34 ] والوضوء للرجل والمرأة من الإناء الواحد جميعا ما أخرج أبو داود من حديث أم صبية الجهنية قالت : ( اختلفت يدي ويد رسول الله A في الوضوء من إناء واحد ) ومن حديث ابن عمر قال : ( كان الرجال والنساء يتوضئون في زمان رسول الله A قال مسدد من الإناء الواحد جميعا ) قال في الفتح : ظاهره أنهم كانوا يتناولون الماء في حالة واحدة . وحكى ابن التين عن قوم أن معناه أن الرجال والنساء كانوا يتوضئون جميعا في موضع واحد هؤلاء على حدة وهؤلاء على حدة والزيادة المتقدمة في قوله من إناء واحد ترد عليه . وكأن هذا القائل استبعد اجتماع الرجال والنساء الأجانب .
وقد أجاب ابن التين عنه بما حكاه سحنون أن معناه كان الرجال يتوضئون ويذهبون ثم يأتي النساء وهو خلاف الظاهر لأن قوله جميعا معناه ضد المفترق كما قال أهل اللغة . وقد وقع مصرحا بوحدة الإناء في صحيح ابن خزيمة في هذا الحديث من طريق معتمر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر : ( أنه أبصر النبي A وأصحابه يتطهرون والنساء معهم من إناء واحد كلهم يتطهرون منه ) . والأولى في الجواب أن يقال لا مانع من الاجتماع قبل نزول الحجاب وأما بعده فيختص بالمحارم والزوجات